"الهدف" و"الملحق" كلمة السر الرياضيون والنصر .. علاقة وفاء لم تحطّمها رياح التغيير الاعلامي لم تكن التغييرات الكثيرة التي شهدتها الساحة الاعلامية الجزائرية كافية للتأثير على العلاقة المتميّزة التي تربط جريدة النصر بشريحة استثنائية من قرائها، والأمر يتعلق بالمولوعين بمتابعة مستجدات الشأن الرياضي المحلي عن كثب، خاصة جديد النوادي الكروية ومختلف البطولات، سيما في الأقسام السفلى، لأن هذه العلاقة تمتد جذورها إلى أعماق تاريخ المشهد الاعلامي في الجزائر، و «النصر» حجزت مكانة مرموقة في قلوب هذه الفئة، مما جعل العلاقة تبلغ درجة الوفاء، وتحافظ على كيانها لسنوات طويلة. ورغم أن الساحة الاعلامية في الجزائر انفتحت على الكثير من القنوات التلفزيونية، في وجود قنوات متخصصة في الشأن الرياضي، فضلا عن اليوميات الرياضية وكذا العديد من الصحف الإلكترونية والمواقع التي تركز نشاطها على المجال الكروي إلا أن جريدة النصر مازالت تحافظ على مكانتها لدى القراء المتتبعين للنشاطات الرياضية، وذلك بفعل استراتيجية العمل المنتهجة، والتي جاءت امتدادا لما كان معمولا به منذ تأسيس الجريدة، وهذا بضمان المتابعة المنتظمة لمختلف البطولات، من خلال «الملحق الرياضي» الذي يتم اعداده على مرتين في نهاية كل أسبوع، الأولى تخصص لتقديم المباريات، بينما ترتكز الثانية على استعراض النتائج ومخلّفات كل البطولات. هذا النظام في العمل كان بمثابة «عربون الثقة» الذي قدمته جريدة النصر للقراء المتتبعين للشأن الرياضي، وقد ظل ساري المفعول منذ سنوات طويلة، لأن «الملحق الرياضي» وطّد العلاقة أكثر بين الجريدة وقرائها منذ سنوات سبعينيات القرن الماضي، والاقبال على اقتناء «النصر» كان يبلغ الذروة يومي الخميس والسبت، مما أجبر مختلف طواقم التحرير التي تعاقبت على الجريدة على السير بنفس الإيقاع، والسعي لتحسين وتطوير مستوى الخدمات المقدمة للقراء، مع تسلّم جيل جديد من الصحافيين المتخصصين في الشأن الرياضي «المشعل» من «الأستاذة»، والعمل على ضمان الاستمرارية. إلى ذلك فإن الاهتمام الكبير الذي توليه مؤسسة «النصر» للشأن الرياضي كان قد تجلى في الجريدة الرياضية «الهدف» التي كانت أول جريدة متخصصة في المجال الرياضي ترى النور في الساحة الاعلامية الجزائرية، وهذا قبل فتح باب التعددية، وهذا موازاة مع التغطية المنتظمة واليومية لمختلف النشاطات، الأمر الذي ساهم في حفر مكانة لجريدة النصر في قلوب شريحة مميزة من القراء، لم تكن متغيرات المشهد الاعلامي كافية للتأثير عليها، وهذا كله بفضل اصرار طاقم الجريدة على مواصلة السير بنفس الاستراتيجية، وتخصيص عدد معتبر من الصفحات لتغطية النشاطات الرياضية، مع فسح المجال لممثلي الأندية وحتى الأنصار لإيصال انشغالاتهم، خاصة ما يتعلق بالفرق الصغيرة، والتي تجد من صفحات النصر منفذا للخروج من دائرة الظل، لأن التركيز في التغطية الأسبوعية يبقى منتظما على جميع البطولات، مع توسيع مجال التغطية إلى كل شبر من الجزائر العميقة. ولعل ما يزيد في توطيد العلاقة أكثر بين «النصر» وقرائها من المتتبعين للشأن الرياضي، الثقة التي يضعونها في الجريدة، إلى درجة أن السواد الأعظم منهم أصبحوا يتخذونها مرجعا للتأكد من مدى صحة المعلومات المتداولة، رغم تعدد الساحة الاعلامية الوطنية، هذا فضلا عن لجوء الكثير من الأوفياء إلى الاستدلال دوما بقصاصات جريدة النصر لعقود سابقة من الزمن، عندما يتعلق الأمر بشؤون تعود إلى الماضي البعيد، وما فعله بعض أنصار وفاق سطيف مؤخرا عقب تأهل فريقهم إلى المربع الذهبي لدوري أبطال إفريقيا إلا أبسط دليل على ذلك، وذلك بالحفر في أعماق تاريخ الاعلام الجزائري، والعودة إلى جريدة النصر لسنة 1988 لاسترجاع ذكريات التتويج بأول لقب إفريقي. صالح فرطاس نافذة و منصات للثقافة احتفظت الثقافة بموقع متميزّ في جريدة النصر طيلة تاريخها، و يمكن الجزم أنّ حقبة ثقافية طويلة متعاقبة ومتتالية شهدتها و واكبتها الجريدة عبر صفحاتها الثقافية اليوميّة. قبل أن تؤسس ملحقها الثقافي الأسبوعي «كراس الثقافة» منذ أكثر من 18 سنة، والّذي التفت حوله مواهب كثيرة وكُتاب. كانت الجريدة بملحقها، كاشفة وحاضنة وراعية للمواهب، تتبع مسارهم ونصوصهم، كانت بمثابة مدرسة تخرجت من صفحاتها الكثير من الأسماء الأدبية، أسماء صار لها صيتها وحضورها في المشهد الأدبي الجزائري والعربي. «كراس الثقافة» مع الأعوام والاجتهادات انتشر صيته واستقطب الكثير من الكُتاب في الجزائر وحتى من خارج الجزائر. وحاول في كلّ أعداده تقديم وجبات ثقافية وأدبية تليق بالثقافة والهم الثقافي وبعائلة المثقفين. كما حاول من خلال أعداده طرح إشكالات ثقافية وفكرية وفلسفية واجتماعية وفنية كثيرة مع أهل الشأن والاختصاص. وانفتحت الصفحات الثقافية للنصر على تجارب عربية كثيرة، سواء بالنسبة للكتاب الذين عاشوا في الجزائر أو حتى بعض العرب الذين فتحت لهم الجريدة مساحات في ملحقها الثقافي الأسبوعي «كراس الثقافة»، وهذا من خلال حوارات معهم أو مقالات ساهموا من خلالها في ملفات كبيرة وشائكة وراهنية من ملفات الملحق الذي دأب على فتحها مع نخبة من الكتاب والكاتبات من الجزائر ومن مختلف الدول العربية، ما أعطى صيتا واسعا للملحق، الذي تخطى حدود المحلية إلى جغرافيات عربية، فأصبح معروفا لدى عائلة الكتاب العرب. أسماءٌ كبيرة وكثيرة مرت وعبرت من دروب النصر، ومن صفحاتها الثقافية وصفحات ملحقها الثقافي، بينهم الشاعر أحمد أزقاغ، كاتب ياسين، الطاهر وطار، رشيد بوجدرة، مرزاق بقطاش، زهور ونيسي، جيلالي خلاص، الأخضر السائحي، رشيد ميموني، واسيني الأعرج. والشاعر جمال عمراني الذي تقلد منصب مدير عام الجريدة لفترة قصيرة. ومالك حداد الذي اشتغل في النصر وأشرف على قسمها الثقافي، يمكن التأكيد أيضا أنّ النصر لم تنفتح فقط على المشهد الجزائري ككلّ، والعربي، بل انفتحت على كثير من الأدب الغربي وهذا من خلال ترجمات بعض حوارات الكتاب المشهورين ونصوصهم، وهذا ما يجسد انفتاح الجريدة على كلّ ثقافات وآداب العالم وليس فقط على ثقافة وآداب الجزائر. أجيال أدبية كثيرة، تعاقبت على صفحاتها وملحقها. أيضا كانت النصر من خلال ملحقها الثقافي «كراس الثقافة» أوّل جريدة في الجزائر تنشر نصوص ومقالاته الكُتاب بصورهم الشخصية. الجريدة لها طابعها المميز وهو الطابع الخبري، وصفحاتها خبرية بالدرجة الأولى، لكن الثقافة الوطنية على وجه الخصوص، ظلت حاضرة وتنتزع موقعا لها مع كلّ عدد جديد وبشكلٍ يوميّ على حساب المادة الخبرية أحيانا. فطابعها الخبري لم يمنع أن تُعنى بالشأن الثقافي وأن تنصر للثقافيّ والأدبيّ في صفحاتها. طابعها الخبري لم يلغ المساحات التي تقتطعها من الحيز الخبريّ. وظل الملحق ابن إصراره، ابن البقاء الّذي على قيد الطموح. ابن الفن والأدب والسينما. ابن المتاحف والمكاتب والكتب والمكتبات والمعارض وكلّ أنواع الفنون. ابن الفعاليات والروايات ومختلف أنواع الكتابة. لهذا قاوم واستمر بكلّ هذا الزخم من الحضور المتجدّد، ولهذا ظلّ محط أنظار وانتظار من أهل الفكر والأدب والنقد والفن والثقافة. كما ظلّ نافذة للمثقفين والكُتاب وللثقافة الوطنية. نوّارة لحرش كانت مرفوقة ببرنامج تكوين متواصل سياسة تشبيب تبعث نفسا جديدا في الجريدة راهنت النصر على الصحفيين الشباب لكسر النمطية في الإعلام العمومي ومواكبة التطورات الحاصلة في المجتمع وعالم التكنولوجيا، فجاءت الوثبة تحت توقيع جيل جديد استند على خبرة من سبقوه. الرهان على صحفيين تنقصهم الخبرة كان يعد بمثابة المغامرة في نظر البعض ، سيما وأن التحاق الشباب بالجريدة تزامن وفراغ خلفه خروج الكثير من الأسماء للتقاعد ، ما جعلهم يتحولون إلى عصب التحرير في فترة تعيش فيها الصحافة المكتوبة تقلبات ابتلعت عدة عناوين. سياسة التشبيب جاءت ضمن سياق حمل معه الكثير من التغيرات ، بدءا من كسر مفهوم الصحافة بصورتها التقليدية ، إلى دخول وسائط جديدة أفرزت ما يسمى بصحافة المواطن، زيادة على أزمة اقتصادية تتطلب القدرة على التكيف و التميز ، وهنا خاضت النصر المعركة بأقلام يحركها الحماس والإصرار وطول النفس، عناصر ساعدت على ميلاد نصر جديد، ينطق بلغة مجتمع اليوم ، لأنه قادر على فهمه وتحسس هموم أفراده. بخطى واثقة حفرت الأسماء الجديدة حضورها بتحقيقات و ريبورتاجات وملفات وصفحات خاصة أبانت عن احترافية كبيرة وقدرة الشباب على النجاح في حال أتيحت له الفرصة والإطار المناسبين، فبدأت توقيعات جديدة تفرض نفسها في المشهد الإعلامي وتبين عن قدرات تؤكد أن الصحفي الناجح مسار يحتاج إلى مرافقة وتكوين وتقييم، وأن الصدف والمحسوبية قد تمنح المنصب لكنها لا تضمن النجاح ، فمن حب المهنة يبدأ التحدي وبالمثابرة يكون الاستمرار . في ظرف قصير تغيرت التركيبة البشرية في طاقم التحرير وأصبح عدد الشباب يشكل الأغلبية بنسبة تتعدى ثمانين بالمئة، في منعرج جلب معه الكثير، ويكفي تصفح جريدة النصر كي يتأكد القارئ أن النصر انتقلت إلى سرعة أخرى لا يمكن أن يواكبها سوى الشباب بطموحهم وحماسهم وقدرتهم على المنافسة والتطور. وقد ساهمت سياسة التكوين التي انتهجتها النصر في صقل الموهبة الإعلامية لدى الملتحقين الجدد من الصحفيين، وتجاوز نقائص التكوين الجامعي التي طالما كانت محل انتقاد من ناشرين و مهنيين، ففي ظرف وجيز يتحول ذلك الطالب المتردد المتخوف من تعقيدات المهنة إلى صحفي ناجح و جريء يلاحق الخبر حيثما كان ويتقصى الحقائق بحس الصحفي المحترف ، وتدريجيا يخط لنفسه اسما دون أن يخترق أخلاقيات المهنة وما تتطلبه من دقة وحيادية ونزاهة، ليقدم إضافة عنوانها الاجتهاد . وإذا كان الجيل الجديد من الصحفيين قد احتل مكانة مستحقة في يومية النصر فهذا لا يعني أنهم قد أزاحوا من سبقوهم، لأن نجاحهم كان يستند على خبرة نهلوا منها بالاحتكاك والتأطير والتكوين الميداني، فمنذ أول يوم يلتحق فيه المتخرج من الجامعة بالمؤسسة يجد نفسه ضمن فريق متكامل يؤمن بالعمل الجماعي وبأن الرسالة الإعلامية لا تكتمل إلا بانصهار الأجيال و تلاقي الأفكار على اختلافها ، وهو ما يصنع خصوصية النصر وقدرة صحفييها على التميز والتجدد.