أدخلت الاضطرابات الجوية الأخيرة عبر ولايات الوطن سكان مدن القبائل والعاصمة والمدية، بوجه خاص، في حالة استنفار قصوى على خلفية انزلاق التربة التي باتت تهدد سكنات الآلاف. ورغم تحذيرات الخبراء من زحف الظاهرة في المستقبل وبين “صمت” الإدارة الوصية عن وقف زحف بناءات الصفيح صيفا وتهديدها لأرواحهم شتاء، إلا أن مدن وقرى بأكملها تبقى تجابه “خطر الإنهيار”. قرى بأكملها ابتلعتها الأرض وأخرى تنام على بركان نائم 60 بالمئة من مدن تيزي وزو مهددة بالزوال بسبب الإنجرافات الأرضية حذر العديد من الخبراء في علم الزلازل والجيولوجية، في تصريحات ل”الفجر”، من خطر وشيك قد يداهم ولاية تيزي وزو مع آفاق 2020 على أقصى تقدير من خلال زوال مدن بأكملها في حال حدوث زلزال بشدة 6 درجات على سلم ريشتر. وأضاف هؤلاء الخبراء أن 60 بالمئة من مناطق تيزي وزو، عرضة للزوال بسبب ظاهرة الإنجرافات الأرضية التي باتت تتوسع من سنة لأخرى بفعل تحرك الطبقة الأرضية، ما يستوجب التعجيل في إعداد دراسة جيوتقنية لتطويق الظاهرة بمنطقة القبائل. ولعل أكبر المناطق تضررا جراء الإنهيارات الأرضية قرية إڤوبعن، التابعة إداريا لبلدية عين الزاوية بدائرة ذراع الميزان، والتي أصبحت شبه خاوية، حيث هاجر السكان منازلهم بعدما مالت إلى أسفل الوادي الآتي من جبال ثينزار والعابر للقرية. وكانت “الفجر” قد وقفت خلال زيارتها للمنطقة على خطورة الظاهرة، حيث أكد إيتوش رزقي، بصفته عضوا بلجنة القرية، أن المشكل بدأ يوم 3 مارس 2011 حين لاحظ المواطنون تشققات عبر الطريق الرئيسي المؤدي إلى مقر البلدية، ليكتشف الجميع بعد أسبوع أن الأمر يتعلق بانجرافات أرضية من الدرجة الأولى، بعدما توسعت الظاهرة إلى السكنات التي مال جزء منها إلى الواجهة السفلى للوادي، إلى جانب تصدعات الجدران وتحركات أساساتها، لتتدخل السلطات المحلية على جناح السرعة بترحيل 32 عائلة من أصل 500 نسمة، كإجراء وقائي لتفادي النكسة إلى مناطق توريرت ثيغيلت وكذا بومهني وقرية قنطيجة، في الوقت الذي ماتزال 50 عائلة أخرى تنتظر ترحيلها في القريب العاجل قبل سقوط الأرواح، داعيا رئيس الدائرة للتدخل العاجل بعدما تجاوز الأمر صلاحيات رئيس البلدية الذي حاول احتواء الوضع، إلا أن المشكلة تجاوزته رغم تخصيصه قطعة أرضية لإنجاز سكنات وعمارات من ثلاثة طوابق بمنطقة عين الزاوية، ومناطق ثيغيلت اعزيب الشيخ ولمشمل، بتخصيص أرضية تابعة لأملاك الدولة لصالح العائلات المرحلة، إلا أن المشكل بات يلاحق العائلات الباقية بقرية إڤوبعن التي طالبت بتخصيصها بقطع أرضية بمنطقة قرفوز، أين تم إحصاء أرضية تابعة لمحافظة الغابات، وقد قوبل طلبها بالرفض من طرف رئيس البلدية.. لتبقى حياتهم لليوم مهددة بسقوط عمارات وفيلات فاخرة بأكملها على رؤوس أصحابها. وقال السكان الذين تحدثنا إليهم إن السلطات المعنية استنجدت بمقاول خاص من المفروض أن يقلل من معاناة السكان إلا أنه عمق جراحهم وأخلط الحسابات، مؤكدين أنه تم هدم مسكن على حافة الطريق المؤدي إلى مقر البلدية، خوفا من سقوطه على أبنائهم. كما أنهم يسمعون كل ليلة تشققات وتصدعات من خلال تحرك الجدران والأرضية. وقد أكد هؤلاء أنهم لم يسمعوا يوما بوجود دراسة ميدانية بخصوص طبيعة القرية أوتصنيفها، مؤكدين أن ما يحدث اليوم كان سببه زلزال 21 ماي 2003، مؤكدين أن آخر تصدع وانزلاق أرضي تم تسجيله يرجع إلى الأسبوع الأخير، بعدما بدأت السكنات الواقعة في الجهة العلوية هي الأخرى تزحف إلى أسفل الوادي، وكأن القرية تنام على فوهة بركان نائم. والأخطر، حسب السكان، بروز بوادر الظاهرة في المناطق المجاورة، على غرار قرية أذكار التي تتحرك سكناتها حتى في الصيف، ما يستوجب تنقل وفد من الولاية ومصالح المراقبة التقنية للبنايات. كما طالبوا بإدراج قرية إقوبعن وما جاورها ضمن الخانة الحمراء. قرية إڤوبعن تتحول إلى أطلال وعدم التأمين يحرم من التعويض الزائر لقرية إقوبعن اليوم يقف على أطلاها بعدما هجرها السكان وتحركت السكنات إلى أسفل الوادي بسبب انجراف التربة، وهي الظاهرة التي تعد الأولى من نوعها - حسب السكان - بالجهة الجنوبية لتيزي وزو، مضيفين أن انزلاق التربة مس بشكل كبير وسط القرية، أين مالت فيلات من ثلاثة طوابق وسكنات فاخرة كلفت الملايير من الدينارات إلى أسفل المنحدر، في الوقت الذي تزحف السكنات الواقعة في الجهة العلوية هي الأخرى نحو الطريق العمومي. وقد أبدى المتحدثون تأسفا كبيرا وهم يقولون.. ليس من السهل الوقوف على هذه الأطلال ونحن نرى سكناتنا تنهار بين لحظة وأخرى أمام أعيننا، مبدين سخطهم الكبير على السلطات الوصية بمختلف مستوياتها التي لم تتمكن بعد - حسبهم - من تحديد الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة التي مست في البداية 17 عائلة، وبعدها توسعت إلى 32 عائلة في انتظار وصول عددها إلى 50 عائلة متضررة، والتي يتم إيواؤها مؤقتا في مؤسسات تربوية، وآخرون تم ترحيلهم إلى أقربائهم، مشيرين إلى التزام السلطات المحلية بضرورة إعادة إسكانهم، قبل دفعهم إلى اتخاذ أساليب احتجاجية بهدف الاستجابة لمطالبهم. ولعل ما عقد عملية التكفل الجاد بمشكل الانزلاق الأرضي بالمنطقة، هو حرق عتاد الأشغال العمومية التابع لمكتب الدراسات الموفد إلى عين المكان من طرف مديرية الأشغال العمومية، بعدما أقدم على حفر عمقها يزيد عن 20 مترا، بهدف تحديد أسباب الظاهرة ليختفي دون رجعة. ولعل المشكل الكبير الذي مايزال قائما هو قضية التأمين التي لم تمس عديد العائلات التي لم تنتهج هذا المبدأ، ما حرم المتضررين من التعويض، بعدما قام بعض السكان بتشييد فيلات وسكنات من عدة طوابق دون اعتماد دراسة تقنية خاصة حول مدى صلاحية الأرضية المختارة، لاسيما أن القرية تغلب عليها منحدرات وجبال، ما فسح المجال أيضا لاندثار قنوات الصرف الصحي التي لم يعد لها أثر. “المناطق الحمراء” تستنجد بالخبراء وتنتظر حل الوزارة لم تقتصر ظاهرة الإنزلاقات الأرضية على قرية إقوبعن بعين الزاوية، بل امتدت إلى شرق تيزي وزو، على غرار بلدية عزازڤة، حيث أتت الظاهرة على جزء كبير من مدخل المدينة انطلاقا من الطريق الوطني رقم 71 باتجاه آزفون، إلى جانب تضرر المركز الثقافي لعزازڤة الذي يعد تحفة فنية في غاية الجمال، إلا أنه تقرر غلقه مؤخرا من طرف السلطات الوصية إلى غاية النظر في مصدر هذه الإنزلاقات الأرضية التي كادت تبتلع قرى بأكملها في كل من ثلا بوشاخ، وإغيل بوزال واغني قيزان، بعدما نزل مستوى السكنات والطرقات الكبرى إلى أزيد من متر مع ميل سكنات إلى الجهة الواحدة، ليتم هجرانها من طرف قاطنيها، بل توسعت الظاهرة إلى غاية مركز البريد، إضافة إلى العديد من الأحياء السكنية، على غرار حي اوقاسي بلاح وعمران. كما امتدت الظاهرة إلى غاية قرى ببلدية إيعكوران التي صنفت ضمن الخانة الحمراء، ما يستوجب إعداد دراسات جيوتقنية من خلال الاستعانة بمكاتب دراسات أجنبية وجزائريين لدراسة وضعية الطرقات لتفادي كوارث مستقبلا، مع تعميق الدراسات التفصيلية على مستوى الطرقات الجديدة، بهدف التحكم في المياه الباطنية التي تبين أنها السبب الرئيسي، حسب المعاينات الأولية، في حدوث هذه الكارثة الطبيعية مع وجوب تنسيق جهود مديريات، على غرار الموارد المائية والأشغال العمومية، وحتى محافظة الغابات لتطويق هذه الظاهرة التي تقلق السلطات الوصية، ما دفع وزير الأشغال العمومية رفقة وزير السكن إلى اتخاذ تدابير استعجالية لدى زيارتهما الأخيرة إلى المنطقة، حيث تقرر ترحيل 48 عائلة متضررة من أصل 700 عائلة تم إحصاؤها عبر مناطق عدة بعزازڤة و إيعكوران. كما كشفت الدراسة الميدانية الأولية للمنطقة من طرف فرق مختصة، أن ظاهرة الإنزلاقات الأرضية شرق تيزي وزو، يعود إلى سنوات الخمسينيات لتتوسع فجوة الظاهرة مع السبعينيات. وتزيد الخطورة منتصف الثمانينيات، لتعوج بشكل أقوى ومخيف هذا العام، ما يستدعي إعداد تقرير مفصل عاجل من طرف الخبراء بغية تطويق الظاهرة ومنع زحفها نحو المرتفعات، كما هو الحال بعين الحمام التي سبق أن شهدت عام 2007 أعنف انزلاق أرضي أتى على مدخل المدينة، ما استدعى تحويل العشرات من العائلات إلى قرى مجاورة بعد سقوط عمارات بأكملها ومحلات تجارية. وببلدية تيڤزيرت الساحلية ظهرت الانزلاقات الأرضية بشكل مغاير قد يكون أكثر خطورة بفعل زحف سكنات السكان إلى البحر، جراء التحرك غير العادي للتربة، لاسيما أن المنطقة تعرف توسعا من حيث ورشات البناء، بل الأخطر، حسب مصادر موثوقة من المنطقة ل”الفجر”، هو اجتياح الظاهرة لبعض الشواطئ التي يقصدها الزائر خلال الصيف، إلى جانب بعض المناطق السياحية التي تعد قلة السياح الأجانب التي تم تصنيفها ضمن الخانة الحمراء. ورغم إسناد عملية دراسة الظاهرة في كل من عين الحمام و تيڤزيرت إلى مكتب دراسات فرنسي - جزائري، إلا أن مشكل الإنزلاقات الأرضية بات يزحف بشكل كبير نحو مناطق أخرى. وكانت لجان قرى عزازڤة قد راسلت الحكومة بتاريخ 22 جوان 1985، محذرة إياها في رسالة تحصلت “الفجر” على نسخة منها، من عواقب الانجرافات الأرضية التي ظهرت بشكل خطير مع 1973. جمال عميروش إنزلاق التربة يهدّد ثانويات بالمدية عبر العديد من أولياء تلاميذ ثانوية العمارية، الواقعة شرق ولاية المدية، عن استيائهم من الحالة المزرية التي تعاني منها ثانويتهم الوحيدة، كما أن مخاوف التلاميذ والأساتذة متواصلة جراء التشققات في العديد من قاعات الدراسة، حسب تأكيدهم. وأشاروا في ذات الصدد إلى السبب الذي يعود بالدرجة الأولى إلى انزلاق التربة، وعلى الرغم من الاكتظاظ الملحوظ وسط التلاميذ بهذه الثانوية التي تحوي قرابة 1100 تلميذ وتلميذة، وهذا بعدما تم توجيه تلامذة بلدية أولاد إبراهيم، الذين كانوا يزاولون دراستهم بثانوية بن شيكاو إلى هذه المؤسسة، لاتزال جملة من الأسباب تقف حائلا دون استمرار الدراسة بهذه الثانوية على أحسن ما يرام، والتي تصدرها النقص الفادح في العتاد المدرسي. ولم يتوقف مشكل هذه الثانوية عند هذا الحد فقط، بل تعداه إلى ما هو أخطر.. فانزلاق الأتربة التي طالت كل أجنحة هياكل المؤسسة بدءا من الأقسام إلى الإدارة إلى الجدار الواقي، الذي سبق أن خصصت له مديرية التربية مبلغ ثلاثة ملايير سنتيم لأجل ترميم الأجزاء المتصدعة منه، إلا أن المبلغ لم يعد كافيا، ما دفع إلى زيادة الغلاف المالي لترميمه بقيمة 7.3مليار سنتيم. وبهذا سيكون الغلاف المالي الإجمالي لإعادة ترميم الأجزاء المتشققة، في حال موافقة المصالح التقنية بذات المديرية أكثر من ستة مليارات سنتيم. مع العلم أن العديد من العارفين بعلم الطبوغرافيا وتركيب الأرض أكدوا أن هذه المنطقة غير صالحة للبناء.