أليس الوقت لطي صفحة الانتخابات، فلم تعد مجدية مناقشة نتائجها إن كانت مزورة أم لا، وعلينا المضي في مرحلة أخرى، واستغلال هذه الصحوة التي أحدثتها الحملة الانتخابية في أوساط الشباب؟ لم يعد الوقت لمناقشة أخطاء المجلس الدستوري، تواطأ أم لم يتواطأ مع أحد المرشحين، ولا مسألة قبوله ملفا ما كان ليقبله. لننته من هذا النقاش العقيم، الذي لم يعد يؤدي إلى نتيجة بعد إقرار النتيجة! ومثلما أسفلت، هذه مرحلة فقط من مراحل البناء السياسي، صحيح أنها غير صحيحة وخاطئة، لكن هل يجب القيام بثورة لتصحيحها؟! الفوز الذي حققه الرئيس في هذه الانتخابات هو فوز هش، ومهما كان تضخيم الأرقام، بينت أنه فقد ما لا يقل عن خمسة ملايين من مؤيديه في انتخابات 2009. وهذا رقم لا يستهان به. والحكومة التي ستنبثق عن هذه الانتخابات بعد أداء اليمين الدستورية، إن كانت هناك يمين دستورية، يجب أن تضع هذه الحقيقة نصب عينيها، مثلما يجب أن تضع أيضا حقيقة رفض رجال السلطة شعبيا مثلما جرى أثناء الحملة. ومسألة حكومة توافقية ودستور توافقي التي تحدث عنها البعض هو من أجل ترميم شرخ الثقة الذي حدث بين السلطة والمواطنين. وإلا فلا يمكن لهذه الحكومة أن تذهب بعيدا في سياسة الهروب إلى الأمام التي باشرتها منذ سنوات. فلا يمكن تجاهل تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وانسداد الأفق لدى شريحة واسعة من الشباب، صوتوا أم لم يصوتوا للرئيس. أمس نشرت بعض الصحف أن 1477 جزائري طلبوا اللجوء إلى فرنسا خلال السنة الماضية وفق تقرير للبرلمان الفرنسي، وهو رقم عكس ارتفاعا مقارنة بالسنوات السابقة. فكم عددهم في دول المهجر الأخرى، التي تستقطب كل سنة خيرة من نخبتنا وحملة الشهادات الجامعية وذوي الكفاءات، وكم عدد الذين سبقوهم سواء على متن الطائرات، أو في قوارب الموت، في ظاهره الحرڤة التي تتفاقم من سنة لأخرى؟ وكم عدد الذين أقدموا قبل الحرڤة والهجرة على الانتحار؟ لنسأل الأرقام ونحاول استنطاقها لنعرف أن الجزائر تمر بأصعب مراحلها، وليست هذه الانتخابات وأيا كان الفائز فيها التي ستحل المعضلة وتقدم الحلول السحرية للأزمات المتكررة للبلاد. الانتخابات الأخيرة أظهرت الإفلاس السياسي للبلاد، وغياب المشروع الوطني، تاركا المكان لمشروع تقاسم الريع كحل مؤقت لشراء السلم المدني، لكن كم بقي من عمر هذا المشروع، قبل أن يحدث الانفجار؟ لنشهد على السلطلة المنبثقة عن هذه الانتخابات بالوعود التي قدمتها، ونقف لها بالمرصاد لتطبيقها، في محاربة الفساد، وهل هي جادة في حل ملفات الفساد المتورط فيها كثير من الأسماء المنسوبة إليها؟ وفي وعودها بتطهير العدالة، مع العلم أنه لحد الآن لم تباشر تطبيق توصيات لجنة المرحوم اسعد محند، والمنظومة الصحية، فالمستشفيات اليوم هي مكان لتطبيق الموت الرحيم بلا رحمة، وليست مكانا للشفاء، ويكفي جولة في مراكز مرضى السرطان لنعرف مدى معاناة الجزائريين وصراعاتهم المريرة مع الداء وغياب التكفل. نشهدها على ما وعدت به من إصلاح للمدرسة والجامعة، وكل التحديات الأخرى، التي تقدمت بها في مجال التوظيف قبل السكن. لكن يبقى أكبر تحد وعدت به هو استعادة الاستقرار والأمن، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة في منطقة القبائل أن الوضع الأمني ما زال هشا، وأن الإرهاب ما زال واقعا مرا في الجزائر، وأن الحرب عليه ما زالت طويلة، كما أن الانسجام الاجتماعي في المناطق التي عرفت هزات عنيفة مثل غرداية ما زال خطرا على الأمن والوحدة الوطنية. وما زالت مناطق الجنوب الغنية بالنفط، والتي تسكنها الفئات الأكثر فقرا وحرمانا قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار من حين إلى آخر. وكل هذه التحديات تواجهها السلطة والمعارضة على حد السواء، فالسلطة إن فشلت في تقديم الحلول، على المعارضة لتكون قوية وتنافس السلطة بجد لتكون البديل أن تتوفر على المشروع والأفكار والحلول، فهل المعارضة التي بدأت تتبلور في شكل أقطاب ما بعد الرئاسيات قادرة على حماية البلاد من هذا الخطر؟! سلطة ما بعد الرئاسيات أمام هذا الامتحان الصعب، لكن المعارضة هي الأخرى أمام امتحان أكبر وهو إجبار السلطة على إشراكها في المشروع التوافقي سواء في الحكومة أو في مشروع الدستور، وإلا فإننا مقبلون على تصحر سياسي غير مسبوق في الجهتين السلطة والمعارضة!؟