لو كان لنا أن نمتدح جانبا من الجوانب السياسية للجزائر بشكل صحيح وصادق ودون مواربة أو لف ودوران أو تزلف، لما كان لنا أن نخطئ الهدف فيما لو اخترنا السياسة الخارجية، ويبدو أن لهذا الجانب في السياسة الجزائرية تقاليد ومبادئ يصعب تجاوزها أو النيل منها، فهي حكيمة في عناوينها حكيمة في تفاصيلها هادئة متزنة رزينة ثابتة، وكل هذا جعل منها هدفا مقصودا وأملا معقودا للباحثين عن الحكمة والعقلانية، وحتى لا يظن أحد من الناس بأننا نجامل أو نتودد بغير حق فما علينا إلا البحث في الأرشيف الدبلوماسي لحكومتنا عبر عقود متطاولة، فالجزائر كانت حكما بين العراق وإيران والجزائر كانت حكما في مسائل تتعلق بتحويل الطائرات، والجزائر كانت مقرا لإجتماعات الفرقاء الفلسطينيين غداة الإعلان عن دولتهم، والجزائر كانت وسيطا في النزاعات الإفريقية، والجزائر لم تقطع علاقاتها مع سوريا بناء على مخططات نبيل العربي المملى عليه فيها من أمريكا وحلفاء أمريكا، والجزائر فتحت ذراعيها بنزاهة للاجئين السوريين دون أي محاولة لتوظيف هذا الملف أو جعله ورقة إبتزاز، وكل هذا يعني أن للجزائر في سياستها الخارجية نهجا لايمكن النيل من أي جانب من جوانبه،ويبدو أنها بقيت ملتزمة بشرعة دول عدم الانحياز التي كانت ذات يوم من قادتها والمؤثرين في قراراتها، فأرست قواعد سياسية لذلك تقوم على أساس من العدالة والمنطق والقيم والسياسية التي دمغتها بطابع أخلاقي إنساني، واليوم فإننا ننظر إلى طريقتها في التعامل مع المغرب الشقيقة بخصوص ما شجر من خلاف بين الدولتين الشقيقتين الجارتين اللتين من المفترض أن تكون العلاقة بينهما علاقة طيبة ومفيدة لكلي البلدين، ولا أريد هنا الدخول في متاهات الملف الصحراوي وتفاصيله ولكنني أكبر الرد الجزائري الذي لم تتعامل بملفه الحكومة الجزائرية بالمثل في استدعاء السفراء ولم تنجر لما من شأنه أن يزيد من حالة التوتر بين الأخوة الذين جعلهم التاريخ في دولتين متجاورتين، ولكنني هنا أعيب على جامعة نبيل العربي تلك الجامعة التي لم تدخر وسعا في التضييق على سوريا بحيث استقطبت معظم الدول الشقيقة والصديقة لتسليح وتدريب وتمويل المرتزقة الذين توافدوا إليها من كل الآفاق فكانوا شذاذا وكانوا قتلة، والحق أن جامعة نبيل قد نجحت في ذلك، وإن كانت سوريا لم تستسلم ولم تنهزم، فإذا كان هذا هو سحر نبيل العربي البابلي أما كان يجد ربه توظيف جامعته على مدى ما يزيد عن ثلاثة عقود ليعمل على حل المشكل الصحراوي بما يعود بالنفع على الأشقاء في كل من المغرب والجزائر والصحراء ؟ نعم كان يستطيع أن يفعل هذا طالما أن السياسة الجزائرية هي تلك التي تحدثنا عنها من حيث المرونة والليونة ولكن النبيل لم يفعل هذا لأن الذين يوجهونه ويملون عليه لا مصلحة لهم في استقرار الوضع في المنطقة وهو بالتالي لا يزعجهم لأنه لا ينظر إلى جامعته على أنها جمعية خيرية.