تركيا للعرسان والأثرياء فقط هذا الصيف أجمع مسؤولو وكالات سياحية بقسنطينة بأن تركيا هي الوجهة رقم واحد هذا الموسم بالنسبة للعرسان الراغبين في قضاء شهر العسل والعائلات الميسورة الحال، ويأتي المغرب الذي شحذ كل الاغراءات لاستقطاب السياح الجزائريين والأجانب المقتدرين في المرتبة الثانية، في حين نزلت تونس من قمة قائمة الوجهات السياحية المفضلة والمناسبة للجزائريين من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية إلى ذيلها، تحت وطأة المخاوف الأمنية. الكثير من مسؤولي الوكالات السياحية التقتهم “النصر” قالوا بأن هذا الموسم مهدد بالفشل سياحيا، نظرا للتحديات الكثيرة التي تحاصره وقصر مدته الزمنية الممتدة بين الامتحانات المصيرية للأبناء ونتائجها وشهر رمضان ثم الدخول المدرسي والاجتماعي، ناهيك عن آثار وعواقب الثورات العربية، خاصة فيما يتعلق بالهاجس الأمني وارتفاع قيمة الأورو وبالتالي ارتفاع تكاليف السفر والاصطياف خارج الحدود بحوالي 20 إلى 30 % أحيانا، مقارنة بالمواسم الفارطة. وقد لاحظنا أثناء قيامنا بهذا الروبورتاج، بأن احدى أكبر وكالات الأسفار والسياحة بوسط المدينة أوصدت أبوابها وعلقت لافتة لعرض مقرها للكراء، في حين يقتصر نشاط العديد من الوكالات على بيع تذاكر السفر واستقبال بعض الفضوليين والرد المقتضب على أسئلتهم المتعلقة بالوضع الأمني بتونس ووضعية السياحة هناك في أوج موسم السياسة والانتخابات... معطيات تجعل الطلب على السياحة الداخلية في ربوع الوطن أكبر من العروض المتوفرة وتضع المشرفين على تسييرها في مأزق نظرا للنقص الفادح في المرافق والهياكل والتهاب الأسعار الذي لا يتناسب في الغالب مع نوعية الخدمات المتاحة وما بالك وهم ينتظرون العودة المكثفة للجزائريين المغتربين وبعض الأوروبيين الذين قد يضطرون لتغيير وجهتم التونسية الاعتيادية. ويمكن أن نستخلص بأن شبح قضاء أقصر موسم عطل دون سفر واصطياف يهدد الكثير من العائلات سواء التي كانت تقضي عطلها في تونس بأقل تكلفة وأكثر راحة وترفيه ورفاهية، أو باقي الفئات المتوسطة والفقيرة التي كانت تدخر طوال السنة للفوز بأيام على شاطئ مجاور. قالت مليكة، طبيبة في العقد الثالث من عمرها: «قررت وأفراد أسرتي الاكتفاء بقضاء عطل نهاية الأسبوع بأحد الشواطئ المجاورة ولو أننا متأكدين بانها ستكون مكتظة جدا هذا الموسم. وقد نضطر إلى إلغاء هذا الخيار اذا لم نجده مناسبا... لن نغامر بالذهاب إلى تونس حيث كنا نقضي شهرا كاملا كل صيف». وأسر إلينا محمد: "أنا موظف بسيط ورب أسرة متعددة الأفراد وبالتالي لن أستطيع إصطحاب أبنائي إلى مركب سياحي ببلادي لمدة يومين، تكلفته توازي قضاء أسبوع في تونس في العام الفارط لمن يتوجه إليها برا، هذه العطلة سنقضيها في البيت ربما سنتمكن من توفير بعض المال لقضاء رمضان مريح والتحضير للدخول المدرسي والإجتماعي بإذن الله". مهند ينعش السياحة التركية! قال مسؤول وكالة سياحية كانت متخصصة في تنظيم الرحلات إلى تونس: «المؤسف أن الإخوة في تونس حافظوا على نفس عروض الموسم السابق عندما كان كل شيء على ما يرام وسياحتهم في ذروة إزدهارها، وأرادوا تطبيقها هذا الموسم بزيادة تتراوح بين 20 و %30 بدل التفكير في التخفيض، مما ساهم في العزوف التام عن هذه الوجهة السياحية التي طفت عليها السياسة والمخاوف إننا نعاني في صمت من هذا الوضع ولا دخل لدينا إلا إذا بعنا بعض التذاكر المتعلقة برحلات داخلية وأخرى خارجية، أنا شخصيا أتوقع موسما فاشلا وربما ستغلق العديد من الوكالات أو تغير نشاطها فمن المستحيل تعويض الرحلات إلى تونس بأخرى مكلفة جدا و ليست في متناول إلا القلة القليلة من الجزائريين مثل تركيا واليونان، إنني أناشد المسؤولين عن قطاع السياحة في بلادنا أن يراجعوا حساباتهم...لا ينقصنا للإرتقاء بالسياحة الوطنية سوى بناء هياكل كثيرة ومناسبة توفر خدمات في المستوى مع فتح عدد كبير من معاهد السياحة والفندقة لتكوين مختصين الطبيعة حولنا ثرية ومتنوعة أروع من أغلب البلدان ولم نستغلها بعد وقد آن الأوان لتدارك إهمالنا لها!» وشرحت مسؤولة وكالة «بلازة» للأسفار: «لقد ساهمت المسلسلات التركية في الترويج للسياحة بهذا البلد، لكن من استطاع إليها سبيلا...فالتكاليف ليست في متناول إلا ميسوري الحال...ويكتفي الباقون بالسؤال والإستفسار لإرضاء الفضول. إن أسبوعا واحد يكلف أكثر من 10 ملايين سنتيم للشخص الواحد، مما جعل هذه الوجهة تستقطب فئة قليلة من العرسان والعائلات المحظوظة والمقتدرة، ووراء نسبة كبيرة من الرحلات إلى تركيا هذا الموسم نساء وفتيات يرغبن في مشاهدة «مهند» وأماكن تصوير مسلسلاتهن التركية المفضلة في حين تقلص الإقبال على المغرب كثيرا لأن التكاليف قريبة من تكاليف السفر إلى تركيا، ولا يوجد مهند هناك (تضحك) هذا الموسم راكد وجامد في ظل استبعاد وجهة تونس...» الترويج لسياحة المغامرات أسرت إلينا موظفة في وكالة «الرمال أطلس» بأن الحجز للإستمتاع بعطل في بلاد «نور ومهند» انطلق في بداية الربيع ولا يزال مستمرا...فخلال شهري مارس حجز عشرة أزواج وفي شهر ماي حجزت عائلة متكونة من 8 أفراد وأخرى من أربعة أفراد وتتوقع أن يرتفع قليلا الاقبال على هذه الوجهة رغم الزيادة المطردة في أسعار التذاكر واقتراب شهر رمضان، مشيرة الى عدم تسجيل أي تخفيض في التكلفة مقارنة بالموسم الماضي. وأضافت بأن الوجهة الثانية هذا الموسم التي يقصدها "الأثرياء" والمدخرون هي المغرب ولاحظت اقتراح برامج رحلات جد مغرية مليئة بالنشاطات لإرضاء مختلف الأذواق والرغبات والترويج أكثر فأكثر للسياحة فهناك مثلا وكالة سياحية مغربية بعرض رحلات ثقافية ورياضية مليئة بالمغامرات الى مراكش، المدينة الحمراء المرتفعة الحرارة صيفا التي توفر السياحة الجبلية الاستكشافية حيث يقترح المشرفون عليها ممارسة "اليوغا" وتسلق الجبال والسباحة وتعلم الطبخ التقليدي.. وتتساءل لماذا لا نستخلص الدروس والعبر كجزائريين ونلتفت للارتقاء بالسياحة الداخلية بدءا بتوفير الفنادق والمرافق؟ ! وأشار أحد مسؤولي وكالة نوميديا للأسفار والسياحة الى استرجاع مصر لجاذبيتها بالنسبة لبعض الجزائريين الذين حجزوا بالوكالة لقضاء عطلهم بشرم الشيخ رغم تكاليفها الباهظة. مشددا على مواصلة الفئات الميسورة والمحظوظة من القسنطينيين الحجز ليتوجهوا الى تركيا رغم ارتفاع أسعار التذاكر من 44 ألف الى 80 ألف دج خلال الشهر الجاري. وأضاف بأن الوكالة تسعى للترويج لنوع شبابي خاص من السياحة الداخلية حيث تعرض على الشبان الأوروبيين الذين تتراوح اعمارهم بين 20 و30 عاما الاستمتاع بما يعرف بسياحة المغامرة وهي لا تتطلب توفير فنادق ومركبات سياحية لأنها موجهة للباحثين عن غير المألوف من الرحلات لاستكشاف سحر الطبيعة والغابات والمغارات والجبال والسواحل.. حيث توفر لهم «نوميديا» رحلات على متن دراجات هوائية باتجاه بجاية وتيكجدة.