عندما يتوقف القلب حزنا على الجبهة! رحل إلى جوار ربه، أمس، المجاهد والمناضل السياسي، والوزير الأسبق عبد الرزاق بوحارة عن عمر ناهز 79 سنة، بعد إصابته بجلطة في الدماغ أدخلته أول أمس، العناية المركزة، قد تكون أسبابها إدارة الرجل لأزمة الأفالان خلال الأشهر الأخيرة، حيث كان يمثل رجل الإجماع في الجناح المعارض لبلخادم، ومحط ثقة رفقائه في النضال، لما يتحلى به من حكمة ورصانة ورجاحة عقل، ومن مسار ثري اختصر عديد التجارب في الجهاد، وفي صفوف جيش التحرير، بعد الاستقلال وكذا في السلك الديبلوماسي، والإدارة حيث شغل منصب سفير في عدد من الدول، ومنصب وزير الصحة في عهد الشاذلي بن جديد سنوات الثمانينيات، وشغل قبل وفاته منصب نائب رئيس مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي. عاد بوحارة إلى الساحة السياسية سنة 2003 كعضو في الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، بعد المصيبة التي حلت بأسرته بفقدانه ابنتيه في فيضانات باب الوادي سنة 2001، وهما في ريعان الشباب، إحداهما (سامية) أم لطفل لم يتجاوز وقتها الثالثة من العمر. عرف الرجل بإخلاصه لنضاله في صفوف جبهة التحرير، وبتمسكه بوحدة الجبهة وبخطها الوطني، وقد تأثر في الأشهر الأخيرة كثيرا وهو يشرف على فك خيوط الأزمة التي عصفت بالجبهة وبما آلت إليه هذه الأخيرة في عهد بلخادم، الذي قادها إلى الانفجار. التقيت الرجل في سهرة 31 جانفي في ساعة متأخرة من الليل، بعد سحب الثقة من بلخادم، وكان التعب باديا عليه، بسبب ما يحدث في الجبهة، وبسبب مراوغات بلخادم، سألته عن صحته فرد بتنهيدة عميقة ”هاكي تشوفي.. الكبر والمشاكل”. وكنت التقيته في جوان الماضي أياما بعد أزمة اللجنة المركزية في نزل الرياض، حيث روى لي بكثير من المرارة كيف جاء بلخادم بشباب من خارج الجبهة معرضا إطاراتها إلى الضرب، وكيف طلب منه ألا يخرج، حتى لا يضربه هؤلاء لأنهم لا يعرفونه، ولم تكن تؤلمه مسألة الضرب، أكثر مما آلمه كيف تآمر الرجل على قادة الحزب، والأوضاع المأساوية التي قاد الجبهة إليها. لم يهنأ له بال، وهو يجوب الولايات، ويلتقي بالمناضلين، محاولا لم شمل الصفوف، نائيا بالجبهة على الصراعات الجهوية التي حاول بلخادم تكريسها داخل صفوفها، وكان في كل مرة أحدثه فيها، يرد بنفس نبرة الحسرة، والخوف ليس فقط على الجبهة، بل على مستقبل البلاد، لأنه كان يدرك بحكم الخبرة والتجربة، والمسار النضالي أنها أكبر من أن تكون مجرد حزب، وأن ما تعيشه الجبهة من مخاض وصراع سينعكس حتما على البلاد كلها، وليس فقط على الطبقة السياسية. حاول كثيرا أن يثني بلخادم عن المنهج الذي اتبعه داخل الجبهة، ونصحه بالابتعاد والاستقالة، لما زاره هذا الأخير منذ قرابة الشهر في بيته، طالبا النصح، فنصحه بالاستقالة، إلا أن هذا الأخير رد بتعنت بالقول ”مستحيل”. فهل راح المجاهد الكبير عبد الرزاق بوحارة ضحية حبه لجبهة التحرير وحزنا على المآل الذي وصلت إليه، وضحية الصراعات الداخلية، حيث لم ينجح قادتها حتى الآن في حل مسألة خلافة بلخادم، فتوقف قلبه عن النبض، وهو الذي واجه بصبر وثبات مأساة غرق ابنتيه في حادثة باب الوادي. حدة حزام رحم الله الرجل، وأسكنه جنات الخلد، ورزقنا فيه الصبر. رحيله يعمق الشرخ داخل الحزب العتيد الأفالان يحبس أنفاسه.. بوحارة في ذمة الله انتقل المناضل عبد الرزاق بوحارة المرشح الأوفر حظا لخلافة الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم، على رأس الأفالان، إلى رحمة الله، عن عمر ناهز 79 سنة بمستشفي عين النعجة العسكري، الذي نقل إليه على جناح السرعة بعد تعرضه لجلطة في الدماغ ليلة السبت إلى الأحد، ليرحل إلى عالم الخلود، حيث فقدت برحيله جبهة التحرير رجل الإجماع. قالت مصادر من الأفالان صبيحة أمس، إن نائب رئيس مجلس الأمة عبد الرزاق بوحارة صاحب 79 سنة، والمرشح الأوفر حظا لقيادة الأفالان في المرحلة المقبلة، نقل إلى العناية الصحية المركزة بمستشفى عين النعجة العسكري بعد تدهور حالته الصحية حيث كان يعاني من نزيف واضطراب على مستوى المسالك البولية، ورغم تنقل قيادات حزبية كبيرة لزيارته فقد رفض الطاقم الطبي الذي يسهر على علاجه السماح لهم بزيارته قبل أن تتدهور أوضاعه الصحية أكثر وينتقل إلى رحمة الله ظهيرة أمس. وحسب مقربين منه فإن وزير الصحة الأسبق كان يعاني خلال الفترة الأخيرة من ضغوط كبيرة لتولي زمام الأفالان، كون الصراعات الداخلية كانت تتطلب رجلا يلقى أكبر قدر من الإجماع بين الإخوة الفرقاء. وقال بعض مقربيه إن الرجل بدأ في الساعات الأخيرة قبل رحيله يفكر جديا في الانسحاب لإدراكه أن مسؤوليات هذا المنصب أكبر من سنه، وظروفه الصحية لا تسمح له بذلك، ليكون القدر أسرع ويرحل الرجل.وأكدت قيادات في الأفالان أن رحيل المجاهد بوحارة خسارة كبيرة للجزائر خاصة في مثل هذه الظروف التي بمر بها الأفالان الذي أنهكته الصراعات التي حولت الحزب إلى مسرحية فصولها تحكي قصة كعكة كبيرة كل واحد يريد حصة الأسد فيها. وأضافت ذات القيادات أنه من الصعب جدا إيجاد رجل قادر على لم الشمل في هذه الفترة، خاصة وأن سفير الجزائر بتونس، وعضو اللجنة المركزية عبد القادر حجار بدوره غير متحمس لخلافة بلخادم بسبب عامل السن والظروف الصحية. وهونت مصادرنا من المشاكل التي يعيشها الحزب بالتأكيد على أن ”حزب جبهة التحرير الوطني هو حزب له مكانة في الساحة السياسية، ومنذ نشأته الأولى يحوي داخله على تيارات فكرية وسياسية، لهذا السبب تولدت اختلافات في الأفكار والتوجهات داخل الجبهة، وبحكم قربه من السلطة فإنه يتأثر بكل ما يتعلق بالسلطة”.