“ربط جيل اليوم بتاريخه أمر صعب” مبروك فروجي ممثل مسرحي محترف، بالمسرح الجهوي لباتنة، شارك في مجموعة من الأعمال المسرحية تمثيلا وإخراجا، كما خاض عدة تجارب تلفزيونية مثل مسلسل دوار الشاوية للمخرجة جميلة عراس، وأخرى سينمائية كفيلم مصطفى بن بولعيد للمخرج أحمد راشدي. في هذا الحوار يتحدث الممثل عن سبب قلة الأعمال التاريخية المخلدة لأبطال الجزائر مركزا على تجربته في فيلم بن بولعيد، وعن آخر أعماله المسرحية: حاوره: نورالدين برقادي الأعمال المخلّدة لأبطال الجزائر قليلة (مسلسل الشيخ بوعمامة، مسلسل لالة فاطمة نسومر، مسلسل عيسات ايدير، فيلم ومسلسل مصطفى بن بولعيد..)، ماهي أسباب ذلك ؟ في البداية، أرحب بجريدة النصر وبقرائها الأفاضل، الإجابة على هذا السؤال حسب رأيي تحتاج إلى مساحة أكبر وأوسع، وتحتاج أيضا إلى باقة متنوعة من رجالات الفن والثقافة: مخرجين، ممثلين، مؤرخين.. الخ. وبصفة عامة، أرى أن نقص الأعمال الفنية المخلدة لأبطال الجزائر راجع أساسا إلى سببين أساسيين: أولا: إلى نقص الأبحاث التاريخية حول الشخصيات البطولية، وهذه الأبحاث هي التي تساعد على كتابة سيناريوهات قوية، قابلة للإخراج السينمائي، أضف إلى ذلك الغموض الذي يحيط بالحقائق التاريخية الخاصة بهم، والتي تجعل العمل في هذا الاتجاه مجازفة في بعض الأحيان، بالنظر إلى التركيبة الاجتماعية الجزائرية من ذهنية واتجاه فكري.. الخ. أما السبب الثاني، فهو مادي، إذ لا يمكن لاثنان أن يختلفا حول أسباب تقهقر السينما الجزائرية في السنوات الأخيرة؛ حيث ولى عصرها الذهبي لعوامل يعرفها العام والخاص، وعلى رأسها الاحتكار. أظن أنه حان الوقت ليتحرر هذا القطاع ويأخذ شكله الطبيعي إنتاجا وتوزيعا، بمعنى آخر يبقى دور الدولة المراقبة، خاصة مراقبة الأعمال التاريخية وفتح المجال للخواص. أديت دور المجاهد المرحوم الحاج لخضر في فيلم مصطفى بن بولعيد، كيف تقيّم تجربتك في هذا الفيلم ؟ تجربتي في دور المرحوم العقيد الحاج لخضر لم تكن مقتصرة على فيلم مصطفى بن بولعيد فقط، بل أديت نفس الدور في شريط وثائقي أخرجه الأستاذ أحمد راشدي، بعنوان: «نقطة نهاية نوفمبر1954»، وهو شريط يؤرخ لمختلف التحضيرات التي سبقت أول نوفمبر 1954، والعمليات التي نفذت ليلة نفس التاريخ على الساعة الصفر في كامل ربوع الوطن. وبالنسبة لتجربة من هذا النوع، فهي فرصة يتمناها أي ممثل، فقد تعلمت الكثير مع الأستاذ أحمد راشدي في ميدان السنيما وأدركت الفرق الشاسع بينها وبين التليفزيون، كما أدركت أيضا أهمية الصورة وما مدى تأثيرها على المتلقي، وتأثرت كثيرا بالجمهور المتعطش لمثل هذه الأعمال التي تحيي فيه اعتزازه بالانتماء لهذا الوطن الغالي والثري بتاريخه الحافل بالأمجاد والبطولات. تستعد لإخراج مسرحية ناطقة بالأمازيغية لعرضها في الطبعة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي الذي سيقام شهر ديسمبر القادم بمدينة باتنة، حدثنا عن موضوع العمل ؟ موضوع العمل هو سيناريو للفنان الراقي جيمي، وباختصار هو رؤية من زاوية اجتماعية للهوية الأمازيغية، بعيدا كل البعد عن السياسة وما تحتويه من تناقضات حول هذه المسألة بالذات. العمل من إنتاج جمعية شروق الثقافية التي يترأسها الأستاذ طارق ثابت وأعدكم بالمزيد حول هذا الموضوع بعد الانتهاء من انجازه. شعبية الفن الرابع تراجعت اليوم، مقارنة بفترة الستينيات والسبعينيات، هل يمكن أن ينجح المسرح في ظل غياب المسرح المدرسي ؟ نعم، من بين أسباب تراجع شعبية الفن الرابع؛ غياب المسرح المدرسي في السنوات الأخيرة؛ حيث أصبح دور النشاط الثقافي في المدارس الجزائرية مقتصرا على المناسبات لا غير. وقد يتساءل القارئ الكريم عن علاقة المسرح المدرسي بشعبية الفن الرابع، فأنا أرى أن المسرح المدرسي هو خزان الفرق المسرحية الهاوية والمحترفة هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فالمسرح المدرسي هو من يغرس تقاليد متابعة العرض المسرحي في الناشئة، وأنا اعتبر نفسي خريج المسرح المدرسي، لأن بداياتي الفنية كانت في المدرسة. بعد قصور دور الأسرة، المدرسة ودور الشباب والثقافة في ربط جيل اليوم بتاريخه ووطنه، كيف يمكن أن يساهم المسرح في ذلك ؟ ربط جيل اليوم بتاريخه أمر صعب نوعا ما، لأن المكاسب التاريخية لم يعد لها مكانا في قاموس شبابنا، والسبب أن بعض الجهات جعلت تاريخ الجزائر مقتصرا على الولائم والمناسبات، حتى أن الاحتفالات بالأعياد الوطنية أصبح فيها جيل اليوم مهمشا بأتم معنى الكلمة لأسباب يعلمها العام والخاص. وحتى نعيد الشرعية لهذا الربط يجب أن نخرج المسرح إلى الشارع ونقدم عروض مسرحية استعراضية على شكل لوحات في الساحات العمومية مع إقحام المتفرجين في العروض من حين لآخر، وهذه العروض لا يجب أن تقتصر على المناسبات فقط، بل تصبح تقاليد مرسخة في مجتمعنا، يحن لها الجزائري ويسعد عندما يجد نفسه يتفرج في الشارع ويتعرف على تاريخه وأبطاله دون موعد مسبق. قرر، مؤخرا، مجلس الوزراء فتح مجال السمعي البصري، كممثل، ماذا يمكن أن تقدمه القنوات الخاصة لعالمي المسرح والسينما ؟ باختصار شديد، هو فاتحة خير على الثقافة الجزائرية بصفة عامة، بشرط أن يتم ذلك وفق مقاييس عالمية واحترافية بعيدة كل البعد عن المحسوبية والجهوية والرداءة. ونحن نتوق إلى مثل هذه القنوات التي نعبر من خلالها عن مواهبنا في سبيل احياء ثقافتنا الجزائرية وإعادة الاعتبار لها محليا ودوليا.