بلغت درجة النضج و لن أقبل بدور صغير في سكاتش تافه أو مسلسل لا معنى له قال الفنان حميد قوري مجسد شخصية " عيسى الجرموني " في مسلسل " دوار الشاوية" و صاحب العديد من الأدوار التاريخية التي تميز بها في كل من المسرح و التلفزيون أن سر اختفائه عن الشاشة بعد مسلسل "دوار الشاوية" الذي قام بكتابة سيناريو له هو تدني مستوى التلفزة ، وأنه كان يجب إعلان الحداد بسبب الأعمال السيئة التي عرضت هذه السنة فيه، كما كشف في هذا الحوار للنصر عن العديد من مشاريعه التلفزيونية و المسرحية. -أين اختفى الفنان حميد قوري بعد مسلسل " دوار الشاوية " ؟ -في الواقع أنا لم اختفي لأنني مازلت أعمل بغزارة في المسرح، ذلك الفضاء الرائع و الدافئ الذي يحتضن في كل مرة الفنانين الجزائريين بعد كل خيبة أمل تصيبهم في التلفزيون. و مازالت أؤكد وجودي الفني من خلال المزيد من الأدوار التاريخية الجميلة، فقد أنهيت مؤخرا مسرحية جديدة جسدت فيها شخصية لسان الدين ابن الخطيب مع المسرح الجهوي لمدينة تيزي وزو، و التي تضمنت 42 ممثلا من بينهم العديد من الراقصين و صنفت حسب النقاد من أحسن الأعمال المسرحية التي عرضت في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة العربية . -جسدت أيضا بنجاح شخصية الحرّاز الشهيرة في مسرحية أخرى ما سر إصرارك على الأدوار التاريخية؟ -الشخصيات التاريخية تدعونا لنعيش في أزمنة رائعة و تضيف الكثير للفنان لأن تجسيدها مسؤولية كبيرة، بطبيعتي أنا جد انتقائي وهدفي هو التميز في أدواري و مع التقدم في العمر و التجربة الحياتية و الفنية أزداد صعوبة في الاختيار، لأن أي فنان يحترم نفسه لا يمكنه أن يجازف بالظهور في أعمال دون مستواه و مستوى مسيرته الفنية لأنه بذلك سيهين نفسه كثيرا. أبحث عن الأفضل لأنني وصلت إلى درجة من النضج الفني الذي يمنعني من التقهقر أو العودة إلى الوراء ، فلا يمكنني في هذه المرحلة أن أقبل بلعب دور صغير في سكاتش تافه أو مسلسل لا معنى له. - من الكتابة الدرامية إلى التمثيل و الإخراج أنتجت خلالها الكثير من الأعمال المسرحية و المونولوجات الناجحة، حدثنا عن عملك الأخير"وان مان شو" " أوه نساء" الذي لاقى نجاحا كبيرا و أشادت به العديد من وسائل الإعلام. -وان مان شو " أوه النساء" ، هو عمل اجتماعي يروي مأساة جيل كان يظن أن الحياة في الجزائر أصبحت وردية و لكنه يصاب بخيبة أمل كبيرة لأن الأمور ليست كما كان يتوقع ، قصة العمل من تأليفي و تشبه في بعض تفاصيلها حكاية " بينولوب و إيليس" الأسطورية إذ نجد أن الشخصية الأساسية هي رجل يبحث عن حنان زوجته الغارقة بين حلقات المسلسلات التركية و مأساة ابنته التي تصاب بخيبة أمل عاطفية فتقرر أن تتبع المذهب الشيعي و تتصوف. هذا العمل جال العديد من المسارح الوطنية و الأوربية و لاقى إعجابا كبيرا فيها . -تتناول في كتاباتك المسرحية و الدرامية العديد من المواضيع الاجتماعية بطريقة فلسفية و فكرية، لماذا هذا الاختيار و هل لديك المزيد من المشاريع المسرحية الاجتماعية ؟ - أكتب واقعي و لكن بطريقة فكرية تضع بين النص و الحياة الواقعية مسافة كافية تسمح لي بتحليل المشاكل اليومية بطريقة أكثر موضوعية ، و هذا ما حاولت فعله من خلال مونولوجي الجديد" ليلة الهبال" ، الذي سأبدأ العمل عليه قريبا مع مسرح أم البواقي ليكون جاهزا خلال شهر إنشاء الله، و تروي قصته حياة متشرد يبحث عن شيء يأكله في النفايات و المزابل ، فتشتبه الشرطة في كونه شخصا خطيرا فتقوم باعتقاله، حيث يتم التأكد من براءته و يطلقون سراحه دون أن يخبروه عن السبب ، فيغضب و يبدأ بالصراخ و سرد حياته و خيباته الماضية. اعتمدت في كتابة هذا النص على الفكر التحليلي المنطقي الذي غالبا ما نجده لدى المفكرين و المسرحيين الأوربيين الذين أتابعهم بشغف، محاولا تجاوز الكثير من الحواجز التي تفرض في الجزائر على المثقفين . لأن الفن و الإبداع هو ديمقراطية حرة قبل كل شيء ، فلا يمكننا مثلا أن نطلب من الكاتب رشيد بوجدرة التوقف عن الكتابة عن الجنس لأنه مازال "طابو" و على الذين لا يحبونه أن يتوقفوا عن قراءة كتبه . - تطرح كتاباتك تساؤلات وجودية و أخلاقية متجاوزة المشاكل الإجتماعية اليومية كأزمة السكن والبطالة. - بالفعل، أنا لا أتردد في نصوصي في انتقاد المجتمع برؤية مباشرة قاسية في الكثير من الأحيان تزلزل الجمهور لأنها تفضح نفاق المجتمع، و تنبههم في نفس الوقت لبعض المسائل الأخلاقية المهمة ، أما مشاكل السكن و البطالة فأفضل تركها لنشرات الأخبار التلفزيونية و الأخبار الجهوية في الصحف و الإذاعات.أبجديات الفن خاطئة بالنسبة لنا هي التي تجعل هذه المواضيع صلب الأعمال الإجتماعية التي تتناولها بسطحية تفقدها جوهرها. المسرح أدب قبل كل شيء هو غوص في عمق الذات البشرية ، و هذا ما يجعل الجمهور الذي تعود على الرداءة لسنوات يتفاجأ من الأعمال الجميلة و قد لمست هذا الانبهار في الكثير من عروضي . -يعود الكثير من الفنانين الجزائريين بعد أن يشتهروا في التلفزيون و السينما في بعض الأحيان إلى المسرح ، هل تعتقد أن هذا بسبب وفائهم للخشبة أم لوجود شيء مميز في المسرح الجزائري ؟ -هذا شيء طبيعي ، فكل الفنانين في العالم يعودون للوقوف مرة أخرى على خشبة المسرح مهما بلغت شهرتهم ، و لكن الوضع مختلف هنا ، لأن المسرح الجزائري مدرسة لا يمكن تجاوزها بالنسبة للفنان ، لأنه يملك حرية كبيرة بالمقارنة مع قطاع السمعي البصري، الذي يعد تحريره اليوم حدثا كبيرا انتظره الجميع . -هل سنراك قريبا على شاشة التلفزيون في عمل جديد ؟ -أتمنى ذلك، فقد أنتجت منذ سنتين فيلما سينمائيا بعنوان ثمن الحرية الذي لم يرى النور بعد ، ولدي مشروع مسلسل جديد بعنوان " الخرباش و الموناليزا" ، يروي حياة فنان أضاع طريقه و أختلط لديه عالم الواقع و الصور الجميلة التي تجول في رأسه . و لكن إنتاج هذا العمل لا يتعلق فقط بي بل بالكثير من الأشياء في التلفزيون الجزائري ، الذي عودنا كل سنة على نفس الرداءة و نفس الوجوه التي تحتكر الشاشة و تقدم أشياء في غاية التفاهة. و السؤال من هم هؤلاء حتى يحكموا على ذوق شعب بكامله بالدمار من خلال الرداءة التي يقدمونها. وقد كان على القائمين عليه من وجهة نظري إعلان الحداد عن الأعمال التي قدموها هذه السنة.