لوحات فنية برائحة البن والشاي بقصر الباي يزين الفنان التشكيلي عبد الرحمان حجاز، رواق قصر الحاج أحمد باي، بلوحات أبدعتها ريشته الفتية اختار لها عنوان « من الأسفل إلى القمة»، وهي لوحات كسر من خلالها شوكة التقليد وانطلق يخط بأنامله عملا يجمع بين عدة طبوع فنية في قالب عصري يحاكي زخم الثقافة وتنوعه في الجزائر وخارجها. واستطاع الفنان الشاب تلميذ مدرسة الفنون الجميلة بقسنطينة، أن يبدع في أول معرض فردي له شارك فيه ب 41 لوحة من مختلف الأحجام، اعتمد فيها على تقنيات متنوعة تعود لمدارس فنية مختلفة على غرار الواقعية والأكاديمية والتجريدية، و رغم حداثته في الميدان إلا إنه استطاع بحسه الفني ومهارته في تحريك القلم والريشة، أن يبدع في رسم لوحات مميزة تطغى عليها الألوان الزاهية والأشكال الهندسية، وتتراقص فيها الأضواء والظلال بفضل أسلوب بسيط يمكن المتلقي من فك خطوطها وفهم رموزها بكل سهولة. يحمل المعرض عنوان من الأسفل إلى القمة، وقد اختاره الفنان ليقول إنه لا وجود للنجاح دون تعب، وأنه لا أحد بلغ القمة بصورة مباشرة دون المرور بعقبات وصعوبات في بداية المشوار،كما عبر في حديث مع النصر على هامش الفعالية، مؤكدا بأن النجاح يستوجب التضحية بالراحة والوقت حتى يبلغ الإنسان مقصده و يوسع آفاقه، وهي رحلة قال، بأنه لا يزال يخوض غمارها بعدما فهم بأن الفن بحر واسع لا حدود له. يجمع الفنان، في رسوماته بين الاتجاهين الأكاديمي والواقعي والمبالغة والتعقيد في الفن الساذج والتجريدي، و يستعمل الألوان المائية والترابية و الأكريليك، في إبراز معالم الطبيعة الحية وملامح الوجه وتفاصيل الجسد والعمران التراثي والعصري، مع استعمال أقلام الرصاص والجاف والحبر في رسم الخطوط الرفيعة والتفاصيل الدقيقة، التي تظهر جليا في نافذة المنزل ومدخل العمارة وعمود الإنارة، وزخرفة الحناء في يد السمراء الإفريقية، وفي تجاعيد العجوز المسنة التي تحكي كل واحدة منها تفاصيل سنة مرت من عمرها ودّعت فيها جمال الشباب لتتوج بحنكة الأجداد. ولم يتوقف الفنان في لوحاته عند هذه الأساليب والتقنيات، بل ذهب أبعد من ذلك باستخدامه للقهوة في تلوين ثلاث لوحات ظهرت بالأبيض والبني الفاتح، مع لمسات طفيفة من الحبر الصيني الأسود لتوضيح المعالم والتفاصيل، ما أعطى نظرة مغايرة لتلك الأعمال ذات الألوان الزاهية التي يشع الجمال من ثناياها، فيما خيم الحزن على اللوحات الملونة بحبات البنّ الفاتح، وقد أخذت كل واحدة منها تسمية مغايرة « منزل البحيرة» و» منزل في الطبيعة» و» رجل الصحراء»، وكأن حجاز، قد استعان بالقهوة في لوحته الأخيرة لإبراز لون حبات الرمل الفاتحة التي حملتها رياح الصحراء كما عبر واصفا العمل. كما استخدم ورقا مقهرا في إعداد ثلاث منمنمات، حيث أخذ ورق الكونسون الأبيض وغمسه في منقوع الشاي حتى يأخذ لونه ثم جففه وأعاد طليه بمزيج من غراء الخشب الأبيض والماء وتركه ليجف مرة ثانية، ثم صقله بالزجاج كما أوضح، للتخلص من زوائد الغراء والحصول على ملمس ورق رطب يسهل الرسم فوقه والتحكم في حركة الألوان المائية، مشيرا إلى أنه اعتمد على تقنية الرسم بالتحوير في خط لوحة « العصفور» و» شجرة البحيرة» فظهر ريش الطائر على شكل أوراق الشجر. وقال الفنان، إن اختياره لهذا النوع من الطبوع يعود بدرجة أولى للانسجام بين أحاسيسه والأسلوب المنتقى، كون الألوان والخطوط المرسومة تعبر عما بداخله وعن مزاجه أثناء رسم اللوحة مضيفا بأنه تأثر بعدد من الفنانين البارزين في المجال، لكنه يعمل بشكل مستمر على وضع بصمته الخاصة التي تميزه عن غيره وتبرز فكره و ميولاته الفنية، مؤكدا في ذات السياق، بأنه يستغرق في إنجاز اللوحة الواحدة قرابة 8 ساعات موزعة على أيام الأسبوع أو أكثر، حيث أنجز لوحات المعرض في سنتين. وتابع حديثه قائلا، إن أعماله الفنية تبرز زخم الموروث الثقافي والعمراني في الجزائر، ما ينعكس من خلال المساجد القديمة القائمة ليومنا هذا، و وشم العجوز على وجهها وكفة يديها وعصابة رأسها « المحرمة» وفي لون شعرها الأحمر المخضب بالحناء، وفي أناقة المرأة القسنطينية بالملاية السوداء و العجار الأبيض الذي يخفي خلفه ملامح جميلة لطالما تغنى بها الفنانون. من جانبها، أوضحت مديرة قصر الحاج أحمد باي، مريم قبايلية بأن معرض « من الأسفل إلى القمة» للفنان عبد الرحمان حجاز نظم احتفاء باليوم الوطني للفنان المصادف للثامن من شهر جوان وهو انعكاس لطبوع فنية متنوعة تجمع مختلف التقنيات والأساليب المعتمدة في الرسم، مشيرة إلى أن المتحف يحتضن بذات المناسبة ورشات فنية لطلبة وفنانين آخرين من داخل وخارج المدرسة الجهوية، على غرار أعمال إبداعية للرسم على الزجاج والقماش والرخام و الزليج وكذا أشغال يدوية وصناعات حرفية. وأوضحت قبايلية، أن الهدف من تنظيم هكذا معارض فنية تتماشى مع رمزية المتحف العمومي، هو تشجيع الفنانين المبدعين وتحفيزهم أكثر للمضي قدما نحو الأمام و المساهمة في تطوير مهاراتهم والتعريف بها على نطاق أوسع، خصوصا وأن للقصر زوارا من مختلف ولايات الوطن ومن شتى ربوع العالم، يقصدونه للتعرف على زخم الموروث الثقافي الجزائري. رميساء جبيل