لعبادة الحج جوانب عدة تسهم في بناء الفرد ودعم كيان الأمة، لذا فهي عبادة متميزة وذات سمات متفردة إذ تتجه إلى قطاع معين من مجتمع المسلمين هم أهل القدرة وأصحاب الاستطاعة وذوو السلطان، وهذا الأمر نصّت عليه بعبارة تحمل وجوه الإلزام الآية الكريمة من سورة +آل عمران؛ في قوله تعالى "وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"، كما جاء على هذا النحو حديث الأركان الخمسة وهو متفق عليه، ويشير الأمر في الآية إلى أن المَعنيين بهذه العبادة هم أهل الاستطاعة، إذ وصف إعراضهم عن هذه العبادة مع أهميتها لهم وقدرتهم عليها بأنه لون من الجحود والكفران، والله سبحانه في غنى عن هؤلاء الذين تنكروا لفضل المنعم وقعدوا عن الحج، إنها عبادة مئونة وكلفة فهي تتطلب عطاء بالجسد وعطاء بالمال وعطاء وجدانيا لا يقدر بمال أو متاع وفيها قدر كبير من المعاناة لا يطيقه إلا أولو العزم من الناس، إنها تتطلب قدرا من الضبط والإخلاص والتفاني في سبيل من ابتغيت وجهه، وسعيت إلى بيته مستغفرا من ذنبك راجيا رضاه "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ"، والمردود العظيم لهذه العبادة وتأثيرها الواسع ينبغي أن يتجه لمن هم في أمسِّ الحاجة إليه، ولأن حجهم سيسهم في أداء الدور الريادي لهذه العبادة فهو ينمي قدراتهم، ويوظف استطاعتهم وسلطانهم توظيفا يخدم أهداف الأمة ويساعد على تنميتها ويجعلها أكثر قدرة على حل مشاكلها ومراجعة ما يعترضها من عقبات وصعاب، وللغنى والثروة تأثيرات سلوكية قد تدفع صاحبها إلى التعالي ويشعر معها بالتميز، وللسلطان أبهته ورونقه الذي ينسي صاحبه بشريته، وقد يتناسى معه إنسانيته، فإذا حج هؤلاء وعاشوا مواقف هذه العبادة وعانوا تجربتها المؤثرة فستنقذهم من سلبيات كثيرة تكتنف حياتهم وتفسد وجدانهم وضمائرهم.