فصل الصيف لدى الجيجليين فرصة للربح وتحقيق أكبر منفعة مادية ، في غياب واضح لثقافة السياحة التي أضحت الهم الأخير لعائلات تفضل العيش داخل غرفة واحدة من أجل تأجير سكنها وما يتوفر عليه من مستلزمات للعائلات القادمة من الولايات الداخلية ، مقابل تأمين مورد مالي لباقي أيام السنة. الولايات الساحلية تتحول كل صيف محجا للكثير من السماسرة الذين يتحكمون في السوق، وفقا لمنطق يفرضونه على صاحب المنزل والقادم من أجل قضاء أيام على شاطئ البحر. هذا الواقع رصدناه في هذا الروبورتاج خلال جولة بشواطئ ولاية جيجل ، الجنة التي تحتاج لقليل من الإهتمام وإلى الكثير من ثقافة السياحة ، وذلك بعد أن تحول مفهوما «النهب» و»الربح» لدى البعض سيان، دون أن يعود ذلك على الخزينة بفائدة تذكر. لعبة الكر والفر، أو من يسبق من؟ هو المشهد الذي بدأ يأخذ حيزا بشواطئ ولاية جيجل ، وذلك ضمن المساعي الرامية لتطبيق التعليمة الوزارية القاضية بمجانية الشواطئ وعدم السماح لبعض الشباب بإحتلالها وفرض خدماتهم على المصطافين . لكن المتجول عبر كافة الشريط الساحلي لولاية جيجل، يلاحظ أن التعليمة المذكورة غير مطبقة بالشكل اللازم. ما لاحظناه خلال جولة إستطلاعية إنطلقت من شواطئ كتامة إلى غاية زيامة منصورية ، هو تواصل إحتلال أجزاء كبيرة من الشواطئ من قبل شباب يعرضون طاولات ، وكراسي و شمسيات خصوصا في الشواطئ غير المحروسة. وإستنادا لما أكدته مصادر أمنية متطابقة ، فإن هناك عمل شبه يومي من قبل فرق أمنية ترافق أعوان البلدية في جولات عبر كافة الشواطئ للوقوف على مدى تطبيق التعليمة الوزارية . تم في عدة مرات منع الشباب من التواجد على الشواطئ، في حين عرف القرار إحتجاجا من قبل بعضهم عدة مرات. وأوضح مصدرنا أن الوالي السابق لولاية جيجل قام بإصدار قرار يسمح بموجبه لهؤلاء الشباب بعرض خدماتهم لكن بعيدا عن الشاطئ ، وذلك حتى يتمكنوا من ضمان مدخول مالي، دون الإخلال بالتعليمة الوزارية القاضية بمجانية الشواطئ. تأجير المنازل.. سوق يتحكم فيها السماسرة يتحكم وسطاء وسماسرة في سوق تأجير المنازل بولاية جيجل، بعد أن يتفرغ الكثيرون لهذه المهنة التي تعتبر الأهم بالولاية خلال موسم الاصطياف وتعرف إقبالا كبيرا من قبل بعض الأشخاص بينهم من ينحدر من خارج الولاية، وهم من يحدد الأسعار التي تزيد بكثير عما يطلبه ملاك المنازل. «عاشور» هو أحد السماسرة المعروفين بمنطقة بازول بمدخل جيجل، ينحدر من مدينة وادي سوف، أكد لنا أنه قدم قبيل شهر رمضان ، فجمع أكبر عدد من المنازل التي يريد أصحابها تأجيرها للقادمين من الولايات الداخلية والصحراوية خاصة، وقد تعود على هذا النشاط منذ سنوات ويعرفه العام والخاص بالمنطقة. لم نكشف هويتنا أمام «عاشور» وطلبنا منه إمكانية العثور على شقة لقضاء فصل الصيف، فكانت الإجابة سريعة « نعم عندي شقق بأي مكان، وبالأسعار التي تناسبكم من 5 آلاف دينار فما فوق، قولوا لي فقط إختياركم واتركوا الباقي لي» ، قبل أن يوجهنا لأحد معارفه بمدينة جيجل والذي يملك منزلا مكونا من غرفتين معروض للتأجير بسعر 6 آلاف دينار لليلة الواحدة. لم يكن عاشور وحده من يمتهن هذا النشاط خلال فصل الصيف، بل مثله كثيرون بجيجل وباقي البلديات ، والدليل على ذلك الإنتشار الكبير والعشوائي لأرقام هواتف بكل المناطق من قبل أشخاص يعرضون خدماتهم وبأسعار قريبة من بعضها البعض وكأننا داخل « بورصة «. أسعار خيالية رغم فتور الإقبال للمصطافين تعرف أسعار تأجير الشقق والمنازل بولاية جيجل إرتفاعا كبيرا للأسعار أضحى يضاهي أسعار الغرف بالفنادق أو يزيد في الكثير من الأحيان ، حسب حالة الشقة، والخيارات المتوفرة داخلها من أجهزة كهرومنزلية. الأرقام التي تحصلنا عليها من قبل عدد من سماسرة تأجير المنازل، تفيد أن سعر تأجير غرفة واحدة بوسط مدينة جيجل قد بلغ 5 آلاف دينار لليلة الواحدة . أما بمنطقة فيلاج موسى فالشقة من غرفتين بمكيف ب 6 آلاف دينار، فيما يتراوح سعر شقة من غرفتين مع مكيف على بعد حوالي 200 متر عن الشاطئ في منطقة بوالنار غرب الولاية ب 8 آلاف دينار لليلة الواحدة . وتنزل ل 6 آلاف دينار من دون جهاز تكييف، في حين يتراوح سعر قضاء ليلة واحدة في شقق ذات ثلاثة غرف بين 8 آلاف وحتى 12 ألف دينار بمدن جيجل ، العوانة وزيامة منصورية. في صورة إستثنائية لم تعهدها شواطئ ولاية جيجل من قبل في مثل هذا الوقت ، فبإستثناء شاطئ كتامة الذي يعرف نوعا من الحركية ليلا ونهار، لا تزال أغلب الشواطئ المتبقية تنتظر وفود المصطافين الذين كانت تستقبلهم خلال السنوات الماضية ، سيما وأن أغلبها غير ممتلئ كما جرت عليه العادة ، وهو ما يظهر جليا في عدم وجود إكتظاظ بحظائر السيارات ، وعدم تسجيل نقص في المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز و الحليب. على عكس ما هو متوقع لا تزال العديد من الفنادق في جيجل تنتظر المصطافين، على غير العادة . هذا ما أوضحه عدد من عمال الإستقبال الذين قالوا أنه في العادة تكون كل الغرف مؤجرة فورإنقضاء شهر رمضان . بالنسبة لشهر أوت فإنه يستلزم حجزها قبل شهر كامل، حيث يعتبر هذا الشهر ذروة العمل بالنسبة للجيجليين، سيما وأنه يتزامن مع العطل السنوية لدى العمال، إضافة إلى عدد لا يستهان به من العرسان الجدد. الكثير من العائلات التي تملك منازل أو شقق قريبة من الشاطئ تغتنم هذا الموعد السنوي لتعزيز مداخيلها المالية خلال موسم الإصطياف . فتعمد للعيش داخل غرف واحدة من أجل تأجير منزلها مقابل مبالغ مالية تكفيها بقية السنة . صادفتنا إحدى الحالات بمنطقة بوالنار غرب جيجل، أين تحولت عائلة كاملة لغرفة واحدة ، فيما تم تأجير شقتها المكونة من ثلاثة غرف للعائلات القادمة من الولايات الداخلية مقابل مبلغ 6 آلاف دينار شهريا. أضحى «عزوف» المصطافين عن التوجه للشواطئ هاجسا لدى الكثيرين الذين يعتبرون هذه الفترة فرصة للربح ، خصوصا وأن الكثير من المنازل لم تؤجر بعد، حيث يتسارع سماسرة ووسطاء لإقناع المصطافين القلائل بتأجير المنازل بأي طريقة ، في محاولة لإيهامهم بعدم وجود شقق شاغرة ، خصوصا خلال شهر أوت. بعض العارفين أكدوا عكس ذلك، حيث أوضح عدد ممن إلتقتهم «النصر» في جولتها بشواطئ جيجل، أن الأصداء القادمة من تونس هي من تحدد أسعار الشقق في جيجل. لا ضمانات في تأجير المنازل و مفاجآت تنتظر أصحابها كثيرة هي القصص التي يرويها مواطنو جيجل عن حوادث وقعت بسبب عدم وجود أي ضمانة بين المستأجر وصاحب المنزل وذلك لعدم وجود تقنين واضح لهذا النشاط ، الذي بدأ يأخذ أبعادا أكبر بمدينة جيجل . صار نشاطا موسميا يدر أموالا طائلة على أصحابه ، ويدخلهم في عطلة باقي أيام السنة. ما رواه أحد العارفين بسوق تأجير المنازل ، هو ما وقع السنة الماضية لأحد المستأجرين من ولاية داخلية ، والذي تفاجأ بعد عودته إلى المنزل وقد قضى يوما كاملا على شاطئ البحر، بإختفاء بعض ما إقتناه من أواني. وعند لجوئه لصاحب المنزل، تهرب هذا الأخير لعدم وجود ضمانة في إختفاء أي غرض. إحدى القصص التي عرفها الشارع الجيجلي أيضا ، هي تفاجئ صاحب منزل بالإرتفاع الكبير لفاتورة الكهرباء ، بعد إنتهاء موسم الإصطياف ، حيث بلغت أزيد من 70 ألف دينار، وهو ما دفعه للإستفسار، خصوصا وأن المنزل لم يكن مجهزا بما يمكن لسكانه في فصل الصيف من إستهلاك كبير للتيار الكهربائي ؟ .وإكتشف أن العائلة التي إستأجرت المنزل لمدة حوالي شهرين كانت تستخدم المسخنات الكهربائية في صنع بعض المأكولات التقليدية التي يقوم أبناؤها ببيعها على شاطئ البحر. مدير السياحة: ننتظر حوالي 9 ملايين مصطاف هذه السنة كشف مدير السياحة والصناعات التقليدية لولاية جيجل نور الدين منصور أن تقارير رؤساء البلديات تؤكد أن هناك بعض الشبان يواصلون محاولات إحتلال الشواطئ من أجل فرض بعض الخدمات على المواطن بما يتعارض والتعليمة الوزارية القاضية بمجانية الشواطئ. وأوضح ذات المتحدث أن مصالح الأمن والدرك الوطني وبناء على التسخيرات المحررة من قبل البلديات تقوم منذ أيام بجولات عبر كافة الشواطئ من أجل منع مثل هذه المحاولات . ليضيف يتم إخلاء كافة الشواطئ من محتليها ، غير أنه بمجرد مغادرة المصالح الأمنية تتم إعادة إحتلال هذه المساحات . معترفا في ذات السياق أن أكبر شاطئ يعاني من هذا المشكل هو شاطئ كتامة. فيما يتعلق بتصريح المواطنين المقبلين على تأجير سكناتهم للمصطافين، أكد ذات المسؤول أن هناك عزوفا كليا من هذه الفئة، مرجحا أن يكون السبب هو محاولة للهروب من الضرائب التي يمكن أن تطالهم . السنة الفارطة على مستوى بلدية جيجل صرح 5 مواطنين فقط بإيوائهم لمصطافين ببيوتهم ، إلا أنه لم يتم التصريح بأي حالة في السنة الحالية حتى اليوم. تنتظر ولاية جيجل حسب ذات المتحدث إستقبال حوالي 9 ملايين مصطاف هذه السنة عبر 22 شاطئا محروسا من أصل 50 شاطئا عبر كل الولاية . وهو نفس الرقم الذي تم إستقباله السنة الفارطة. وذكر في ذات السياق أن الولاية قادرة على إستيعاب هذه الأعداد الكبيرة من المصطافين ، وأن القدرة الاستيعابية للولاية من الأسرة عبر كافة الفنادق قد بلغ 18 ألف سرير، دون إحتساب عدد الشقق المؤجرة من قبل سكان الولاية. رئيس البلدية: نحن بصدد إلغاء آخر عقد إمتياز على الشواطئ كشف رئيس بلدية جيجل عبد يزيد أن مصالحه في طور فسخ آخر عقد إمتياز التي كانت مبرمة مع أحد الخواص من أجل إستغلال حيز من شاطئ كتامة وذلك تطبيقا لتعليمة وزارة الداخلية القاضية بمجانية الشواطئ ، ليضيف « لقد ألغينا كافة عقود الإمتياز التي تدر على البلدية مبلغ 100 مليون سنتيم للعقد الواحد خلال موسم إصطياف «. وأوضح رئيس بلدية جيجل، أن مصالحه تقوم بمجهودات يومية مرفوقة بالمصالح الأمنية لمنع إحتلال الشواطئ من قبل بعض الشباب ، معترفا بأن العملية في عامها الأول صعبة جدا، خصوصا وأن هذا النشاط أصبح مهنة لدى كثير من الشباب ومصدر رزقهم في هذه الفترة. من جهة أخرى أوضح ذات المسؤول، أن عملا مشابها مس إلغاء كافة حظائر ركن المركبات عبر تراب البلدية ، والتي كانت تمنح سابقا للشباب في إطار ما يسمى بالحظائر الجوارية. مالك فندق تاغراست :»هدفنا كسب الزبون في أوقات الضغط « صرح مالك فندق « تاغراست « بمدينة جيجل»حسين بن عميرة « أن فندقه يستقبل كل موسم إصطياف المئات من السياح المحليين والأجانب ويسعى إلى كسبهم كزبائن في الوقت الذي تنخفض فيه الخدمة لدى الكثيرين بسبب الضغط. وأضاف ذات المتحدث « نحاول تقديم أحسن ما لدينا في الوقت الذي يكون الزبون في حاجة إلينا «، مشددا على أنه ورغم الصعوبات التي يتلقاها في عمله كصاحب مؤسسة فندقية ، إلا أنه يحاول كل سنة تقديم صورة أحسن من السنة الفارطة ، وذلك من خلال إدخال بعض التحسينات على الفندق مثل إعادة دهن الغرف وتغيير بعض الأثاث. روبورتاج/ عبد الله بودبابة/تصوير:شريف قليب