اعتبر الأستاذ أحمد عياش في تقديمه للكتاب أن موضوع إنتاج النخب في الجزائر خاصة الدينية منها لا يخلو من الصعوبة نظرا للظروف التي مرت بها الجزائر قبل وبعد الاستقلال، وما أعقبه من تسارع في الأحداث السياسية و الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما أدى حسبه إلى تشكيل هذه النخب ، مضيفا في ذات السياق أن هذا الكتاب بمثابة دليل علمي للباحثين والمهتمين بدراسة الشخصيات التي تركت بصماتها على الساحة الثقافية الجزائرية. وقد استهل الكاتب محمد بغداد موضوعه بالحديث عن الدور الذي كان منوطا بالمساجد عبر المراحل التاريخية المختلفة والتي أشار إلى أنها كانت ملاذا للأمة الاسلامية في مراحل الهزات الكبرى التي مرت بها، ومنها انطلقت الثورات والمقاومات ضد الاحتلال. كما نوه بالدور الذي يلعبه الأئمة في التوجيه. ومن هذا المنطلق كان محور بحثه الذي تناول فيه إشكالية تكوين النخب الدينية في الجزائر من خلال البحث الميداني الذي اعتمد فيه على الاتصال المباشر بطلبة العلوم الدينية. وقد تطرق الكاتب في بحثه إلى المستوى العلمي للطلبة الذين يتكونون في المجال الديني في مدة أقصاها ثلاث سنوات، وهما الجانبين الذين انطلق منهما في طرح إشكالية بحثه ، حيث اعتبر الكاتب أن هذه المدة غير كافية لتكوين الأئمة إضافة إلى أن المدة المحددة للتكوين لا يمكنها السماح للطالب الإلمام بكل الجوانب المتعلقة بتكوينه الديني حيث أنه اكتشف من خلال دراسته أن عددا كبيرا من الطلبة يواجهون صعوبات ميدانية بعد التخرج لذا فهم يفضلون العودة للدراسة نتيجة اقتناعهم بأهمية الدور المنوط بهم في المجتمع. وقد انطلق الكاتب في بحثه من إشكالية التوفيق بين تعليم هؤلاء الطلبة بمستوياتهم المحدودة وبين تكوينهم وتزويدهم بالمهارات اللازمة في الفترة المحددة، باعتماده على منهجية بحث ركز فيها على الأساليب المتبعة في تدريس العلوم الشرعية ، وذلك من خلال الخطوات التي تمثلت في الممارسة الميدانية للتدريس في المعهدين بتيزي وزو وتلا غمة و لمعظم المواد المقررة وكذا الاطلاع على وضعية الطلبة الاجتماعية، لينتقل بعدها إلى مرحلة المقابلات التي شملت كل الطلبة وأعضاء الهيئة التكوينية. أما المرحلة الثالثة فقد اعتمدت على الطريقة الإحصائية لمختلف الآراء وردود الأفعال وأخيرا مرحلة التحليل لمختلف فقرات البحث. وفي الأخير توصل الكاتب إلى مجموعة من المحاور التي تساعد على إنتاج نخبة دينية قادرة على أداء دورها، حيث تطرق إلى ضرورة الاهتمام بالطلبة في فترة التكوين وحمايتهم أثناء فترة الإشراف على تسيير المؤسسات المسجدية من حيث الناحية العلمية والالتزامات القانونية ، مع الالتزام المذهبي والاعتماد على المذهب الشائع.. وهي الأمور التي لا يمكن الوصول إليها حسب الكاتب إلا من خلال التكوين السليم للطلبة والتي تعتمد حسبه ، على تنمية روحهم الاجتماعية وعن طريق تكوين العقلية الجماعية، إضافة إلى تدريب الطلبة على مواجهة الأمور المستحدثة في المسائل الدينية. ليتوصل إلى ضرورة تخطي مجموعة من النقائص في عملية التكوين وذلك بالاعتماد على تدريس مادة تاريخ الفقه الاسلامي، إفراد اجتهادات للصحابة ، ضرورة الاهتمام بعصر التابعين ودراسة اجتهادهم، وإعادة النظر في طريقة تدريس مادة الفقه الاسلامي في المعاهد الدينية.