تونس مقبلة على أيام عصيبة، فعملية جبل الشعانبي الأخيرة، دليل على أن العمليات الإرهابية التي تستهدف تونس ليست معزولة ولا عابرة، وإنما متغلغلة وصارت واقعا مؤلما في هذا البلد الجميل. ومثلما قال الرئيس التونسي، فإن تونس تنتظر تضحيات وضحايا، لأن المواجهة مع الجماعات الإرهابية ستكون طويلة ومريرة، مثلما كان ذلك بالنسبة للجزائر سنوات التسعينيات. الشعب التونسي بنخبه ومسؤوليه مجبر على الاستعداد لهذه المواجهة، ويعدون العدة لذلك، لأن عملية أول أمس ببشاعتها دليل على أن الجماعات الإرهابية سواء كانت في جبل الشعانبي أو في الجهات الأخرى ستذهب إلى أقصى حد في ترويعها للمواطنين. فهدف جماعات القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية، ليس فقط القتل، وإنما الترويع وبث الرعب في النفوس من خلال التنكيل بالجثث. فالحرب نفسية أيضا، هدفها السيطرة على الآخرين وشل إرادتهم. ولم يعد هناك وقت للتساؤل من أين جاءت الجماعات الإرهابية، ولا لاستغراب بشاعة جرائمها، لأن في ذلك مضيعة للوقت، وإنما الوقت لبحث كيفية التصدي للظاهرة العابرة للقارات، سواء من جهة الجيش الذي صار مستهدفا بقوة من قبل الإرهابيين، مثلما حدث هنا في الجزائر، أو من جهة النخب بأخذ الحيطة والحذر وتغيير نمط حياتها وتنقلاتها، وعدم الاطمئنان حتى للجيران، لأن للجماعات الإرهابية عيونا في كل حي، والتجربة الجزائرية غنية بهذه الأمثلة، خاصة وأن الجماعات السلفية حظيت في تونس منذ وصول النهضة إلى الحكم وبتواطؤ زعيمها الغنوشي مع شبابها، شجع على انتشار هذا التيار، الذي يشكل امتدادا للجماعات الإرهابية وسندا لوجيستيكيا يمده بالإمكانيات والمعلومات وحتى قوائم المرشحين للاغتيال، ما يسمح للإرهابيين بالدخول إلى المدن وتنفيذ عمليات إرهابية في وضح النهار، مثلما حدث منذ أيام باغتيال النائب محمد البراهمي وقبله شكري بلعيد. ما يخيف في تونس أن السلطة الحالية إن لم تكن متواطئة مع الإرهاب، فإنها تغض البصر عن نشاط السلفيين الذين صاروا يشكلون دولة داخل دولة، يتدخلون على طريقتهم لتنظيم حياة الناس، ويقيمون عدالة موازية للعدالة الرسمية، ويقصدهم المواطنون في غياب الدولة للتدخل لحل مشاكلهم. فقد بثت قناة ”بي بي سي” العربية منذ يومين شريطا حول هذه الظاهرة الخطيرة، التي صارت موازية للمؤسسات الرسمية خاصة في المدن التونسية الداخلية. كل هذا يحدث أمام مرأى ومسمع من السلطات الرسمية، المتسامحة مع التيارات السلفية، ما يوحي بأن الحرب على هذا التيار وعلى الجماعات الإرهابية لن تكون سهلة، بل ستكون أخطر مما عاشته الجزائر سنوات التسعينيات، لأن الجماعات الإرهابية التي تنتقل الآن بحرية في منطقة الساحل وتتزود بالسلاح الليبي المنتشر في المنطقة استفادت في تونس من الوضع القائم ومن الصراعات القائمة بين النهضة والمعارضة، واستغلت هذا الصراع لتفرض منطقها على الجميع، خاصة وأن الغنوشي وعد منذ يومين معارضيه بحمام من الدم في حال حاولوا تطبيق ما حدث في مصر من انقلاب على الإخوان. وكانت هذه الكلمات إشارة كافية للإرهابيين المنظمين والمسلحين وهم على أتم استعداد، للقيام بما قاموا به أول أمس. التهديد الإرهابي، تهديد حقيقي لتونس، وكما هو اليوم في ليبيا وسوريا ومصر. ولم تكن الجزائر تشكل استثناء، وعلى التوانسة أن يفهموا ذلك جيدا ويعدوا لهم ما استطاعوا من قوة ورباط خيل؟!