تبادل الجزائريون الشتائم وتنابزوا بالألقاب وخرجوا عن كل القيم التي تحكم العلاقة اللفظية بين الناس وحولوا مواقع التواصل الاجتماعي إلى بؤر تنفث نارا ودخانا فاق نار ودخان أنقرة وإسطنبول وباقي مواقع المواجهة بين العسكر وأنصار أردوغان في تركيا. كثيرون عندنا دافعوا عن أردوغان وسفّهوا كل من قال فيه ما لا يعجبهم، مع أنه أحسن الدفاع عن نفسه من خلال ملايين من الأتراك خرجوا للوقوف في صفه وأشبعوا العسكريين المنتفضين ضده ضربا ولكما وجلدا. وكثيرون آخرون أيضا شيطنوه مع أنهم شاهدوا على المباشر الملايين من أبناء بلده يجددون له الولاء ويكرسونه زعيما فوق العادة لإعادة تأهيل كل المؤسسات بما يخدم سياسته. وتبعا لذلك شيطنوا كل من رأوه بعيون غير عيونهم. وأكثر المندفعين إلى المستنقع التركي تحضرا مع أن منشوراتهم لم تخل من الشتائم للجزائر وكل الجزائريين وتاريخ الجزائر هذه المرة كانوا يفتخرون بكون مصطفى كمال كان فعلا "أتاتورك" وربى الأتراك على رفض الانقلابات واحترام الاختيار الشعبي وعلى الحرية والديمقراطية والعلمية وكلما طفح به قاموس العصر من تسميات تليق في أماكن أخرى غير تركيا وغير الجزائر. وقد نسوا أن حركة الجمعة الماضية هي الانقلاب العسكري الخامس في أقل من ستين عاما بهذا البلد، وهو رقم لم تسجله معظم دول إفريقيا التي رفض عبد الله غول رئيس تركيا السابق أن تتشبه بها بلاده. هؤلاء الذين قادوا كل تلك الانقلابات العسكرية هم نتاج نظام مصطفى كمال الضابط العسكري ابن الضابط العسكري المنضبط جدا في الجيش العثماني. كان يحارب ويبيد الأرمن وغير الأرمن. ولم يكن مصطفى كمال زعيما في أي يوم، هو لم يكن جورج واشنطن ولا تشرشل ولا العربي بن المهيدي. فقد حكم بلاده بناء على قرار مؤتمر لوزان الذي أسس الجمهورية التركية على أنقاض الرجل المريض. ولم يكن مفكرا يوما فهو ليس منتسكيو ولا جان جاك روسو ولا سانسيمون ولا فيورباخ ولا كارل ماركس، بل قاد البلد لما وصل إلى الحكم بما اقتضته بنود لوزان وكان أكثر جرأة من المؤتمرين الأوروبيين عندما نصب مدفعا على 200 متر من مسجد، فأمر بنسفه فقط ليقول للناس أن الرب عاجز عن حماية بيته كما لو كان هذا الفعل هو دليل العلمانية.. أتاتورك كان متهورا وشعبويا في "علمانيته" تماما كما هو شعبوي أردوغان في إسلامه. في المحصلة أردوغان هو أتاتورك بلون مغاير وأتاتورك هو أردوغان بلون مغاير والجزائريون الذين تعاركوا بهذا الصف أو ذاك كلهم صورة واحدة بلونين قاتمين.