وقع، مساء أول أمس، الروائي الشاب ميلود يبرير روايته الأخيرة ”جنوب الملح” الصادرة عن دار البرزخ في الجزائر ودار الجديد اللبنانية، وهو العمل المتوج بأحد جوائز الشارقة للإبداع في فرع الرواية. تنتظم الرواية في 14 فصلا، يسرد البطل مصباح، المصور الفوتوغرافي المتمرن في استوديو خاله قويدر الواقع في مدينة الجلفة، جنوبالجزائر، قصص ثلاثة أجيال من الرجال والنساء الذين شهدوا ما عاشته وتعيشه الجزائر من تقلّبات وتوترات أهلية ومن أفراح أحيانا. آثار التعذيب التي وثّقها في صوره الأولى، والتي كانت مادة أول معرض له أقيم في سيدي بوسعيد بتونس، وعرف الجمهور بأعماله بادية على جسد جهيدة، حبيبته الأولى وزوجة لطفي الذي عته من جراء ما عاناه من اعتقال وتعذيب بسبب آرائه السياسية. مريم، حبيبة الراوي وزوجته، وأم حكمة، ابنتهما، تقول وهي الباحثة عن العلاقة بين الصمت والموسيقى إن ”الكلام يقصر العمر”، أما هو صاحب العين اليقظة فيتمرن على العمى. بدعابة وحنان تارة وبنفحة إنسانية مؤثرة تنسج رواية ”جنوب الملح” شرنقتها حول قارئ يتواطأ مع راو يرى ما يريد من قسوة الواقع ومن كرم الحب والحظ. وركز الكاتب على ثلاث مراحل تاريخية هي ديسمبر 1978، ديسمبر 1991 و11 أفريل 2004، محطات مهمة في تاريخ الجزائر المعاصر، لكنها أكثر من ذلك بالنسبة لمصباح بطل الرواية، لأنها تحدد اتجاهات حياته وخياراته، حيث يروي مصباح تاريخه الخاص وتاريخ عائلته ليرسم للقارئ من خلال تفاصيل حكايته صورة عن تحمل الفرد البسيط عبء التاريخ وتبعات السياسة. بطل الرواية مصباح ولد في مدينة الجلفةجنوبيالجزائر في حجر الملح، وهو أحد أكبر جبال الملح في العالم، ومنها يبدأ في نسج حكايته المليئة بالصدف والمفارقات، كصدفة ولادته في نفس اليوم الذي رحل فيه الرئيس هواري بومدين، يصبح مصباح فجأة في فوضى التسعينيات وعنفها يتيما، ينقذه الإحساس باليتم خاتله وصديق أبيه قويدر المصور، ثم قصة حبه مع جهيدة المرأة الوحيدة التي تحمل سرا يشغل مصباح، ينتقل مصباح إلى الجزائر العاصمة ويصبح مصورا محترفا بعد تجارب عديدة، ويقيم أول معرض له في مدينة سيدي بوسعيد بتونس، وهناك يتعرف على مريم ويحبها أثناء بحثه في العمى ومريم باحثة عن الصمت في الموسيقى. ليست هذه هي المفارقة الوحيدة، فهناك مفارقات عديدة تدفع القارئ إلى التفكير في هذه الثنائيات بطريقة غير التي يفكر بها عادة. مجموعة من الأسئلة تطرح في الرواية، مثل هل سيطول عمر مريم التي تفضل الصمت، وكيف سينتهي الأمر بمصور فوتوغرافي يبحث في عالم العميان والعمى، هذا ما يتضح في آخر الرواية. يستدعي البطل سيرة جده الإمام والمناضل وأبيه المناضل الشيوعي، ليرصد خيبة أجيال بعد الاستقلال جيلا بعد جيل، خصوصا مع تراجع الأمل مع كل خيبة تعيشها الجزائر. شخصية أخرى تثير مصباح، وهو عبد اللطيف المجنون الذي يجده أحيانا ملتصقا به كظل، هذا الأخير يجوب شوارع مدينة الجلفة بصمت ليل نهار كروح معذبة أوكضمير للمدينة والمجتمع. ولد ميلود يبرير في الجلفة، جنوبالجزائر، في كنف عائلة لا ترى العلم إلا من منظور إنساني، فالوالد علي مهندس ورسام، وقد سار الروائي الشاب على خطاه فامتهن الطب واحترف الكتابة.