قراءات تتراوح بين الكتب الدينية والرواية، وفعل القراءة بخير ومتذبذب في آن ماذا يقرأ الجزائريون الآن؟، وهل يقرأون فعلا، هل يترددون على المكتبات وباعة الكتب لاقتناء زادهم الفكري والمعرفي والأدبي، هل تُشكل الكُتب بالنسبة لهم وجبة ضرورية لا يجب التفريط فيها، وأي كُتب تستهويهم أكثر وتفتح شهيتهم للقراءة، هذا السؤال حملناه إلى بعض أصحاب المكتبات وباعة الكتب، وقد اختلفت طبعا ردودهم بين من يرى أن فعل القراءة خف وتراجع إلى مستويات متدنية ومخيفة، وبين من يرى العكس، وبأن فعل القراءة وبرغم كل ما يُقال ويُثار حوله من كلام وجدل إلا أنه ما يزال له صدى لدى الجزائريين الشغوفين بالمطالعة، كهواية وكفعل اعتادوه وتدربوا عليه وعلى ممارسته. وفي سياق هذا الموضوع يقول السيد موسى صاحب مكتبة "المعرفة": "الإنسان الجزائري ورغم ما يُقال عنه من أنه لا يقرأ ولا يطالع، إلا أنني وبحكم مهنتي كصاحب مكتبة منذ ما يقرب ال20 سنة، أؤكد أنه يقرأ ويطالع ويقتني الكُتب ويتردد على المكتبات ويتجول بين رفوفها باحثا عن الجديد وعن كتبٍ بعينها، وهو دائم السؤال حول عناوين الكتب المختلفة، وآخر الإصدارات، سواء في بعض التخصصات أو في الآداب والفكر"، ويضيف موسى: "هناك أزمة طبعا لا يمكن أن نغطي عليها وهي ارتفاع ثمن الكِتاب، وهذا ما جعل القراءة غير متاحة لكل الناس، إذ إن الكِتاب غير مُتاح للجميع وليس في متناول كل يد، وهذا بسبب أسعاره التي تزداد غلاءً يوما بعد آخر، ومع هذا وكمكتبي يعيش بين الكتب والقراء، أقول أن القراءة بخير، وأكبر دليل، التوافد اليومي والمكثف من طرف عشاق القراءة على المكتبات"، أما عن نوعية الكتب الأكثر مبيعا، فيقول موسى: "هناك اختلاف أذواق متباين بين القراء، فهناك من يطلب الكتب الأدبية، وهناك من يفضل الكتب التاريخية والتراثية والدينية، وهناك من يتخصص في الكتب العلمية والاقتصادية والقواميس، حسب ميولاتهم ووظائفهم واختلاف شغفهم، لكن أكثر ما يَقرأ الجزائري الآن هو الروايات الأدبية، فقراءة الرواية واقتناؤها أصبحت رائجة جدا، وهي أكثر الكتب مبيعا في مكتبتنا"، ويختم موسى: "نسبة شراء الروايات الجزائرية والغربية والمترجمة هي الأعلى والأكثر، لكن تظل روايات أحلام مستغانمي تتصدر قائمة المبيعات على مستوى مكتبتنا، وبعدها روايات اللبناني أمين معلوف، والجزائري ياسمينة خضرا، الذي جاء من الحياة العسكرية إلى الأدب، وهو غزير الإنتاج ورواياته تحقق رواجا كبيرا في أوساط القراء، إضافة إلى أعمال روائية عالمية مترجمة إلى العربية وأخرى باللغة الفرنسية". أما فوزي صاحب مكتبة "بابل"، فيقول: "أرى أن القراءة كفعل معرفي ضروري، شبه متذبذب ومتقطع لدى الجزائريين، كما ربما لدى كل العرب، وبحكم سنوات عمري الكثيرة التي قضيتها في المكتبة واحتكاكي اليومي مع الذين يترددون عليها، لاحظت أن الكتب الدينية هي الأكثر مبيعا وهي ربما أكثر ما يقرأ الناس عندنا"، ويستدرك فوزي: "أرى أن إقبال الناس على الكتب الدينية أكثر من الكتب الأخرى، له ما يبرره، في سياقات مختلطة ومأزومة، وأن معظم الذين يشترون الكتب الدينية لهم أفكارهم المسبقة وقناعاتهم التي في أغلبها متزمتة وخاطئة، وهم لا يقتنون كتبهم الدينية إلا من أجل التباهي أحيانا بأنهم من الصفوة المتدينة في المجتمع، وأحيانا أخرى من أجل تزيين مكتباتهم المنزلية لا أكثر"، وهذه الفئة يضيف فوزي: "لا ترضى أن تكون في مكتباتهم المنزلية أنواع وصنوف الكتب الأدبية من روايات وقصص ودواوين شعر، لأنهم يعتبرونها مخلة بالحياء والآداب، وبالتالي هي غير مرحب بها في بيوتهم، لهذا تجد رفوف مكتباتهم مكتظة بكل أنواع الكتب الدينية بما فيها السلفية وكتب تفاسير القرآن والأحلام والسيرة والفتاوى وغيرها، ويرفضون رفضا مَرضيًا تواجد الكتب الأدبية في منازلهم". ويُرجِع فوزي سبب كساد الكتب الأدبية ورواج الكتب الدينية إلى أن الإنسان الجزائري في عمومه له اهتمام بالثقافة الدينية وأن هذه الثقافة تشكل خلفياته وتصوراته ومعتقداته، لهذا يحرص على اقتناء الكتب الدينية بمختلف عناوينها، حتى وإن كانت في بعض الأحيان من أجل الزينة لا من أجل القراءة. ويضيف صاحب مكتبة بابل: "من منطلق تواجدي في الوسط الثقافي من خلال عملي اليومي في المكتبة، وحسب معرفتي بعالم الكتب، ومختلف العناوين التي تزخر بها رفوف مكتبتنا، يمكنني القول أن أكثر الكتب رواجا، هي الكتب الدينية، وهي المقروءة أكثر لدى غالبية القراء، وأؤكد، أن أكثر ما يقرأ الجزائري الآن، هو الكتاب الديني، وهو أيضا أكثر ما يبحث عنه القاريء الجزائري، ومهما كان ثمنه، ما لاحظته أن الذين يقتنون الكتاب الديني لا يناقشون أسعاره رغم ارتفاعها، ويدفعون ثمنه دون انزعاج، لكن حين يتعلق الأمر بالكتاب الأدبي مثلا، يتذمرون ويشتكون من ارتفاع ثمنه، حتى لو كان سعره مقعولا وفي متناول الجميع، إلا أنهم يتحججون بسقف الأسعار المرتفع، وينصرفون عنه". ويختم تصريحه: "ومع هذا هناك إقبال محتشم على الكتاب الأدبي، وبخاصة روايات أحلام مستغانمي وكذا الروايات العالمية المترجمة وكتب آجاتا كريستي، التي أسرت القراء بقصصها الغامضة والمشوقة". في حين يقول بلال، وهو بائع كتب: "في الحقيقة، أرى أن الجزائري يقرأ وأن شغفه بالقراءة كبير ومتواصل، منذ أكثر من 10 سنوات، وأنا أحترف بيع الكتب على الأرصفة، وقد لاحظت حب الفرد الجزائري للكتاب والقراءة، وهذا من خلال ترددهم على المكتبات، وعلى مكان تواجدي على الرصيف، حيث أطرح كتبا متنوعة ومختلفة العناوين والتخصصات، ويوميا أبيع"، ويضيف بلال: "لو لم أجد تجارة الكتب رائجة لكنت تخليت عنها منذ البداية، لكن الحقيقة، هي رائجة جدا، وأنا أمارسها بحب، وسأستمر فيها". ثم يضيف: "تجربتي مع الكتب مثيرة، تعرفت خلالها على أذواق مختلفة لنوعيات كثيرة من القراء، يتصفحون الكتب، يمعنون فيها وفي بعض صفحاتها الداخلية، ثم يسألون عن ثمنها، ثم يشترون ما يرونه مناسبا لذائقتهم وما يروقهم وينصرفون، والبعض الآخر يطلبون مني أن أُحضِر لهم كتبا معينة، لأنهم لا يجدونها في المكتبات، فأحرص على العثور عليها وإحضارها لهم"، ويستدرك بلال: "معظم الذين يترددون على رصيف كتبي في المدة الأخيرة، يطلبون الكتب الأدبية، وبخاصة روايات أحلام مستغانمي، أمين معلوف، ألبير كامو، وكذا روايات نجيب محفوظ، والروايات الأجنبية، وهناك من يطلب كتبا فكرية لمحمد أركون، وعلي حرب، ونصر حامد أبو زيد، لكنها طلبات قليلة مقارنة بطلبات الأعمال الروائية"، ويؤكد بلال: "الكثير من عناوين الكتب التي على رصيفي، موجودة على رفوف المكتبات الأنيقة والفخمة، لكن هناك من يأتي ويحملها من ركن الرصيف ويفضل أن يشتريها من عندي على أن يشتريها من المكتبات، وهذا لأنهم يجدون أسعارها مناسبة لهم وأقل ارتفاعا من التي وجدوها في المكتبات، لكن المهم في الأمر أن فعل القراءة موجود وإن بمستويات مختلفة، وهذا في حد ذاته ما يفرح حقا، أنا عن نفسي أقرأ كثيرا، ولا يمكن أن يمضي أسبوع دون أن أقرأ فيه كتابا أو كتابين، طبعا قراءاتي متنوعة، لكن أفضل قراءة الروايات، وأتابع منها أعمال أحلام مستغانمي والأمريكي بول أوستير، أيضا هذه الأيام أعدت قراءة "الغريب" لألبير كامو" ويختم هذا البائع الذي حوّل إحدى أرصفة مدينته إلى حديقة كتب: "ها أنا أرد على سؤالكم بصفتي مكتبي متجول وقاريء شغوف بالكتب والمطالعة، وأؤكد لكم جازما أن الجزائري يقرأ وعلاقته بالكتب وطيدة، وأن الروايات هي أكثر ما يستهويه في المدة الأخيرة، وأن الكتب الدينية تراجع رواجها قليلا مقارنة برواج الروايات واكتساحها لذائقة القاريء الجزائري في هذا الوقت بالتحديد".