مريضات بالسيدا يردن الإنتقام و حاملات للفيروس ذهبن ضحايا أزواجهن حضروا منذ أسابيع إلى جناح خاص بمصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة حيث يتلقون العلاج المناسب على يد طاقمه الطبي و شبه الطبي من أجل التخفيف من أعراض مرض السيدا و الالتهابات و الأمراض الأخرى الناجمة عن معاناتهم من فقدان المناعة المكتسبة مثل السل و الالتهابات الصدرية و التهابات الأمعاء و الإسهال المزمن و فقر الدم «الأنيميا»و الفطريات الجلدية و المعوية و غيرها، بعضهم عودوا أنفسهم على تقبل المرض و تسلحوا بالإيمان بقضاء الله و قدره و الأمل في الشفاء ،و الكثيرون لا يزالوا تحت تأثير صدمة اكتشاف المرض و ما يرافق ذلك من إحباط و انهيار عصبي و أمراض و عقد نفسية تصل إلى حد التصميم على نقل العدوى إلى ضحايا آخرين و الانتقام منهم.و بالتالي فإن الحديث عن يوم عالمي للسيدا يبقى ذو شجون فقد لا يعني شيئا بالنسبة للمرضى، لكنه فرصة للدعوة لتأسيس جمعية لمساعدة هؤلاء المرضى كما شدد البروفيسور أحمد عواطي رئيس أطباء المصلحة أو التركيز على استعمال الواقيات الجنسية و الكشف المبكر كما ألحت الدكتورة بلعماري. عندما كنت أجوب رفقة الطبيبين رواق الجناح الذي بدا عاديا لا يخضع زواره لأية تدابير أو اجراءات وقائية كما كنت أتصور، لاحظت بأن خلف زجاج غرفة أحد المرضى شاب في مقتبل العمر شكله و هندامه لا يدلان على مرضه الخطير كان يدير و جهه إلى الجدار المقابل للباب و يمسك بالمصحف و يتلو آيات بيّنات من القرآن الكريم .طلبت الإذن من الطبيبين للتحدث إليه لعله يقدم عبرة لمن يعتبر من الأصحاء بسرد حكايته مع المرض، لكن رئيس المصلحة تدخل و نصحني بتجنب ذلك لأنه سجين يقضي فترة عقوبته و حضر للعلاج من بعض المضاعفات و سيعود لاحقا إلى زنزانته. و أشارت الطبيبة إلى أن المعالجين يصطدمون بردود فعله العنيفة أحيانا و التناقضات الكبيرة في أقواله كلما سئل عن ظروف انتقال عدوى المرض إليه. و لفت انتباهنا مريض آخر في زهرة العمر يبدو عليه الهزال و الشحوب الشديد و الاكتئاب و الاضطراب النفسي و العضوي. هذا الشاب لا يتوقف عن السعال و الحركات العصبية و هو يجلس على سريره في غرفة مجاورة سألت الطبيبة التي تشرف على علاجه عن حالته، فقالت بأنه يعاني من السل الرئوي فقد أصيب بهذا المرض لأن جسمه أنهكه السيدا و ما يرافقه من نقص في المناعة و قد زوده الأطباء بواقيات للفم و الأنف لكنه لم يستعملها إلا لبعض الوقت ثم نزعها، مما جعل جراثيم المرض أو ما يعرف طبيا ب»عصيات الدرن» تلوث كل أرجاء و محتويات الغرفة، فالعدوى تنتقل عبر الهواء عندما يتحدث أو يسعل أو يبصق أو يعطس المريض. و بالغرفة الثالثة كان شاب آخر ممدد على سريره في حالة يرثى لها فقد حضر في مرحلة متقدمة و خطيرة من إصابته بفقر الدم الحاد و أعراض السيدا. و يتذكر الفريق الطبي حالة كهل متزوج و أب للعديد من الأبناء وجهه طبيبه للمصلحة لإجراء فحوص فاكتشف بأنه مصاب بالسيدا. الرجل الذي كان يعمل بالجنوب الجزائري قال للأطباء بأنه لم يخن زوجته إلا مرة واحدة في حياته مع امرأة واحدة قبل سنوات عديدة لم يتحمل هول الصدمة فانهار نفسيا لدرجة أنه مات هما و غما و ندما رغم أن العلاج الطبي جعل حالته العضوية مستقرة . و لا أحد من باقي المرضى الذين يتم علاجهم و متابعتهم بالمصلحة حضر و هو في مرحلة حمل فيروس فقدان المناعة المكتسبة، مما يعني أن لا أحد منهم خضع للكشف المبكر فجميعهم يحضرون بعد اكتشاف متأخر عن طريق الصدفة لمرضهم أو لأن أطباء آخرون وجهوهم إلى المصلحة لإجراء فحوص معينة تمكنهم من التشخيص الدقيق لحالاتهم .و الملاحظ أن الأغلبية رجال مارسوا علاقات جنسية مشبوهة دون استعمال واقيات و الكثير من النساء الحاملات لفيروس فقدان المناعة المكتسبة من ضحايا أزواجهن . «بنات الليل» و عقدة الإنتقام مع سبق الإصرار بالمقابل كما قالت الطبيبة هناك نساء من «بنات الليل» يزدهن اكتشاف المرض اقبالا على مواصلة درب الخطيئة و إسقاط المزيد من الضحايا بدافع الانتقام.و بررت إحداهن و هي شابة في الثلاثين من بلدية مجاورة هذا الموقف قائلة:»أنا أيضا كنت ضحية أنانية و انتقام رجل رغم أنني لم أتسبب في أي أذى أو شر له كل ما في الأمر أنني أحببته و توهمت بأنه يبادلني نفس الشعور لكنه تخلى عني عندما حقق غايته . لا أحد يلومني الآن إذا أرجعت الصاع صاعين ففي كل الأحوال أنا انتهيت أنا حطام... حطام امرأة و بعد فترة لن يفيدني أي دواء أو علاج و سأموت وحيدة ككلبة جرباء.» أحد المرضى و هو شاب في منتصف الثلاثينات اعترف بأنه أصيب بانهيار و عصاب حاد عندما أخبره الأطباء بأنه مصاب بوباء لا يوجد علاج يقضي عليه بشكل تام و كل العلاجات المتوفرة في كافة بلدان العالم تخفف من أعراضه و تحسن نمط حياة المصابين لا غير مما جعله يسقط بقبضة يأس قاتل قاده إلى اتخاذ قرار ضار و خطير جدا .لقد اغتنم فرصة عدم علم أحد من أهله و المحيطين به بمرضه و التزام الأطباء بسر المهنة و سرية التشخيص و التكفل وهرع لطلب يد فتاة من معارفه و تزوجها بسرعة لأنه أقنع نفسه بأن من حقه أن يستمتع بفترة سعيدة من حياته التعيسة قبل أن تتفاقم حالته و يرحل و استبعد كل تفكير بالعواقب... و مضت شهور و شهور من زواجه دون أن يرجع إلى المصلحة لمراقبة تطورات مرضه أو يطلب إجراء فحوص لزوجته التي لا تعلم شيئا عن إصابته.الطبيبة أكدت أن هناك حالات أخرى مشابهة تحول دون تطويق انتشار المرض الذي يفتك بعدد متزايد من الضحايا من الزوجات و الأبناء الصغار. رب أسرة يعلن الحرب على المرض «س»شاب في ال37 من عمره يعمل في الزراعة مستواه الدراسي و الثقافي محدود ، يقيم بمدينة بضواحي قسنطينة ،متزوج و أب لطفلين صغيرين البنت لا يتجاوز عمرها سنتين و نصف و الولد في الشهر السادس من عمره.أصيب في الصيف الفارط بهزال شديد مفاجيء و شحوب و إعياء مزمنين و سعال حاد و لم تتحسن حالته رغم متابعته لكافة العلاجات التي وصفها له الأطباء فوجهه أحدهم إلى مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بن باديس و هناك أميط اللثام عن الحقيقة المؤلمة:إنه مريض بالسل الرئوي و السيدا. و بعد مروره بفترة حرجة من الخوف و القلق جاءت لحظات المواجهة و الصدق مع الذات و الآخرين فقال بأنه و قبل زواجه بسنوات كانت لديه علاقات جنسية مع نساء أخريات غير زوجته و لم يشك قط في أنها ستؤدي به إلى هاوية المرض «القذر»كما وصف داء فقدان المناعة المكتسبة .و طلب العفو و المغفرة من الله و توسل إليه بأن ينقذ زوجته و طفليه الصغيرين البريئين.و التزم بتعليمات و إرشادات الأطباء أثناء مكوثه بالمصلحة طيلة شهرين و نصف حيث تلقى علاجا للسل بالموازاة مع علاج أعراض السيدا. و قال بأنه يستحق كل ما يعاني من آلام لأنه عصى الخالق و لم يلتزم بتعاليم الدين الحنيف.استجمع كل طاقته على التحمل و الصبر و الإيمان بقضاء الله و قدره و قاوم المرض و الضعف و تحسنت حالته خاصة عندما علم بأن ابنته البكر لا تحمل الفيروس.و عاد إلى بيته و كله أمل في أن ينجو طفله الرضيع و زوجته من المرض. و قبل إخضاعهما للفحوص أصيب بفطريات معوية خطيرة و اسهال مزمن و فقدان للشهية و عدم قدرة على البلع، أدت إلى عودته إلى المستشفى للخضوع للعلاج المناسب ومكث شهر ونصف هناك ليخرج مجددا بعد تحسن معتبر في حالته العضوية و النفسية.و يقول بهذا الخصوص:»الحمد لله لأنني أمر بفترات تحسن أصبحت أستطيع الأكل و تقلصت آلامي و تضاعفت رغبتي في الحياة و محاربة المرض من أجل أسرتي الصغيرة». البروفيسور أحمد واطي: تأسيس جمعية لمساعدة المرضى أكثر من ضروري شدد البروفيسور عواطي رئيس أطباء المصلحة على ضرورة تأسيس جمعية لمساعدة مرضى السيدا تتكون من أطباء و إعلاميين و مختلف الفئات الاجتماعية مشيرا إلى أن المرض قدم إلى بلادنا من الغرب و هو موجود و يتكاثر مخلفا المزيد من المصابين سنويا و قد آن الأوان لتظافر جهود الجميع من أجل إخراجه من دائرة الطابوهات و كسر جدار الصمت و الكبت و شن حرب علنية و عامة من التوعية و التحسيس بضرورة الوقاية منه و الكشف المبكر عن حاملي فيروس فقدان المناعة المكتسبة للإسراع في العلاج و جعله أكثر فعالية و تطويقا للأعراض و المضاعفات المحتملة. و أوضح بأن للمرض جوانب طبية و علمية و أيضا اجتماعية لا بد من أخذها بعين الاعتبار فالطريقة التي تتم بها مواجهة و معالجة المرض عندنا تختلف عن غيرنا نظرا لثقافتنا العربية و ديننا الاسلامي.و ثمن الجهود التي يبذلها الأطباء في بلادنا في مجال علاج الداء و القيام ببحوث و دراسات حوله عاقدا آمالا عريضة على طلبته الباحثين الذين يقول بأن المستقبل لهم . و أشارت من جهتها الدكتورة بلعماري إلى أن كل الأدوية و العلاجات متوفرة لتحسين حالة المرضى الصحية و نمط حياتهم لكن لابد من ثورة أخلاقية و تربوية و حملات تحسيسية مستمرة لكي يراجع الكثير من المرضى مواقفهم و تتحرك ضمائرهم بدل مواصلة نقل العدوى و إسقاط المزيد من الضحايا و العديد منهم من الأطفال الصغار الأبرياء،إلى جانب نشر الثقافة الجنسية على كافة المستويات و التحذير من العلاقات المشبوهة دون استعمال الواقيات الجنسية و العودة إلى الدين و القيم و العادات و التقاليد كأفضل واق من الغرائز الفتاكة. و في حالة الشك لا بد من الاسراع بالكشف المبكر، مشيرة بأن المصلحة تستقبل مرضى من الجنسين من مختلف الشرائح و المستوى الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي الرفيع لا يمنع من السقوط في قبضة الفيروس الذي وصفته ب»الذكي»الذي يشكل مركزا للبحث العلمي لوحده فالعديد من المرضى من فئة الإطارات السامية و يعالجون بالمصلحة في سرية تامة.