من الصفات النبيلة التي متى رسخت في قلب الإنسان واستعملها في موضعها كانت دليلا على قوة الإيمان وصدق اليقين.. صفة الصبر. ومن القيم الإسلامية الرفيعة التي ترقى بسلوك صاحبها وتفرض على الآخرين احترامه وتقديره والتعامل معه برأفة ورحمة وحلم.. قيمة الصبر . الصبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملاً، وأن يتجنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصاب وشدائد، ومن شأن المسلم أن يتجمل دائماً بالصبر، ويتحمل المشاق، ولا يجزع، ولا يحزن لمصائب الدهر ونكباته يقول الحق سبحانه: »يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين«. يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر: العقلاء من الناس في كل زمان ومكان يوقنون بأن الحياة صراع بين الحق والباطل، ونزاع موصول بين الخير والشر، وأن أحداثها عندما تستحكم ومصائبها عندما تتوالى، وليلها عندما يطول، فلا أمل في انكشاف أثقالها إلا عن طريق الصبر والمصابرة، واحتمال مكارهها بثبات وشجاعة، والعمل على تخطي العقبات بصبر جميل، وحكمة بالغة، وعقل مستنير، وعزيمة قوية، ذلك لأن الحياة التي نحياها ليست دار جزاء واستقرار، وإنما هي دار عمل واجتهاد، وامتحان وكدح من أجل الحصول على مطالبها، وكل ذلك يقتضي اختلاطا بالناس الذين تختلف أمزجتهم وتتباين مصالحهم، وتتضارب مقاصدهم وغاياتهم . وفوق كل ذلك فإن العقلاء من الناس يعلمون أيضاً أن إخلاصهم في عبادة خالقهم، وفي الإيمان برسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، سيجعل لهم أعداء يظهرون البغضاء، وما تخفي صدورهم أكبر، وهذا يستلزم من المؤمنين يقظة دائمة، وصبراً حكيماً، وعزماً مكيناً، حتى يتغلبوا على كيد أعدائهم وهنا يقول الحق سبحانه: »يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون«. لا خنوع ولا استسلام ويوضح الدكتور طنطاوي أن هناك فرقاً كبيراً وخطاً فاصلاً بين الصبر الذي يحث عليه الإسلام وبين الضعف والخنوع والاستسلام، ويقول: بعض الناس يتوهمون أن الصبر معناه الخنوع والاستسلام للواقع الذليل والرضا بالهوان والضعف، والسكوت عن معالجة الأمور والتثاقل عن أداء الواجب، وهذا التوهم لا أساس له من النقل الصحيح أو من العقل السليم، لأن الصبر الجميل الذي مدحه الله تعالى هو الذي يحمل صاحبه على بذل أقصى الجهد لاعتناق الفضائل، واجتناب الرذائل، وعلى السعي في الأرض بالطرق الشريفة لتحصيل المنافع التي أحلها الله تعالى، وللتعاون مع الغير على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. ويضيف: الصبر الجميل هو الذي يدفع صاحبه لتخطي العقبات، وتحمل التبعات من أجل نشر الأمان والسلام والرخاء والعلم النافع والخير الوفير بين الناس، ولذلك قال بعض الحكماء »الصبر هو تعويد النفس الهجوم على المكاره« وقال حكيم آخر »تجرع الصبر فإن قتلك قتلك شهيدا، وإن أحياك أحياك عزيزاً«. لكن ليس معنى ذلك أن الصبر يناقض الإحساس بالحزن والشعور بالآلام، لأن هذا الشعور وذلك الإحساس أمران طبيعيان في كل نفس إنسانية سوية، وإنما الذي تأباه شريعة الإسلام هو الخضوع الخانع لهذا الإحساس، والتصرف الذي يأباه الشعور الإنساني السليم، كأن يحزن الإنسان حزناً يدل على عدم رضاه بقضاء الله وقدره، وكأن يظهر من الهلع والخوف ما تأباه الرجولة ومكارم الأخلاق، ولذلك قال العلماء إن فضيلة الصبر تدل على أن صاحبها، قد تحلى بضبط النفس، وثبات القلب، ورباطة الجأش، وصدق الإيمان، وكمال الرجولة، لأن أثقال الحياة وتكاليفها وأحداثها لا يطيقها الضعاف المهازيل، وإنما يتحملها أصحاب النفوس القوية، والأمانة التي رضي الإنسان بحملها لا يستطيع أداءها على الوجه الأكمل إلا الرجال الصابرون على البلاء الصادقون عند البأساء والضراء .