تحول الملف السوري إلى مادة خام لفرض الآراء ومحاولة تمرير قرارات المجتمع الدولي ولو على حساب الوضع الإنساني الذي يزداد سوءا يوما بعد آخر، كما يتعمق تفكك البلد تدريجيا جراء الصراعات الداخلية بين النظام والمعارضة من جهة والخلافات الخارجية بين كبار الفاعلين في القضية من جهة أخرى، خاصة ما تعلق منها بتسليح الطرفين المتنازعين في المنطقة. لم يقدم لقاء أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة أي جديد للقضية السورية ما عدا التصويت على قانون يجرم نظام الأسد، فيما نجحت المعارضة في كسب المزيد من المساندة وحظيت بدعم الأطراف المصّوِتة لصالح المشروع، حيث تتمسك كل الجهات الغربية بمواقفها حول شخص الرئيس السوري لكنها لا تتردد في الدعوة إلى مؤتمر ”جنيف”. إلى جانب ذلك عزّز الاجتماع مجددا اختلاف المجتمع الدولي على رؤية واضحة اتجاه الصراع في المنطقة وذهبت الدول التي تقف إلى جانب الجيش الحر إلى اتهام روسيا بتزويد النظام بالأسلحة المحظورة وهو الأمر الذي لا تزال موسكو تنفيه جملة وتفصيلا وتشدد على مواصلة مسعاها لحل الأزمة السورية عن طريق الحوار، حيث أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مدينة سوتشي الروسية أن موسكو تدعو إلى عقد مؤتمر دولي حول سوريا برعاية أممية، مشددا على ضرورة مشاركة إيران والسعودية والدول المجاورة لسوريا، مشيرا إلى ضرورة تحديد الأطراف السورية المحتمل مشاركتها داعيا إلى التعجيل في تفعيل هذه الخطوة، التي أيدها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون داعيا إلى الاستفادة من اتفاق لافروف وكيري لحل الأزمة السورية عن طريق المفاوضات، واصفا المبادرة العربية بالخطوة الإيجابية لاستقرار الشرق الأوسط. على صعيد آخر نفى لافروف جملة وتفصيلا التهم الموجهة لبلاده بشأن دعم النظام بالأسلحة المحظورة، مؤكدا أن روسيا لا تورد أسلحة وآليات محظورة إلى سوريا لكنها بالمقابل لا تخفي معلومات عن الشحنات التي نفذت وفق العقود الموقعة سابقا وهي لا تتعارض مع القوانين الروسية في هذا المجال التي وصفها المتحدث بأنها القوانين الأكثر صرامة في العالم، مشيرا إلى أن موسكو تزود دمشق بأسلحة دفاعية وأنظمة للدفاع الجوي وهذه العملية لا تلحق ضررا بميزان القوى في المنطقة ولا يعطي النظام السوري أي تفوق في المواجهة مع المعارضة. هذه الأخيرة التي تحضى بدعم كبير من قبل أطراف خارجية منها قطر التي تعد أكبر مصدر للسلاح لهذه الجهة، وهو ما أجمعت عليه الصحف البريطانية الصادرة أمس، منها صحيفة ”الفاينانشال تايمز” التي قالت أن قطر أنفقت مليارات الدولارات خلال العامين الماضيين لتمويل الانتفاضة السورية، وذكر المصدر أن الدوحة صرفت نحو ثلاثة مليارات دولار خلال السنتين المعارضة، وهو ما يفوق بكثير ما قدمته أي حكومة أخرى ولكن السعودية الآن تنافسها في تصدر الجهات التي تمد المعارضة السورية بالسلاح حسب ذات الصحيفة، التي تضيف أن تكلفة التدخل القطري في سوريا لا تمثل سوى جزء ضئيل من قيمة الاستثمارات الدولية لهذه الإمارة النفطية، وبذلك يفوق دعم هذا البلد ما يقدمه المجتمع الغربي للمعارضة، وقد استندت ”الفاينانشال تايمز” في تقريرها على عشرات المقابلات التي أجرتها مع زعماء المعارضة المسلحة في الداخل والخارج ومع كبار المسؤولين الإقليميين والغربيين، حيث الجميع تعاظم الدور القطري في الأزمة السورية لدرجة مثيرة للجدل.