في غرفة متواضعة بشقة بالطابق الأول من عمارة ذات طراز معماري فرنسي، آيلة إلى الشيخوخة، على بعد عشرات الأمتار من ميدان التحرير بقلب القاهرة، كان العم أحمد، كما يسميه شباب في عمر الثورة يحيطونه بحماسهم مثلما تحيطه سحابة السيجارة الملفوفة بين أصابعه. كان يجلس على كنبة، منغمسا في صمته داخل قميصه الأصهب الطويل، المتشبث بهوية أولاد البلد. عندما دخلنا مقر دار ميريت للنشر بالقاهرة، بحر الأسبوع الماضي، لم نكن نتصور أن نجده بلا سابق موعد، وهو الذي قرر منذ أشهر الانزواء هنالك غير بعيد عن ميدان التحرير، أين تصله أخبار الشوارع المصرية أولا بأول، غير آبه بمشاهد التلفزيون المثبت في الحائط، والمفتوح على مصراعي جدل. استقبلنا الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم هنالك في متكئه، بسرور غامر بعد أن اشتم في ملامحنا رائحة الجزائر التي عاش فيها وتزوج فيها وكتب فيها الشعر وغنّى فيها مع رفيق عمره الراحل الشيخ إمام. لم يعد نجم مسترسلا في النقد كما كان في السابق، حيث التقيت به قبل ثلاث سنوات هنا بالجزائر بالمسرح الوطني؛ أين كان في ضيافة إحدى أمسيات “صدى الأقلام” وأقام أمسية شعرية ثورية، بقاعة المسرح، قبل أشهر من نسمات ما يوصف ب”الربيع العربي”. كان نجم صاحب صوت ثوري قبل أن تنتشر موضة الحديث الثوري مع موضة “الثورات العربية” وها هو اليوم يكتفي بابتسامته المتعبة، وصمته الحزين في الوقت الذي تعج فيه فضائيات البلد بجعجعة الثورة. تكلمنا مع نجم عن الجزائر، عن الطيبة الجزائرية والجدعنة عن الرجل الجزائري الصارم في ظاهره الرقيق في داخله عن حبه الأول في الجزائر واحتراما لصمته لم نتحدث عن “الثورة”. حقا؛ عندما يصمت الكبار يبدأ الصغار في الثرثرة.