شيء إيجابي، أن يبحث زعيما تونس، راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة وقايد السبسي زعيم نداء تونس، حلولا للأزمة التي تمر بها بلادهما منذ قرابة السنة، خاصة منذ الاغتيالات السياسية التي استهدفت كلا من شكري بلعيد مطلع السنة الجارية، ومحمد البراهمي منذ قرابة الشهرين. فبعد باريس حيث التقى الرجلان منذ أيام، ها هي العاصمة الجزائر، التي تحتضن وساطة بينهما لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف لما يعرفه الشارع التونسي من احتجاجات مطالبة بإسقاط حكومة النهضة، التي زادت الوضع تأزما، وعرضت البلاد إلى أزمة أمنية غير مسبوقة في تونس. فهل هو الخوف من أن يحدث لنهضة الغنوشي ما حدث لمرسي في مصر، خاصة وأن موجة الرفض والاعتصامات لم تنقطع منذ أسابيع في باردو؟ أزمة زاد من تعقيدها استهداف رجال الإعلام والثقافة من طرف الأمن والعدالة بإيعاز من النهضة التي تريد تكميم الأفواه. فمؤخرا أجبرت قناة تونسية مستقلة على التخلي عن إعلاميين تحت ضغط النهضة. نعم، لم تنته اعتصامات باردو إلى ما انتهت إليه اعتصامات رابعة العدوية، فالنهضة التي تقود حكومة انتقالية وجدت نفسها متورطة في أزمة أمنية هي مسؤولة عنها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولأنها لا تنوي التخلي عن الحكم وهي مجبرة على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية السنة، راحت تبحث عن تحالفات تحميها من غضب الشارع، ووجدت نفسها مجبرة على مفاوضة المعارضة التي يقودها السبسي. ولأن المفاوضات وصلت بها إلى طريق مسدود، فالسبسي الذي قبل الجلوس إلى غريمه الغنوشي، لم يتنازل قيد أنملة عن مطالبه ومنها المطالبة بتوسيع الحكومة، وحل التأسيسي، ومراجعة مواد وتحديد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهو ما لم يقبله الغنوشي، الذي يدرك أنه إذا ما ذهب إلى الانتخابات فسيخسر كل شيء بعدما خاب أمل التونسيين في حركته التي فشلت في تلبية تطلعات الشعب. وعكس ذلك خسرت الطبقة المتوسطة مكانتها في تونس، بعدما زادت الأزمة الاقتصادية حدة بسبب تراجع السياحة، وسوء الأوضاع الأمنية. أعرف ميل الجزائر للحلول التوافقية والابتعاد عن الخصومة، وتفضيل المصالحة، وهذا حتما ما سينصح به رئيس الجمهورية ضيفيه، لكن يبقى الحل الأمثل لما تعيشه تونس من تجاذبات سياسية واعتصامات وضعت ظهر النهضة إلى الحائط، هو العودة إلى الشعب التونسي، وأن يستمع إلى ما تطرحه المعارضة من مطالب منطقية، لأن هذه المعارضة هي التي كانت موجودة في الشارع في ثورة جانفي 2011، وهي التي أجبرت بن علي على الهروب، وهي التي فرضت التغيير، واليوم التغيير الذي طالب به الشارع التونسي لم يحدث، وهو يرى اليوم دكتاتورية دينية، تخلق دكتاتورية بن علي البوليسية. الحل هو في ساحة باردو، وفي ما ترفعه نساء ورجال تونس من لافتات تلخص تطلعاتها بوضوح، لا في الجزائر ولا في باريس ولا في الدوحة. ولن ينفع الغنوشي هروبه من الواقع الذي يفرضه الشارع التونسي، الذي يعود له الفضل في حمل النهضة إلى الحكم!؟