مراسيم التطويب رسالة بأن دماء الرهبان امتزجت بدماء الأئمة الجزائريين كشف أسقف أبرشية وهران جون بول فيسكو مساء أول أمس السبت، عن جوانب من التحضيرات لاحتفالية تطويب الرهبان 19 الذين اغتالهم الإرهاب في الجزائر خلال العشرية الدموية، منوها في كلمته بأهمية المصالحة الوطنية التي جاء بها رئيس الجمهورية والتي سمحت بتجاوز الأزمة، و شدد الأسقف على أن الرسالة التي سيتلقاها العالم بأن دماء الرهبان المسيحيين امتزجت بدماء الأئمة والشعب الجزائري المسلم، وهذا ما يعكس بقوة أسمى معاني العيش معا والأخوة والتسامح الموجودة في هذا البلد، ولعل أحسن مثال ، مثلما قال، هو حادثة اغتيال الأسقف السابق لأبرشية وهران بيار كلافيري جنبا إلى جنب مع الشاب محمد بوشيخي. تطرق أسقف أبرشية وهران جون بول فيسكو مساء أول أمس، في لقاء توضيحي لمعاني ومفاهيم التطويب و أهمية إقامته في الجزائر، لبعض التحديات التي بدأت تطفو على السطح قبل شهر عن الاحتفالية المنتظر إحياؤها يوم 8 ديسمبر المقبل، و لخصها الأسقف في محورين أساسيين، الأول داخلي و الثاني خارجي. التحدي الأول يتعلق بالعمل على توضيح بأن تطويب الرهبان في الجزائر، هو عامل لإبراز الروابط التي تجمع الكنيسة بالمجتمع الجزائري، بدليل أن الرهبان فضلوا الموت في الجزائر مع الجزائريين، عوض الفرار في وقت الأزمة، وهي ذات الروابط المتواصلة حاليا في زمن الأمن، وفق المتحدث، الذي أشار بأن التطويب يتم لأول مرة في بلد ليس له تقاليد الممارسة المسيحية، وهذا ما يجعل البعض يلجأ للتأويلات التي يتم تبديدها عن طريق التأكيد على قوة الروابط المبنية على التسامح والعيش المشترك و ابتعادها عن أي اختلالات مهما كان نوعها. و أوضح الأسقف أنه في إطار التحضيرات دائما، كان له لقاءات متكررة مع وزير الشؤون الدينية والأوقاف لتنسيق العمل وتقريب الرؤى. وعرج الأسقف فيسكو على التحدي الثاني والذي قال أنه موجود في الضفة المقابلة من المتوسط، ويتعلق بالاعتقاد أن التطويب سيبرز 19 مسيحيا تم اغتيالهم من طرف مسلمين، ولكن في الحقيقة أنهم 19 راهبا تم اغتيالهم إلى جانب عشرات الأئمة المسلمين و مئات الجزائريين المسلمين، وبالتالي فالإرهاب لم يكن يقوم بجرائمه على أساس المعتقد الديني، فقد اغتال الرهبان مثلما اغتال الإطارات والمثقفين الجزائريين أو غيرها من الأسباب، التي تجعلهم جميعا ضحايا المأساة. وأرجع التأويلات التي ظهرت مؤخرا من عدة أطراف، إلى سوء فهم معاني التطويب، الذي لا يمنح للراهب على أساس القيم الإنسانية التي يحملها كشخص، ولكن على عدة أسس وأبرزها مواقفه الراقية لخدمة الإنسانية و البلاد و القضايا التي يتعايش معها، فالرهبان 19 الذين سيتم تطويبهم بوهران، رفضوا مغادرة الجزائر في زمن الأزمة الأمنية و واصلوا تصديهم للإرهاب وحبهم للبلاد وخدمتهم للناس، وسقطوا برصاص الغدر مثلهم مثل الجزائريين، وهذا ما يرفع قدرهم وشأنهم وفق تقاليد الكنيسة إلى مصاف السعداء. و أضاف أنه من بين هذه التقاليد أن يتم التطويب بعد عقود من موت الراهب، لما تتطلبه العملية من دراسة ملفات و اجتماع خبراء و جمع شهادات وغيرها من الإجراءات التي تتعاقب عليها أجيال، ولكن في الجزائر تعد العملية استثنائية، لأنها ستكون بعد 20 سنة من الاغتيال وهو وقت قصير، لكن التسهيلات التي وفرتها السلطات الجزائرية، ساهمت في تسريع عملية التحقيق و جمع المعلومات وغيرها من الأمور. وعن المراسيم التي ستقام يوم 8 ديسمبر في كنيسة العذراء بسانتاكروز في وهران، أفاد الأسقف فيسكو أنها تطرح أيضا صعوبات لاستقبال الوفود من مختلف دول العالم ومئات الإعلاميين الذين سيرافقون الحدث، و الأبرز هو أن التقاليد تستدعي حضور عائلة الفقيد بكل أجيالها الذين هم على قيد الحياة، وهنا أوضح أنه بالنسبة لراهب واحد فقط يوجد 250 فردا من عائلته، مما استدعى تقليص العدد إلى 10أفراد فقط، وهذا لم يكن سهلا أيضا، وختم الأسقف مداخلته بأنه سيصر على قراءة رسالة الشهيد الشاب محمد بوشيخي التي كتبها أياما قبل اغتياله، رفقة الأسقف كلافيري الذي كان معه في السيارة و هما قادمان من مطار وهران. للتذكير، فإن احتفالية التطويب ستتزامن والذكرى الأولى لموافقة وتبني 193 دولة في الأممالمتحدة لمبادرة الجزائر «العيش معا بسلام».