يفتتح هذا السبت رسميا خامس برلمان تعددي في الجزائر، متمخض عن تشريعيات العاشر ماي الماضي، وهو برلمان يتمتع باستثناءات كثيرة، ليست مرتبطة فقط بعدد الأحزاب التي ستدخله والمقاعد التي وصلت إلى سقف 462 مقعد، بل لأنه سيتمكن لأول مرة في تاريخ الجزائر من ممارسة الحق الدستوري وهو التشريع الفعلي وليس المناقشة والمصادقة فقط من خلال مشروع تعديل الدستور الذي سيوكل له لأول مرة، بعدما ظل هذا الأخير طيلة العهدات الماضية من صلاحيات رئيس الجمهورية. ومن المقرر أن تنطلق أول جلسة علنية للبرلمان القادم وفقا لأحكام المادة 113 من الدستور بترؤس أكبر النواب سنا بمساعدة أصغر النائبين طبقا للمادة الثانية من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، أين سيتم تشكيل لجنة إثبات العضوية مع انتخاب الرئيس الجديد للمجلس الشعبي الوطني. وسيتمكن البرلمان القادم، الذي افتك صك الشفافية في تقدير المجموعة الدولية بشهادات فريق الملاحظين الدوليين من تكريس مبدأ الفصل بين السلطات وإعادة الاعتبار للمؤسسة التشريعية قيمتها، سيما وأن مهمة التشريع كانت مسلوبة منه، ولم يحدث وأن طرحت فكرة تناول النواب لمشروع تعديل الدستور، وهذا في الوقت الذي كانت الحكومة طيلة العقود الماضية هي التي تضع التشريعات وتنزلها للبرلمان لمناقشتها وتعديلها، في طريقة عكسية تماما لما هو مفروض حدوثه، أي إصدار البرلمان لمشاريع القوانين ورفعها للحكومة لإبداء رأيها فيها، ثم إعادة إنزالها للبرلمان لمناقشتها والمصادقة عليها. وخلال برلمان العهدة الثالثة بعد التعددية، أي ذلك المتمخض عن تشريعات 2002، حدث استثناء عندما اقترح الشيخ عبد الله جاب الله، لما كان على رأس الإصلاح قانون الانتخابات الماضي، الذي أتي بالعديد من النقاط الإيجابية، أما ما عدا ذلك فظل البرلمان مجرد صندوق بريد للحكومة. وإذا عدنا إلى التاريخ؛ فإن أول دستور للجزائر الصادر العام 1963، الذي جاء بعد الاستقلال، أصدره الحزب الواحد وكان متبوعا بدستور ثان أصدره الرئيس الراحل هواري بومدين، سنة 1976، عمقت فيه الأبعاد الاشتراكية للدولة الجزائرية، كما لم يشذ دستور 1989 عن سابقيه على الرغم من الانفتاح الديمقراطي التعددي الذي أتى به، كونه لم يأت من البرلمان، بل من الرئيس، و نفس الممارسة كرسها الرئيس اليمين زروال بتعديله الدستوري لسنة 1996، فأفرج الرجل العسكري عن الكثير من الحقوق المدنية وكان أهم تعديلاته تحديد العهدات الرئاسية ومنع تأسيس أحزاب على أساس عرقي أو لغوي أو ديني. والرئيس بوتفليقة أيضا لم يشذ عن القاعدة، فعدل الدستور بنفسه سنة 2008، ولم يترك المهمة للبرلمان، ومحت تعديلاته تعديلات زروال فيما يتصل بتقييد العهدات، كما أعطى لأول مرة حيزا للمرأة في نص المادة 31. وعلى الرغم من أن جميع دساتير الجزائر تعطي الحق الكامل للرئيس في إعلان تعديل الدستور، غير أن الصيغة تمكن من إشراك البرلمان في إعداد الدستور، وهو ما يبدو أنه سيتحقق خلال البرلمان القادم الذي يحمل العديد من الأطياف السياسية الإسلامية، الوطنية، الديمقراطية، الاشتراكية، التروتسكية والعلمانية، لتبقى الكرة في مرمى الأحزاب والنواب، الذين هم مطالبون بإثبات جدارتهم في هذا الامتحان، خاصة وأن تحجج الحكومة بانفرادها في إصدار نصوص المشاريع خلال العهدات الماضية، راجع لمحدودية مستوى النواب وغياب قدرتهم على اقتراح مشاريع نصوص، وهي ملاحظات سيثبت المستقبل بطلانها من مصداقيتها تبعا لمستوى النواب الجدد.