توقّفَ صديقي الصحفيّ المشتغل بفضائية عريقة، عند مداخل مدينة، في الجزائر العميقة، بعد يومين منَ السير والعمل. فارتأى أنّه المكان المناسبُ لارتشاف قهوة وكوب ماء، في هذا اليوم الساخن من رمضان، طالما أنّه في حكم المسافر، ويحوز بالصفة الرخصةَ الشرعية للإفطار. وبمجرّد الشروع في (أكل رمضان)، وقف عند رأسه ”بوليس” بالزيّ الرسميّ على دراجته النارية؛ طلبَ منه الوثائق.. تحقّقَ منها، وأعادها، ودعاه إلى مركز الشرطة، باعتباره متهما بجريمة ”انتهاك حرمة رمضان”. ردّ الصحفيُّ بقسوة على ”الموطار”، ورفضَ الانقياد معه إلى ”الكوميساريا”، فانصرف الأخيرُ لحاله، وظنّ صديقي بأنّ الشرطيَّ قد تفهّم الأمرَ وانتهى الموضوع. جمع لوازمه وانطلق في سبيل حاله، ففوجئَ ب”باراج أمني” بعد حوالي خمس دقائق سير، كما لو أنّه أقيم خصيصا لإلقاء القبض عليه، متلبّسا بالجرم الشنيع، واسفزاز مشاعر الصائمين. وخرج الضابط شخصيا لهذه المهمة ”النوعية”، فاستوقفه للغرض، وطلبَ منه ”تبرير” انتهاكه الشهر الفضيل، على محضر استماع (...) وتوقّف الموضوع عند هذا الحدّ، بعد جدال وتدخّل من جهات رسمية، كانت على علم مسبق بأهمّ مسارات المهمّة. فلو لم يكن الأمر كذلك، أو أنّه تعلّق بمواطنِ عاد، على سفر طويل، يُجيز له الشرع أن يفطر، فيجد نفسه متهما بانتهاك حرمة رمضان، وتجد بعضُ الصحف الصائمة في ذلك مادةً دسمةً، لتأجيج مشاعر التحريض والتجريم، وتقديم غير الصائمين، بحجّة أو بغير حجّة، في صورة ملاعين بلا أخلاق، يجوزُ القصاصُ منهم. فهل يحتاج المريضُ والمسافرُ وغيرُ القادر على الصوم، أو الأجنبيّ من ديانة أخرى، إلى وثيقةِ رسمية يستظهرها في حالات تفتيش الضمير، ومراقبة إيمان المواطنين ومدى التزامهم بمقدّساتهم الدينية. إذا استمرّ الوضعُ بهذا الانحدار، سيكون منَ الصّعب التفريق بين مؤسسة جمهورية، وهيئة خاصة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.