يبدو أن الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها الكثير من الشباب دفعت بالكثير منهم للتفكير في الغربة بهدف تغيير أوضاعهم المعيشية وتحقيق طموحاتهم، وهو حال منير. ب المنحدر من ولاية عنابة الذي اختار الرحيل والإبتعاد عن الوطني بهدف تحسين الأوضاع التي كان يعيشها وعائلته، وللتعرف أكثر على تفاصيل قصة منير في ديار الغربة بعد أكثر من 15 سنة، تقربت السياسي منه ليروي لنا تفاصيل ما عاشه وبالتحديد في فرنسا، مشيرا الى أدق التفاصيل التي عاشها وهو بعيد عن أهله وأقربائه. أوضاعي الاجتماعية دفعتني لأغترب عن وطني بدأ منير. ب ، المولود بولاية عنابة سنة 1970 قصته بالعودة الى الأيام التي كان فيها شابا مراهقا حيث يقول: أنا من أسرة جد معوزة تفتقد لابسط ضروريات الحياة الكريمة، والدي عاملا حرا بسيطا بالكاد يستطيع توفير لقمة العيش لنا، نتكون من 8 أفراد كنت انا ثاني إخوتي بحيث كنت أدرس واشتغل في نفس الوقت، عملت حمالا في الاسواق وبائعا ايضا، اشتغلت في ورشات البناء، عملت في الحقول خصوصا في فترة الصيف اين يكون المحصول قد نضج، كنت يافعا والحمد لله، لم اكن استحي من الشغل لانه حلال وحتى لا اتوقف عن دراستي، كان لزاما علي الاجتهاد فكنت اساعد اسرتي بما أستطيع رغم سني الصغيرة، ولكن رغبتي في إدخال البهجة على وجوه إخوتي الصغار هون علي كل شيء ومحاولتي مساعدة أبي في مصاريف البيت أعانني على التحمل وتوالت السنين ونجحت في شهادة البكالوريا التي كانت المنعطف الاساسي في تغيير مجرى حياتي، حينها أدركت ان هذا العمل الشاق ليس دائما، فهو يأخذ من صحتي كثيرا وعلي ان أجد عملا سهلا لجني الأكثر وتحقق الافضل لعائلتي، فكانت فكرة الاغتراب والسفر للبحث عن مصدر دخل آخر لتحسين أوضاعي تراودني، فغالبا ما كنت أسمع من بعض الاصدقاء في الحي عن مغامرات أقاربهم في اوروبا وكيف ان فلان وفلان استحالوا أغنياء وبسيارات وملابس فاخرة ، ويسترسل منير ليقول: أبي فقير وانا أريد مساعدة اسرتي خاصة ان إخوتي صغار لا أريدهم ان يعانوا مثلما عانيت وأريد إكمال دراستي في الطب هناك والعودة بشهادات عليا وما زاد من رغبتي في مغادرة الوطن والبحث عن الافضل هو أصدقائي في الجامعة وبالتحديد صديقي المقرب عمر الذي ينتمي لاسرة غنية بحيث سبق ان سافر مرارا الى هناك وكان يحكي لي عن تجربته ويحفزني ويزيد من رغبتي بالهجرة وتغيير نمط المعيشة الذي أعيشه وعائلتي ، يسكت منير قليلا ليسترسل في الكلام مجددا ويقول: عملت بعدها على توفير مبلغ الرحلة بحيث كنت اعمل ليلا ونهارا، تحملت مختلف الإهانات في الورشات من طرف الذين كانوا يعاملوننا كالحيوانات، تحملت كل ذلك من اجل توفير المبلغ كاملا، وبعد شهور، استطعت ان اصل الى المبلغ المطلوب وبعد تقديم أوراقي للقنصلية الفرنسية وبما انني طالب جامعي، كان لدي حظ في ذلك الوقت الذي كانت فيه عملية السفر بسيطة عكس يومنا هذا وجاء اليوم المنتظر والذي كان أصعب يوم في حياتي، فكيف سأودع أهلي الذين كانوا معارضين لفكرة سفري، ولكنهم تفهموا وضعي وهدفي . انهيار والدتي وإغمائها.. أوجع قلبي يواصل منير سرد تفاصيل حياته، ليقول: كنت قد بدأت استعد لتوديع اسرتي وتحضيرهم لسفري حيث بكت أمي وأغمي عليها بسبب السفر وبعدي عنهم ولكنها في الاخير دعت وتمنت لي التوفيق لانها تعرف انني اريد الافضل لعائلتي فكانت وجهتي نحو فرنسا وعند الوصول في الايام الاولى لم تكن هناك صعوبات حيث تلقيت الدعم من طرف أقارب صديقي عمر الذي أوصى بي عندهم، فساعدوني، قدر الإمكان، حيث مكثت عندهم حوالي ال5 اشهر الاولى اين حاولت الحصول على منصب شغل في اي مكان ولكن اينما ذهبت كنت أرد ما سبب لي إحباطا كان سيدخلني في دوامة اليأس ولكنني لم أفقد الامل حتى وجدت عملا في أحد المطاعم كنت اغسل الصحون واحيانا أعمل نادلا حسب احتياجاتهم وانا متفائل بغد مشرق ولم اكن اتصل بأهلي عدا مرة واحدة عند وصولي لانني لم أستقر بعد ولم يكونوا يعرفون اين انا ومكان تواجدي لانني خفت ان تقلق امي او يرتفع ضغط دم أبي، كنت أتحمل المعاناة ولا اشتكي الى ان اتصلت ذات يوم بأخي الكبير الذي أطلعني على حال عائلتي وحيرة أمي علي وقلقلها الدائم لمعرفة اخباري في الغربة، عاتبني أخي جدا بسبب عدم اتصالي الدائم وإطلاع العائلة على أخباري بعدها تكلمت مع أمي وأخبرتها انني بصحة جيدة وأدرس وأعمل ايضا في مكان لائق، طبعا، حتى لا تقلق أكثر، وبعدها ارتاحت بعد محادثتها واطمئنوا علي . نجاحي وقبولي في الجامعة الفرنسية غير مجرى حياتي بقي منير يروي تفاصيل مغامراته في الجنة التي كان يحلم بها ليقول: بعد ان كنت في الجزائر ادرس في الجامعة سنة ثالثة طب، عاودت اجتياز البكالوريا في فرنسا لانهم لا يعترفون بشهاداتنا، حسبهم، ونجحت، والحمد لله، كان بإمكاني تحقيق الاحسن لكنني فضلت ان اصبح ممرضا لان الدراسة في هذا الميدان لمدة عام فقط وهو ما يوفر ويختصر لي الوقت بعدما كنت طبيبا في الجزائر وذلك لاختصار الوقت وبسبب وضعي وعدم استقراري المادي اين كنت أعمل ليلا ونهارا في المطعم من اجل توفير المال، كنت أريد فقط المال لأرسل القليل منه لاهلي لان اغلبه كان يذهب في الجامعة، فاستأجرت بعدها غرفة وصرت أمكث فيها ما جعلني مستقلا أكثر، كونت العديد من الصداقات في الجامعة مع الجالية الجزائرية المسلمة وبعض الإخوة العرب الذين كنت أقضي الاعياد والمناسبات الدينية معهم وهو اكثر شيء كان يؤلمني وانا بعيد عن اهلي ووطني، ولكن عملي كممرض وحصولي على ديبلوم ممرض ارجع لي الثقة في النفس اين كنت أعمل 35 ساعة في الاسبوع بمعنى ثلاثة أيام في الاسبوع في كل يوم 12 ساعة كنت أشتغل أكثر من دوامي وذلك من اجل الحصول على المال أكثر هذا ما كان يهمني حيث ضحيت بدراستي للطب من اجل مساعدة اهلي، اصبحت كالآلة لا أريد ان أرتاح أبحث عن العمل وفقط كنت أرتاح فقط أيام الاحد وهذا باختياري بقيت على هذا الحال أكثر من 14 سنة وهو ما حسن من مستواي المعيشي، استطعت ان أرسل مبلغا ماليا محترما لاهلي مكنهم من شراء منزل لائق وسيارة أيضا تساعدهم على شؤون الحياة، وبعد 14 سنة، التحق اخي الاصغر بي ليكمل دراسته هنا وهو ما زاد من فرحتي . زواجي من امرأة عاقر فتح علي أبواب المشاكل هناك مرت سنين طويلة ومنير وحيدا بفرنسا همه الوحيد تحسين اوضاع عائلته، الا ان إلحاح والدته على تكوين اسرة دفعه للبحث عن امرأة تشاركه الحياة بحلوها ومرها، الا ان الواقع كان عكس ذلك وهو ما قاله منير مسترسلا في حديثه: بعد إلحاح كبير من والدتي بالزواج، اخترت امرأة جزائرية مقيمة في فرنسا اين ارتبطت بها على سنة الله ورسوله، ولكن بعد مرور السنوات ، اكتشف منير ان زوجته عاقر لا تنجب الاطفال وهو ما أدخله في جملة من المشاكل العائلية التي اثرت عليه خاصة انه رغب في الاطفال ولكن القانون الفرنسي يمنع تعدد الزوجات، ليواصل: كنت دائما أفكر في الزواج مرة ثانية ولكن لا يمكنني ذلك وانا في الغربة، لذلك عزمت على الرجوع الى وطني والزواج بامرأة من البلاد لأحقق حلم أمي برؤية أولادي، وبعد تفكير طويل، اتخذت قراري . رجوعي إلى وطني أعاد لي الروح يواصل منير: عدت الى وطني بعد ان أخذت إجازة مفتوحة وخيبة الامل ترافقني حيث مررت بفترة عصبية صعبة بعد المشاكل التي حدثت معي حيث كنت ساخطا على كل شيء، فرح وسعد أهلي كثيرا لرؤيتي بعد غياب طويل حيث كانت الاجواء في البيت رائعة وكانه هناك حفل زفاف زغاريد وحلويات وغيرها وحضرت لي بعدها الام أشهى الاطباق التقليدية التي كنت أحبها في الماضي اين استرجعت شريط الذكريات وكيف مرت الايام والسنين بسرعة حيث تزوجت مرة ثانية بإحدى الاقارب، والحمد لله، انا اليوم أب ل3 أطفال وتقريبا شبه مستقر بين الجزائروفرنسا اين فتحت مقهى في الغربة أسترزق منه مع عملي كممرض اين لم يبق لي الكثير واخذ التقاعد. واليوم انا أعيش حياة كريمة وتحسن مستوى عائلتي ، يضيف منير: حققت ما كنت أطمح إليه ولكن بصعوبة كبيرة ذهبت بشهاداتي وبمستواي العلمي ولولا قدرة الله لما نجحت لان الحياة هناك صعبة جدا وخاصة في هذه السنوات الأخيرة اين أثرت الأزمة المالية العالمية على كل شيء وفي الوطن يمكن تحقيق المعجزات فقط الإرادة تصنع من المستحيل شيئا وليس تحقيق الأفضل والاحسن حكرا على أوروبا، فالوطن اسخى واحن بكثير ، وبعيون باكية ودموع تنهمر، اختتم منير كلامه معنا ناصحا الشباب الذين يحلمون، كما يعتقد، بالجنة المفقودة بالتفكير جيدا قبل اتخاذ اي قرار سيندمون عليه لاحقا.