يحاول المخرج الشاب، عبد الرحمان حرات (25 سنة) دعم جنود الجيش الأبيض في القطاع الصحي، بصورة سينمائية و إعلامية، يوجه من خلالها رسائل توعوية وتقديرية لمن هم في خط المواجهة في الحرب ضد كورونا. المخرج المتوّج قبل أسبوع بجائزة دولية للفيلم الوثائقي يتحدث في هذا الحوار عن مساهمته كممرض في توظيف خبرته السينمائية في إبراز تضحيات العاملين في القطاع الصحي وعن طموحاته في مجال الإخراج والفرق بين الفيلم السينمائي والوثائقي. حاوره: حسين دريدح هل لك أن تعرف الجمهور بعبد الرحمان حراث الشاب الذي طرق العالمية في سن العشرين؟ أنا مخرج سينمائي مستقل من ولاية عنابة، عمري 25 سنة، أعمل حاليا كمكلف بخلية السمعي البصري في المستشفى الجامعي ابن رشد بعنابة، لي علاقة بقطاع الصحة كوني أعمل كممرض، منذ إتمام دراستي و نيلي شهادة ممرض للصحة العمومية سنة 2017، إلى جانب استكمال دراستي كطالب بجامعة باجي مختار عنابة، بقسم علوم الإعلام والاتصال، اختصاص سمعي بصري. مغامرتي الشيقة في عالم السينما و الإخراج بدأت مبكرا في المسرح، ثم تطورت تدريجيا خلال سنوات مراهقتي في الطور الثانوي،حاولت إثبات ذاتي وصنع التحدي، و أبرهن لمن شككوا في قدراتي، مدى شغفي بهذا الفن الراقي. أول تحدي كان سنة 2015 بإخراج فيلم (حب الشيطان) وسني 20 سنة، الأمر الذي شكل صدمة نوعا ما، للعديد من المخضرمين في هذا المجال نظرا لصغر سني آنذاك، وتمكنت من التتويج بأحسن فيلم قصير في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي. بعدها خضت تجربة جديدة وشاركت في أيام السينما الجزائرية، بالفيلم القصير «آسف» الذي حاز على العديد من الجوائز الدولية و الوطنية، كان أهم تتويج سعدت به، هو حصولي على الجائزة الأولى «العناب الذهبي» لأحسن فيلم قصير في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي في طبعته الثانية، كوني أول عنابي يمنح الولاية التي أنتمي إليها هذه الجائزة، كما نلت الجائزة الكبرى في مهرجان الفيلم التربوي بالدار البيضاء بالمغرب. وبكل تواضع أنا أتطلع إلى المستقبل، وما حققته سيكون حافزا لي لتقديم المزيد، كما أسعى إلى رفع سقف التحديات، رغم عديد الصعوبات منها المادية، كندرة التمويل للأعمال السنيمائية، وغياب الدعم للفئة الشابة لتحقيق طموحاتها، على أمل أن يكون القادم أفضل. وهنا وجب أن أوجه الشكر لمن ساندوني وآمنوا بقدراتي في مشواري السينمائي، و أخص بالذكر المخرج سعيد ولد خليفة و الممثل حسن كشاش، لدعمهما الخاص لي. حدثنا كيف فكرت بالجمع بين شغفك السينمائي وانتمائك للوسط الطبي؟ الاهتمام بهذا الجانب جاء قبل سنة عندما كنت أزاول مهنة التمريض، و قمت بإنجاز فيلم وثائقي قصير عن التمريض و الذي لقي رواجا وطنيا و استحسانا من المتتبعين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدها بأشهر تم تكليفي بالاتصال السمعي البصري بالمركز الاستشفائي أين وظفت قدراتي السينمائية في الإخراج لبعث صورة عن عمل الأطقم الطبية والمصالح الاستشفائية في شكل فيديوهات، تبرز الأنشطة الطبية و الجراحية، إلى جانب الإرشادات والحملات التوعوية و التحسيسية للمواطن، وهي أعمال نشرت عبر صفحة المركز الاستشفائي الجامعي عنابة أهدف من خلالها لتكريس الصورة في خدمة الجيش الأبيض. مع تفشي وباء كورونا كيف تعاملت مع الأمر باعتبارك تمارس نشاطا توعويا وإعلاميا له علاقة بقطاع الصحة؟ اقترحت على المدير العام للمركز الاستشفائي الجامعي تصوير ومضة تحسيسية مساندة للطواقم الطبية و شبه الطبية، و العاملين في قطاع الصحة من أجل شكرهم لأنهم هم خط الدفاع الأول، و هذا أقل شيء يمكن تقديمه لجيشنا الأبيض. بدأت في الاتصال بالأطباء و رؤساء المصالح، حيث وافقوا على المشاركة في التصوير، وتم الاتفاق على خطة العمل، حيث قدم الأطباء نصائحهم المتعلقة بالوقاية أثناء التصوير، في المقابل قدمت لهم شروحات حول كيفية تصوير المشاهد. وقد شارك في الومضة، رئيس مصلحة الأمراض المعدية بالمركز الاستشفائي الجامعي البروفيسور عيداوي، البروفيسور معمر و سائق سيارة الإسعاف «صامي» المخصصة لحالات المصابين بكوفيد19، إلى جانب ممرضين و مساعدة تمريض و عاملين في استعجالات الطبية فرانس فانون، و طبيب عظام يعمل في مناوبة استعجالات ابن الرشد الجراحية. في أول الومضة « يظهر طبيب مقيم مرتديا اللباس الخاص بالوقاية من الأوبئة، رفقة الطاقم الطبي، يقولون في بداية المشهد في رسالة مؤثرة «نحن هنا لن نستغني عنكم، والحفاظ على صحتكم هو أمانتنا». وقد التمسنا عند التصوير بالمصالح التي لها علاقة بعلاج فيروس كورونا، عزيمة قوية لدى الطواقم الطبية، لتحدي الخطر والتكفل بالمرضى من جميع الجوانب، إلى جانب إصرارهم على البقاء في عملهم وعدم الذهاب إلى بيوتهم و عائلاتهم، في المقابل يريدون ردا للجميل لا يتعدى التزام المواطنين بتدابير الحجر الصحي، و البقاء في المنزل لمساعدتهم في أداء عملهم. هل كانت اللمسة السينمائية حاضرة في العمل؟ نعم أشركت بعض المشاهير الجزائريين، في المجال السينمائي، حيث رحبوا بالفكرة عندما اتصلت بهم شخصيا، وأرادوا أن يساهموا دون تردد عبروا عن مؤازرتهم وشكرهم للطواقم الطبية، على العمل الجبار الذي يقومون به كما وصفوهم بأبطال الجيش الأبيض، وأنهم فخورون بهم. ومن بين المشاركين النجمة و المغنية سهيلة بلشهب، و اليوتيبز و صانع المحتوى شمسو دي زاد جوكر، و الممثل السينمائي عبد الحق بن معروف، و الممثلة السينمائية سهى ولهى، و الإعلامي محسن بوزرطيط. و للإشارة استغرق إنجاز العمل 15 يوما. كيف كان التجاوب بعد نشر الومضة؟ الحمد لله لقيت تجاوبا و نشرت بشكل واسع في صفحات فايسبوك و انستغرام، وكان الهدف من العمل مساندة الطواقم الطبية من أجل أخذ جرعة حب و تشجيع لمواصلة عملهم في هذه المحنة. كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة أحسن فيلم وثائقي دولي في خضم هذه الجائحة؟ استقبلت الخبر بدهشة كبيرة، لم أكن حقا أتطلع للمرتبة الأولى، خصوصا بعد انتهاء التصويت في حساب قناة الجزيرة الوثائقية عبر يوتيوب، حيث نال الفيلم المرتبة الرابعة، من تصويت الجمهور والمحدد ب40 بالمائة من العلامة الكاملة للجنة التحكيم، وكنت أظن بأني سأحتل المرتبة الثالثة أو الثانية، لأن الفيلم كان من الأفلام الجد منافسة من حيث الموضوع، و من حيث تقنيات التصوير بلمسة سينمائية، أعتبرها من السهل الممتنع. حدتنا عن قصة الفيلم وكيف وقع اختيارك على الخالة «جميلة» المرأة المتشردة؟ يروي الفيلم الوثائقي قصة «جميلة» المرأة المتشردة ذات 56 عاما و القاطنة بشوارع عنابة، التي عصفت بها رياح الأقدار إلى الشارع، أين يسلط الفيلم الضوء على الواقع المرير الذي تعيشه فئة المتشردين في الأزقة، حيث يعيشون دون مأوى و لا أحد يسأل عنهم فهم يفتقرون لأدنى متطلبات العيش الكريم. وبالخصوص النساء المتشردات وما يتحملنه من ظروف قاسية. الاسم الحقيقي لجميلة هو «ديدي مبروكة»، ينادونها في الشارع بجميلة امرأة كانت تعيش كباقي النساء حياة عائلية عادية، إلى أن انقلبت حياتها رأسا على عقب بعد وفاة زوجها لتجد نفسها بين الأزقة و الشوارع. اخترتها كشخصية حقيقية في الفيلم الوثائقي بعد أن لفتت الانتباه بخروجها المتكرر في الحراك، أغلب المشاهد صورت ليلا، لرصد الواقع الذي تعيشه جميلة، ومدى تحديها للعتمة و التشرد لتثبت قوتها كامرأة. ما هي الرسائل التي حاولت تمريرها من خلال شخصية جميلة والفيلم؟ الفيلم يحمل طابعا إنسانيا، يهدف لجلب الانتباه لهذه الفئة من الجزائريين حتى نستطيع جميعا التكاثف من أجل مساعدة من هم في حاجة ماسة إلى المعونة. كما حاولت إيصال صوت جميلة المرأة التي لا مأوى لها كوني أعرفها منذ الصغر، تنام بالحي الذي أقيم فيه بالمدينة القديمة. كما أن القصة تحمل بصيصا الأمل لجميلة، التي وجدت في الحراك الشعبي فرصة لتطالب بحقها في العيش الكريم. هل أخبرتم جميلة بفوزكم في المسابقة؟ نعم أخبرت جميلة في نفس اليوم الذي جاءني فيه الخبر، و هي جد فرحة خصوصا أن العديد من الناس الآن يلقبونها بجميلة «لاستار» و جميلة الممثلة «لاكتريس»، وأتمنى من كل قلبي عبر جريدة النصر، أن تتحقق أمنيتها و تقوم الجهات المعنية بمنحها بيتا يأويها، و نكون نحن من ساهم في إيصال صوتها ولو بالقليل . خضت مسابقة فيلم وثائقي رغم أنك مخرج سينمائي، هل كانت تجربة أولى في هذا النوع من الأعمال؟ أنا كمخرج لم أنجز أي فيلم وثائقي من قبل، و كنت جد متردد لإخراج فيلم وثائقي، لأنه ليس لي تكوين في هذا المجال، فقد قمت بالتصوير و جمع كل المعلومات عن جميلة لمدة أسبوعين، و التصوير كان ب كاميرة5 دي و هاتف ذكي من نوع سامسونغ 9 والصوت بهاتف ذكي أيضا، ثم قمت بالمونتاج، وهنا أوجه شكري للأستاذ سعيد ولد خليفة الذي ساعدني كثيرا بتوجيهاته في أول تجربة فيلم وثائقي لي. وانتهز الفرصة هنا لأشكر كل طاقم العمل، الذين شاركوا في فيلم» جميلة في زمن الحراك»على رأسهم مساعد المخرج الأول سريدي إسلام و الثاني سعدي محمد زين الدين، و في الموسيقى التصويرية لمين محمد بلهوشات، و مصمم البوستر عبد المالك تومي، و مترجمي الفيلم إلى عدة لغات من أجل المشاركة في تظاهرات دولية الأخرى (بوقاشبية جمال، شيماء طوبال، ماجري منال) ما هي الفوارق التي وجدتها بين العمل السينمائي الوثائقي والروبورتاجات؟ أظن أن الفرق الأساسي بين الإخراج و إعداد الأفلام و إنتاج الروبورتاجات في المجال الصحي أو الطبي، يكمن في نوع الرسالة التي يحاول إيصالها كل منها. فالأفلام بطبيعة الحال تهدف إلى طرح قضية ما، ذات بعد معين و محاولة إيجاد حل لها، عن طريق سرد أحداث القصة بشكل تسلسلي، حتى يتسنى للمشاهد استيعابها بشكل أوضح و أشمل، بينما الروبورتاج هو قطعة قصيرة تقتضي إجراء بحث حول الموضوع أو الإشكال مسبقا، من أجل إيصال رسالة توعوية، تتضمن معلومات و وقائع سهلة الهضم و الاستيعاب، فيما تكون الأفلام أكثر تعقيدا نوعا ما من ناحية الرسالة التي يود المخرج إيصالها. ح.د