أولاد موسى و لقرين و النبكة علب سوداء استعصت على المستعمر الفرنسي بالأوراس لايزال يحفظ ويروي كل شبر من تراب الأوراس أسرار ثورة التحرير النوفمبرية، واليوم الفاتح نوفمبر من سنة 2017 وبمرور الذكرى الثالثة والستين، تبوح أماكنها بعدما كانت بمثابة علب سوداء احتضنت خبايا الثورة التي لم يتوصل إليها المستعمر الفرنسي، وتعكس في آن واحد مدى عظمة تلك الحركة المناهضة للاستعمار، وتعكس أماكن وقفت عليها النصر بمناسبة تخليد الثورة التحريرية المظفرة، مدى عظمة من هندس وخطط لها من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، على رأسهم أب الثورة التحريرية الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد، ومن هذه الأماكن التاريخية منزل عبد الله بن مسعودة الذي احتضن الاجتماع التاريخي لقادة الأوراس قبل انطلاق الثورة دون أن تتفطن لأمره القوات الفرنسية، ومنزل الإخوة بن شايبة بإشمول الذي وزعت منه أول الرصاصات التي أشعلت فتيلها، والمستشفى العسكري النبكة بأولاد جحيش ببيطام المنجز تحت الأرض. منزل الإخوة بن شايبة .. من هنا اندلعت شرارة الثورة يعد منزل الإخوة بن شايبة الواقع على سفوح جبال دشرة أولاد موسى ببلدية إشمول، التي تعني بالأمازيغية قرن القلب، المكان الذي انطلقت منه شرارة ثورة أول نوفمبر 1954 بعد أن التقى أب الثورة مصطفى بن بولعيد به لتوزيع السلاح والمهام على القادة من المجاهدين بناحية الأوراس، ومن ثم الانطلاق في عمليات عسكرية إيذانا بإشعال فتيل الثورة ضد المستعمر الفرنسي أعتى القوى الاستعمارية آنذاك .ومعلوم أن نجاح الثورة التحريرية يرجع إلى السرية في التحضير لها، وقد كانت دشرة أولاد موسى في عمق جبال الأوراس إحدى القلاع الحصينة لاحتضان الثورة، ويرجع مؤرخون وباحثون في التاريخ عدم تمكن الاستعمار من كشف الثورة قبل اندلاعها إلى عوامل أبرزها حنكة ودهاء المخطط لها ومهندسها الشهيد مصطفى بن بولعيد بالإضافة إلى حصانة منطقة الأوراس نظرا لطبيعتها الجغرافية ذات التضاريس الجبلية الوعرة. الزائر لمنزل الإخوة بن شايبة بأعالي جبال دشرة أولاد موسى ببلدية إشمول في عمق الأوراس، سيقف على منزل بسيط مشيد من الحجارة والطين وأعمدة خشبية يتكون من عدة غرف وبهو خارجي، يقع في سفح جبل بين أريس وإشمول، وعلى قدر بساطة هذا المنزل سيتساءل الزائر كيف يكون لهذا المكان دور حاسم في اندلاع أعظم الثورات في التاريخ المعاصر ضد الاستعمار الفرنسي والتي توجت باستقلال الجزائر كلها ، بعد حرب دامت سبع سنوات ونصف السنة. تؤكد إحدى شهادات أحد أصحاب المنزل وهو المجاهد عمار بن شايبة المدعو علي، الذي لا يزال على قيد الحياة والذي لم نتمكن من لقائه هذه المرة لدواعي صحية وتقدمه في السن، بأن مصطفى بن بولعيد لم يكن على علم باختيار المنزل قبل أيام عن موعد اندلاع الثورة ، بعد أن كان مقررا اختيار منزل أحد المناضلين الذين يشرف عليهم الطاهر النويشي الذي كان قائد منطقة بوعريف للالتقاء تحديدا بمنطقة تيغزة.وجاء في شهادة ذات المجاهد الذي كان فيما بعد قد نجا من حادثة انفجار المذياع التي استشهد على إثرها بن بولعيد، بأن الأخير كان دقيقا وحكيما في اختياره لمنطقة تيغزة كمكان لالتقاء المجاهدين، والذي أرجعه سي مصطفى كما كان ينادى عليه حسب شهادة المجاهد علي بن شايبة إلى موقعه، حيث ذكر لهم في لقاء حضره «المكان لا خوف فيه على المجاهدين والسلاح حتى وإن اكتشف العدو أمرهم لأن حينها سنكون يضيف مصطفى بن بولعيد سنبدأ الثورة وسط الجبال». وقد كان لرفض المناضل الذي اختير منزله بمنطقة تيغزة الواقع شمال غرب جبل إشمول، منعرجا مفاجئا حسب شهادة المجاهد علي بن شايبة بعد أن أبلغه بذلك الطاهر نويشي، فما كان منه إلا تبليغ قائده عاجل عجول لكون القائد مصطفى بن بولعيد قد توجه إلى العاصمة، وما كان منه أيضا وبعض المناضلين إلا ضرورة تدبر الأمر مضيفا بأن سرية التخطيط آنذاك وتعليمات مصطفى بن بولعيد بأخذ زمام المبادرة في الظروف الحالكة جعلتهم أمام خيارين الأول دار بعزي علي بن لخضر الذي يعد من المجاهدين الأوائل الملتحقين بالثورة وكان يملك منزلين، سخر أحدهما لجمع السلاح الذي كان يشتريه مصطفى بن بولعيد والمنزل الآخر لصناعة القنابل تحضيرا للثورة.وجاء في شهادة علي بن شايبة، بأن خيار منزلي بعزي لم يكن ملائما لكون الأول مكشوف والثاني لا يستطيع أن يستقبل العدد الكبير للمجاهدين الذين سينتشرون منه لإشعال الثورة، فوقع حسب المتحدث الخيار على الاختيار الثاني المتمثل في دار الإخوة بن شايبة بدشرة أولاد موسى في سرية تامة لقيت فيما بعد رضا وقبول مصطفى بن بولعيد بعد عودته من العاصمة، لتجاوز مأزق ضرورة تغيير مكان التقاء المجاهدين وتوزيع السلاح لتفجير الثورة دون تغيير موعدها المقرر في الفاتح نوفمبر.وسرد المجاهد علي بن شايبة في شهاداته عن انطلاق الثورة، أنه وبعد تخطي عقبة اختيار المنزل الذي سيلتقي فيه قادة أفواج المجاهدين لتوزيع السلاح عليهم من طرف بن بولعيد بحضور عاجل عجول و شيحاني بشير، و مدور عزوي أنه كان يتذكر التنظيم المحكم في التوزيع لدرجة أن لا أحد يدخل أو يخرج من المنزل إلا بإذن القائد مصطفى بن بولعيد الذي كلف أحمد نواورة بتنفيذ عملية الهجوم بأريس، وقرين بلقاسم باتنة ومروانة، وحسين برحايل ببسكرة، وعباس لغرور بخنشلة، والطاهر نويشي بعين لقصر.وتُجمع شهادات مجاهدين منهم صوالح محمود ممن شاركوا في عمليات الفاتح نوفمبر بأن قادة الأفواج وحدهم من كانوا يعلمون بموعد تفجير الثورة إلى غاية اللحظات الأخيرة التي علم بها باقي المجاهدين. منزل عبد الله بن مسعودة احتضن لقاء نسخ بيان أول نوفمبر من بين العوامل التي يُرجع المؤرخون والباحثون إليها نجاح الثورة التحريرية بمنطقة الأوراس، هو أن المنطقة ظلت عصية على المستعمر الفرنسي الذي نجح ومنذ سنة 1950، في ضرب المنظمة السرية الذراع العسكري للثورة عبر مختلف مناطق الوطن عدا منطقة الأوراس، حيث حافظ بن بولعيد على سرية الخلايا التي نصب خمسة منها في كل من أريس، لمدينة، إشمول، تيفرطاسين، والحجاج، وقد ذهب المناضل الطاهر عزوي وشقيق الشهيد مدور عزوي أحد رفاق بن بولعيد في التخطيط الثوري وجمع السلاح والمهتم بالتاريخ الثوري بالمنطقة في إحدى شهاداته بأن دهاء بن بولعيد في هندسته للثورة جنب تأخيرها لسنوات وربما لأجيال. ويؤكد الباحثون بأن الوصول إلى مرحلة اختيار دشرة أولاد موسى لإعلان الثورة، لم يكن إلا نتاجا للعمل السري الذي سبقه ومن بين أبرز المحطات الإعدادية للثورة كان اجتماع لقرين التاريخي الذي عقده مصطفى بن بولعيد بمنطقة أولاد فاضل بمنزل عبد الله بن مسعودة، وهو الاجتماع الذي ذهب باحثون خلال الملتقى الوطني الأول المنظم العام الماضي خلال إحياء ذكرى الاجتماع التاريخي إلى ضرورة إبرازه وإعطائه حقه التاريخي، خاصة وأنه كان محطة تنظيمية هامة للتحضير للثورة قبل أسبوع عن اندلاعها بعد التقاء مصطفى بن بولعيد بكل من شيحاني بشير، عباس لغرور، عاجل عجول، مصطفى بوستة، مسعود بلعقون، الصادق شبشوب، محمد خنطر، الطاهر غمراس (النويشي) وموسى حاجي، والشيخ كاتب الجلسة حسب ما تداولتها شهادات سعد حب الدين. ويذكر الباحث الأستاذ المحاضر بقسم التاريخ بجامعة باتنة 01 الدكتور محمد العيد مطمر، بأن اجتماع لقرين يعد محطة هامة في تاريخ الثورة التحريرية بعد أن جرى في سرية تامة تحت حراسة مشددة من مناضلي المنطقة، وعرض خلاله بيان أول نوفمبر وتم استنساخه باللغتين العربية والفرنسية، بالإضافة إلى تعيين المناطق وقادتها و توزيع السلاح والمهام و توجيه الأهداف الضاربة إلى أهدافها المحددة، وهو الاجتماع الذي أطلع فيه القائد مصطفى بن بولعيد قادة الأفواج تاريخ وتوقيت تفجير الثورة الذي حدد في ساعة الصفر من ليلة الفاتح نوفمبر 1954. مستشفى النبكة.. أنفاق ودهاليز أرضية دوّخت المستعمر الفرنسي من بين الأماكن التي لا تزال شاهدة على عظمة ثورة أول نوفمبر 54 بالأوراس وسريتها التي استعصى على المستعمر الفرنسي اختراقها، المستشفى العسكري النبكة المتواجد بمشتة أولاد جحيش ببلدية بيطام جنوب غربي ولاية باتنة على الحدود مع منطقة الحضنة، ومستشفى النبكة هو عبارة عن أنفاق ودهاليز حفرها وشقها مجاهدون بطريقة ذكية لا تخطر ببال أحد وسط مساحات شاسعة من الرمال التي تكسوها أغطية نباتية من الحلفاء والنباتات الصحراوية، التي تميز منطقة أولاد جحيش ببلدية بيطام، ورغم معرفة المستعمر فيما بعد بأمر المستشفى إلا أنه لم يتمكن من الوصول إليه وظل علبة سوداء تحوي سرا من أسرار الثورة. ومستشفى النبكة يصعب الوصول إليه اليوم،فالأمر يتطلب مركبات رباعية الدفع حسبما أكده لنا أبناء المنطقة بينهم أحمد رزيق الذي هو إمام المنطقة ومهتم بالتاريخ الثوري والذي أكد بأن المعلم لا يزال على حاله وقال لنا بأن المكان يتطلب دليلا يعرف المنطقة للوصول إليه، وأضاف بأن الوصول يتطلب اليوم سيارات رباعية الدفع فما بالك أثناء الثورة، حيث كان يلجأ إليه المجاهدون إلا بواسطة من يعرفه من إخوانهم فقط. وأشار لنا إمام المنطقة، إلى أن الكل يعرف أن المجاهد محمد عقوني هو من حفر تلك الأنفاق والدهاليز والذي لا يزال على قيد الحياة بعد أن تجاوز التسعين سنة من العمر، ويذكر محدثنا أن حفر الأنفاق كان بتنسيق من طرف المجاهد عبد القادر بوسماحة المدعو الوهراني، الذي كان وقتها مسؤولا عن التنظيم والاتصال بالمنطقة الرابعة للناحية الأولى وقد تولى المجاهد عقوني محمد عملية الحفر بمساعدة المجاهد يعقوبي الدراجي الذي تولى فيما بعد عملية الحراسة. ويذكر المجاهد عقوني محمد أن عملية الحفر لم تكن سهلة رغم أنه كان معتاد على حفر الآبار، وأكد في شهاداته بأن الشق الأصعب هو الكتمان والسرية في إنجاز النفق الذي تطلب منه حفر عدة ليالي قبل أن ينجح في إنجاز ما أوكل إليه من ثلاث غرف تحت الأرض تعلوها فتحة صغيرة في كل غرفة من أجل التهوية، ويتذكر المجاهد أنه قام بذلك بين سنتي 1955 و1956 ويذكر المجاهد عقوني أنه كان يقوم بعملية الحفر تحت الخيمة حتى لا يجلب الانتباه. ويعد مستشفى النبكة الذي هو بمثابة محطة عبور للمجاهدين لتلقي الإسعافات للجرحى منهم واحد من ثلاث مستشفيات وعدة دهاليز وأنفاق حفرت بالمنطقة لم يتبق منها إلا المستشفى الحالي المعروف والذي يعد أكبرها، والذي نحتت بداخله الأسرة والكراسي التي يجلس عليها المجاهدون الذين يدخلون عبر فتحة سرية تتم تغطيتها بلوحة خشبية تغطى بالرمل، وكان المجاهدون يدخلون ويخرجون عبرها من خلال خيم البدو الرحل التي يتم نصبها فوق المدخل، في حين تتم تغطية فتحات التهوية بالنباتات الشوكية فوق سطح الرمال. و لقد ظل مستشفى النبكة عصيا على المستعمر الفرنسي لاكتشافه بفضل السرية التامة في استغلاله، حتى أن مجاهدين حسب شهادات عارفين بالمنطقة كانوا يخضعون للعلاج بداخله، دون أن يعرفوا مكانه وهذا تطبيقا لأوامر قادة الثورة في الحفاظ على السرية حتى لا يتمكن المستعمر من الوصول إليه ولو في حالات الاستنطاق تحت التعذيب لمجاهدين قد يمرون بالمستشفى العسكري لجيش التحرير، الذي هو بحاجة اليوم حسب سكان المنطقة إلى معلم تذكاري يخلد المكان التاريخي للأجيال الصاعدة بالإضافة إلى إنجاز مسلك يتيح الوصول إليه. ياسين عبوبو فيرمة ليكا بباتنة مركز تعذيب شاهد على همجية المستعمر الفرنسي تعد مزرعة ليكا أو فيرما ليكا المتواجدة ببلدية جرمة بولاية باتنة، إحدى المعالم التاريخية التي لا تزال شاهدة إلى يومنا هذا بعد مرور 63 سنة على اندلاع الثورة التحريرية، على همجية المستعمر الفرنسي الذي اتخذ من المزرعة المنسوبة لاسم صاحبها المعمر ليكا، مركزا لتعذيب واستنطاق المجاهدين والمواطنين العزل آنذاك لكشف أسرار الثورة. مزرعة ليكا التي أخذت وزارة المجاهدين على عاتقها ترميمها، ينتاب زائرها اليوم شعور بوجود أرواح لا زالت تحوم بداخلها، كيف لا وهي التي تضم رفات شهداء قتلوا تحت طائلة مختلف أشكال التعذيب، وهي الرفات التي وإن ظلت شاهدة على همجية المستعمر فهي شاهدة أيضا في الوقت نفسه على تضحيات شهداء قدموا أنفسهم فداء لتحرير الوطن. و يستذكر مجاهدون كل مرة يتم فيها إحياء مناسبات الأعياد الوطنية بما فيها ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المتزامن والفاتح نوفمبر ما عايشوه من تعذيب وقهر داخل إسطبلات المزرعة وأقبيتها، من استنطاق لكشف أسرار الثورة، والمزرعة اليوم تم ترميمها بشكل كلي وحولتها مديرية المجاهدين إلى متحف يبرز أشكال التعذيب التي كان يتعرض لها المجاهدون بداخلها من كي بالنار وضرب وقطع لأطراف من الجسد واستنطاق بالماء والكهرباء، وهي صور تم تجسيدها على مجسمات دمى تصدر أصوات، وهو ما يبعث على الرعب، فالزائر لمتحف مركز التعذيب ليكا لا شك أنه سيسافر في الزمن إلى حقبة الاستعمار من خلال مشاهد التعذيب التي تحاكيها الأفلام السينمائية الثورية أو يحكيها لنا المجاهدون ممن عايشوها. مزرعة ليكا اتخذت شكلا هندسيا يشبه إلى حد ما السجن بعد أن وظفت من طرف الجنود الفرنسيين كمركز تعذيب، فالمزرعة مشيدة بالحجارة الصلبة المرصوصة ما لا يسمح باختراق جدرانها ناهيك عن غلق منافذ غرف وقاعات بالقضبان استغلت لحجز الجزائريين كمساجين، وتضم المزرعة ثلاث ساحات داخلية كلها تحت النظر والمراقبة من خلال غرفة مراقبة علوية وكان المستعمر يحشد أزيد من 300 سجين داخل بهو إسطبل للاستنطاق تحت طائلة التعذيب. فيرمة ليكا اليوم، هي شاهد على أبشع جرائم المستعمر الفرنسي فقد عثر بداخلها على رفات 124 شهيدا مترامية تحت التراب في مختلف أركان المزرعة، تم تحويلها نحو مقبرة الشهداء، وبداخل المزرعة تتواجد ثلاثة أضرحة تضم رفات 15 شهيدا ستظل شاهدا على جرائم ارتكبت في حق الجزائريين وبداخل محيط المزرعة يوجد أيضا بئر شاهد هو الآخر على بشاعة المستعمر الذي كان يرمي بالمجاهدين والفدائيين داخله. وتروي مزرعة ليكا فصولا من التاريخ الثوري فالمزرعة التي كانت لصاحبها ليكا الذي يستغلها في ممارسة مختلف الأنشطة الفلاحية من تربية للمواشي والأبقار، كان قد تعرض لطعنة خنجر من طرف الشهيد مسعودي العايب المنقوش اسمه على لوحة رخامية بالمزرعة وحسب شهادات مجاهدين بالمنطقة فإن الشهيد، كان قد دخل في خلاف مع المعمر ليكا بعد أن منعه من الرعي الأمر الذي جعله ينتقم منه بطعنه ثم التحق بالمجاهدين إلى أن استشهد في إحدى المعارك. ياسين عبوبو المجاهد بوطمين يؤرخ للواقعة التي شهدتها جبال باتنة «خنقة معاش».. أم المعارك التي أرهبت العدو بمنطقة «فم الطوب» على الحدود بين ولايتي باتنة و خنشلة، انطلقت "أم المعارك" في إحدى ليالي نوفمبر الثورة، بعدما خاضها مجموعة من المجاهدين البواسل ضد المستعمر، فكانت النتيجة قتل 300 من العساكر الفرنسيين و غنم أسلحتهم، لكن رد العدو كان بربريا فقد أحرق قرى المنطقة و قتل أزيد من ألفي شخص بينهم أطفال. و في مذكرات حصلت عليها النصر، ينقل المجاهد و المؤلف بوطمين جودي لخضر كاتب الولاية الثانية، معركة «خنقة معاش» قرب وادي اليابوس على الحدود بين ولايتي باتنة و خنشلة، حيث وقعت في التاسع من نوفمبر 1954، أي أياما قليلة بعد اندلاع الثورة التحريرية، و أسفرت عن قتل 300 جندي فرنسي و جرح أكثر من 150 عسكريا، مع غنم أسلحتهم. المعركة دامت ل 3 أيام كاملة، و أدت إلى استشهاد عدد قليل من المجاهدين و جرح قائد المعركة ناجي نجاوي الذي فقد عينه اليمنى، و كرد فعل انتقامي، لم يمر أسبوع على الواقعة، حتى قام المستعمر الغاشم بترحيل سكان دوار أشمول إلى أريس و دوفانة نحو المحتشد، بعدما أحرقت منازلهم، كما وقعت في هذه المنطقة 20 معركة و مسّ الموت و الترحيل قاطني بلديات فم الطوب، إينوغيسن، أريس، تيغانمين و إشمول أيضا. و في منطقة أولاد موسى، لا يزال النصب التذكاري يؤرخ لليوم لشهداء الحرية بين كبار و صغار، إذ يُبين اللوح أنهم من مواليد 1892 حتى 1899، و من 1931 إلى 1945، و العجيب في الأمر، يضيف المجاهد بوطمين في مذكراته، أن شهيدة عمرها 12 سنة كانت من بين الذين حاربوا ضد المستعمر، و هو ما اكتشفه من خلال زيارة قام بها للمنطقة في مارس 2012 رفقة مجموعة من المجاهدين. أما في دشرة أولاد موسى القريبة، أين انطلقت ثورة 1954، فتوجد لوحة رخامية تحمل أسماء 2400 شهيد ممن وقعوا في المعارك التي دارت ببلديات المنطقة، و غير بعيد من هنا، يوجد قبر البطل مصطفى بن بولعيد في بلدة "ديرا" أسفل ما يسمى بالجبل الأزرق قرب أريس. المجاهد بوطمين الذي كانت له أيضا مساهمات في الجرائد اليومية و من بينها النصر، أشار إلى منطقة نصب كمين في المنعرج الخطير الواقع قرب غسيرة و تحديدا في «تيغانمين»، حيث استهدف المجاهدون قافلة كانت متجهة نحو مدينة أريس، و كافح قرين بلقاسم لمدة من الزمن قبل أن يُستشهد. ياسمين.ب مجاهدون ومختصون في ندوة النصر خلافات عبد الرحمان غراس مع بوضياف أثرت على النظام بمنطقة قسنطينة أكد الباحث في التاريخ الدكتور علاوة عمارة أن الثورة الجزائرية اندلعت بتحضيرات متفاوتة على مستوى المناطق ما جعل الأهداف المسطرة في الشمال القسنطيني لا تتحقق بشكل كامل في البداية بسبب ضعف الإمكانيات، فيما اعتبر المجاهد علاوة بن زبوشي الكشافة الإسلامية أحد أدوات الثورة في توزيع بيان أول نوفمبر قبل أن يلتحق عناصر منها بالعمل المسلح، وقال أن جمع السلاح تم بمجهودات فردية، أما المجاهد بن يمينة الذي يعد من أبرز العناصر الطلابية من قسنطينة التي التحقت بجيش التحرير فقد قدم شهادات عن كيفية تسيير القياديين للثورة والاستعدادات التي سبقتها وتوقف عند بعض ملامح شخصية عبد الله بن طوبال وكيفية تعامله مع ظروف انطلاق الثورة وكيفية الخروج من حالة العزلة التي عاشتها مختلف المناطق . والتقى المجاهدان في ندوة نظمتها النصر بمقرها أمس الأول، في كون الثورة كانت تعتمد على نظام صارم يعاقب كل من يخرج عن نسقه، فيما ركز الدكتور عمارة على خلافات جعلت مجموعة قسنطينة مع باقي مجموعة ال 22 . أدار الندوة: سامي حباطي، لقمان قوادري المجاهد علاوة بن زبوشي يروي شهادته الكشافة حضرتنا للعمل الثوري من خلال لعبة الشرطي والسارق يروي المجاهد علاوة بن زبوشي ابن مدينة قسنطينة في هذه الشهادة حول الفاتح من نوفمبر 1954، بأنه بدأ العمل الثوري من فوج الكشافة الذي كان تابعا له على مستوى حي شاركو بسيدي مبروك السفلي، ليكلف عند اندلاع حرب التحرير بتوزيع المناشير وبيانات أول نوفمبر، قبل أن يلتحق بالجبل ويواصل القتال ضد الجيش الفرنسي إلى غاية طرد الاستعمار من الجزائر. المناشير كانت تُدس تحت الأبواب خلال الليل وأفاد عمي علاوة ضيف ندوة النصر، بأن بداية نشاطه كانت من خلال الكشافة، حيث كان عضوا نشيطا فيها ويتردد على مقرها الواقع بالقرب من النبع الطبيعي بحي شاركو بسيدي مبروك السفلي، وهو نفس المكان الذي كانت تقصده مجموعة من السياسيين المناضلين آنذاك أيضا من أبناء قسنطينة. وكلف عمي علاوة بأول عمل ثوري رفقة مجموعة من رفاقه بالكشافة، حيث كانت التعليمات تقضي بأن يقوموا بتوزيع المناشير وبيانات الفاتح من نوفمبر على أكبر قدر من المنازل بسيدي مبروك. وقال عمي علاوة "جميع بيانات أول نوفمبر وزعت خلال الليل، حيث قسمنا أنفسنا مع مجموعة من الرفاق إلى فرق صغيرة تكفلت كل منها بجزء من الحي، وكنت أنا من بين الذين كلفوا بتوزيع المناشير على المنازل الموجودة بحي سيدي مبروك العلوي الذي كنا نسميه حينها بفيلاج ليهود –تعني قرية اليهود- من خلال إلقاء المناشير داخل حديقة البيت أو بدسها من تحت الباب". ويضيف محدثنا بأن الأمر كان محفوفا بالمخاطر، حيث تم إلقاء القبض على أحد المشاركين فيه من فرقته، وقد اعترف تحت طائلة التعذيب، لتقوم شرطة الاستعمار بالقبض على عدد من عناصر المجموعة بعد ذلك من خلال مداهمة منازلهم خلال الليل. وأضاف نفس المصدر بأنه ما زال يتذكر إلى اليوم الرحلات التي كانت تنظمها الكشافة لصالح المنخرطين في صفوفها تحت قيادة علاوة قربوع ومسعود بوجريو، حيث كانوا يتنقلون إلى الجبال والمناطق الواقعة خارج المدينة قبل أن تحولها السلطات الفرنسية إلى مناطق محرمة، كما قال إنه ظل يفكر في نفسه دائما بأن لعبة "الشرطي والسارق" التي كانوا يلعبونها مع بعضهم في الخرجات المذكورة بعد ترديد الأناشيد، كانت نوعا من التدريب والتحضير للثورة، فضلا عن أن لها دلالات يمكن إسقاطها على مطاردة السلطات الاستعمارية لمناضلي الحركة الوطنية وسياسيي ما قبل الثورة الذين تعرضوا للمتابعات والنفي آنذاك، لذلك يقول عمي علاوة إنه يرى بأن للعبة المذكورة أبعادا أخرى من بينها خلق الوعي لدى الشباب الصغار. لكن المجاهد علاوة بن زبوشي نبه بأن الكشافة قد حُلت مع انطلاق الثورة، حيث نصت التعليمات على أن يكون الانضمام إلى العمل الثوري بشكل فردي فقط، واشترط على المنضمين الجدد من المنضوين سابقا تحت لواء أحزاب الحركة الوطنية واليساريين التخلي عن قبعاتهم السابقة لفائدة جبهة التحرير الوطني وجيشها فقط، في حين كان القتل مصير الآخرين الذين رفضوا الانضمام كأفراد، وهو ما عبر عنه محدثنا بالقول "إما التخلي عن الانتماء السابق أو يمرر السكين على رقبته"، موضحا بأن مجموعة من المذكورين سافرت إلى فرنسا بينما خضع آخرون للأمر، في حين قضت الثورة على مجموعة أخرى منهم. طريق إلى العمل تحول إلى رحلة للالتحاق بالجبل وعن التحاقه بالجبال يقول عمي علاوة بأنه كان ذات يوم متوجها للعمل في ورشة بناء كعادته، ليلتقي بشخص أخبره بأن الجيش الاستعماري ألقى القبض على شقيقه الأكبر منه، لكن الأخير فر من الشاحنة، في حين قام الجنود بحرق منزلهم العائلي، ليفر هو الآخر مباشرة إلى الجبال في نفس اليوم، حيث كانت منطقة جبل الوحش أول محطة توقف بها في مزرعة عائلة بوخلخال، قبل أن يواصل مسيره بعد ذلك. وقد أوضح بأنه ما زال يستذكر إلى اليوم نشاطه ما بين جبل الوحش إلى غاية منطقة قالمة، وعمليات حرق أشجار الفلين التي كان يستثمر فيها المستعمرون كما عمل بمنطقة القل وغيرها من مناطق الولاية الثانية التاريخية. كما قال محدثنا إن عملية جمع السلاح كانت تتم في بداية الثورة بشكل فردي، إذ يطلب المجاهدون من كل فرد يملك قطعة سلاح بتسليمها لهم، لكن العديد من المعنيين كانوا يفضلون الصعود للجبل ما داموا يملكون أسلحة، في حين أوضح بأن حي شاركو كان محاطا بالثكنات العسكرية الفرنسية، ما جعل الثوار يتواصلون مع مجموعة من المجندين التي كانت تزودهم بالخراطيش وبعض المواد اللوجيستيكية الأخرى كالأغطية وبعض المستلزمات الحربية. ويشير عمي علاوة إلى أنه ليس الوحيد الذي التحق بالجبال من عائلته، بل صعد شقيقاه أيضا، حيث سجن أحدهما بينما ظل الثاني يعمل مع الثورة في تمرير المؤونة والعتاد والسلاح ما بين الحدود إلى غاية أماكن تمركز المجاهدين عبر الولاية الثانية، ليستقر بعد ذلك في تونس حتى الاستقلال، في حين أوضح لنا بأن مدينة قسنطينة والولاية الثانية على العموم ساهمت بشكل كبير في إنجاح الثورة، كما أن العديد من قادة الثورة كانوا يترددون عليها ومنهم من استقر بها. واختتم محدثنا شهادته بالتأكيد على أنه ما زال إلى اليوم يشعر بالانبهار من عظمة الثورة الجزائرية وخصوصا من جانب التنظيم وتسيير الأفراد المشاركين فيها بالإضافة إلى تنظيم وصول الأسلحة والعتاد وتموينها. سامي حباطي الدكتور علاوة عمارة يؤكد في ندوة النصر المناطق الثورية لم تكن بنفس مستوى الاستعداد في أول نوفمبر أكد الدكتور علاوة عمارة أستاذ التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة بأن المناطق لم تكن على نفس القدر من الجاهزية والاستعداد للانطلاق في العمل الثوري يوم الأول من نوفمبر ما جعل الأهداف المسطرة لا تتحقق ببعض الجهات، وأشار إلى أن الانطلاقة نجحت بتوزيع المناشير والبيانات يوم الأول من نوفمبر رغم أن الخلافات المسجلة أدت إلى تفكك النظام فيها. وأفاد الدكتور علاوة عمارة، بأن الكثير من الهجومات التي شنها المجاهدون ليلة الأول من نوفمبر 1954 لم تحقق أهدافها بمنطقة الشمال القسنطيني، لكنها مع ذلك أعلنت عن قيام الثورة، مستدلا بالعملية التي قام بها المجاهدون على مستوى منطقة السمندو بمهاجمة مقر للدرك ومحاولتهم الاستيلاء على السلاح، لكنهم فشلوا في النهاية في الدخول إلى المخزن بعد أن أحدثوا ثقبا قطره ثلاثين سنتيمترا دون أن يتمكنوا من الولوج عبره إلى الداخل. وقال نفس المصدر في رده على سؤالنا حول الاختلاف المسجل بشأن تاريخ اندلاع الثورة، إن المناطق لم تكن على نفس القدر من الاستعداد، مشيرا إلى أن منطقة الأوراس كانت الأكثر جاهزية من ناحية التسلح والهيكلة، لأن تنظيم المنظمة الخاصة لم يتفكك على مستواها. لكن محدثنا نبه بأن الثورة سجلت حضورها بمدينة قسنطينة في الأول من نوفمبر بالمناشير التي تم توزيعها من طرف المجاهدين، مضيفا بأن تفكك النظام بالمدينة يعود إلى تأثير عبد الرحمن قراس الذي كان على خلاف مع محمد بوضياف ولم يدعى إلى اجتماع مجموعة 22، فيما دعي من كانوا تحت قيادته في المنظمة الخاصة بالمدينة. وقد تحدث الدكتور عن مجموعة من الهجمات التي وقعت بضواحي قسنطينة ليلة الأول من نوفمبر، من بينها قيام مناضلين اثنين من حزب الشعب بالاستيلاء على قطعة سلاح بالحروش بالصدفة في نفس التاريخ، ما منع المجاهدين من الاقتراب بعدما ظنوا بأن السلطات الاستعمارية اكتشفت أمرهم عندما رأوا الشرطة، إلا أن الصحافة الفرنسية سجلتها ضمن عمليات الثورة. وقال نفس المصدر إن هجوما وقع بالخروب أيضا، لكنها كانت قد ضمت حينها إلى منطقة الأوراس، حيث تعتبر الحادثة امتدادا للثورة التي اندلعت بالمنطقة المذكورة وليس بمنطقة قسنطينة، فيما أشار المعني إلى أن قيادة الثورة تخوفت من قيام انتفاضات صغيرة تتمكن بعد ذلك السلطات الاستعمارية من قمعها بسهولة ليفشل بشكل عام، ما دفع إلى اللجوء إلى الثورة الشاملة. وأضاف الباحث بأن قيادة الثورة في بدايتها كانت تضم الكثير من الأفواج في صفوفها لكنها لم تكن تُدمج إلا القلة منهم إلى خطوط القتال، بسبب مشكل ضعف التسليح، حيث لم تكن الأسلحة متوفرة، ما جعل القائمين عليها يرون بأنه من الأفضل على الراغبين في المشاركة المناضلة في مواقعهم في البداية، بما فيهم مجموعة قسنطينة التي فضلت العمل الفدائي في البداية، قبل الالتحاق بالجبال.