عين على تمتين أواصر التآخي و التعاون و أخرى على تجاوز لهيب أسعار اللحوم عادت "لوزيعة" المتجذرة في أعماق عاداتنا و تقاليدنا و موروثنا الاجتماعي و الثقافي إلى ولاية برج بوعريريج بقوة ، خلال هذه الأيام التي تزامنت مع بداية العد التنازلي لشهر الصيام و القيام ، و طغيان مظاهر التآزر و الرحمة مجسدة في مبادرات للتآخي و التقارب بين العائلات. حيث اهتدى سكان حي كوسيدار " بمدينة البرج لتنظيم " لوزيعة " كمبادرة الهدف منها حسب القائمين عليها ، تذليل جميع الخلافات و توطيد التقارب بين الجيران و مساعدة العائلات المعوزة و الفقيرة بينهم ، و كذلك الحال بالنسبة لعمال ديوان الترقية و التسيير العقاري الذين جددوا عادتهم هذه ككل سنة بتنظيم لوزيعة في منتصف شهر رمضان . إن كانت مثل هذه المبادرات بشهادة من التقينا بهم ، لا يمكن أن تخرج عن الأهداف المرجوة منها مثل الحفاظ على روح التضامن و تمتين أواصر التآخي و التآزر بين العائلات و كافة المواطنين ، فهي كذلك فرصة مواتية للعائلات متوسطة الدخل و الفقيرة لتوفير بعض الكيلوغرامات من اللحم الذي عرفت أسعاره ارتفاعا كبيرا استعصى على الكثير من العائلات أن تتجرأ على شرائه بالنظر إلى تراجع القدرة الشرائية لعدد كبير من العائلات مع دخول شهر رمضان أمام الإرتفاع المسجل في أسعار المواد واسعة الاستهلاك . لوزيعة و شهر رمضان يجمعان ما فرقته باقي الأيام بين سكان حي كوسيدار لعل من أبرز معاني التقارب بين العائلات تلك المبادرة التي أطلقها سكان حي كوسيدار في المخرج الشمالي لمدينة برج بوعريريج ، حيث جمع بينهم شهر رمضان و موروث " لوزيعة " ما فرقته أمور الحياة الأخرى التي تدخل في سياق السباق وراء كسب المعيشة و تغليب المصلحة الشخصية و غيرها من التصرفات التي تطغى على عادات المجتمع الجزائري بصفة عامة ، إلى حد أصبح فيه اللقاء بين الجيران و حتى سكان العمارة الواحدة يقتصر على مناسبات محدودة . و في مبادرة لتجاوز هذه المظاهر و تمتين اللحمة بين سكان الحي يقول عمي نور الدين : " الفكرة بدأت مع دخول الشهر الفضيل بين بعض القاطنين بالحي الذين ارتأوا أن يعيدوا مظاهر الرحمة و الأخوة كتلك التي كانت في رمضان زمان بتخصيص يوم لالتقاء الجميع على اختلاف مستوياتهم التعليمية و المادية". و بين متخوف من فشل مسعاهم و مرحب بالفكرة اتفقوا على تنظيم لوزيعة التي تعد من بين العادات المتوارثة و التي يمكن أن تضمن النجاح في الجمع بين الجيران و العائلات القاطنة بالحي ، لتكون فرصة كذلك للقاء و التقارب و الحديث عن أمور أخرى تتعلق بحيهم السكني . و انتقلت هذه المبادرة من مجرد فكرة إلى التجسيد الميداني من خلال الاتصال بباقي السكان و توسيع المشورة فيما بينهم لجمع الأموال و تخصيص مبالغ لكل عائلة ، لشراء الكباش مع إعفاء العائلات الفقيرة و المعوزة ، و هو ما تجسد فعلا أين أعطت 85 عائلة موافقتها و توصل القائمون على هذه الفكرة الى الهدف الأول من المبادرة و هو التعاون بين العائلات و جمع مبلغ من المال كان كافيا لشراء 12 رأسا من الغنم ، ليتحقق الهدف الثاني باجتماع الجيران و تآزرهم في جو عائلي لذبح الكباش و تقسيم لحومها إلى حصص و حصول كل عائلة على نصيبها. فضلا عن تخصيص حصص إضافية للتصدق بها على العائلات الفقيرة وزعت على 25 عائلة ، و الأهم توفير الكثير من المال و تجنب اللهيب الذي عرفته أسعار اللحوم بجميع أنواعها منذ بداية الشهر الفضيل . عمال " أوبيجي " يتمسكون بالعادة و يعيدون بها ذاكرتهم إلى رمضان زمان يجدد عمال ديوان الترقية و التسيير العقاري بولاية برج بوعريريج عادتهم مع تنظيم لوزيعة في كل سنة ، للالتقاء و خلق أجواء عائلية في ليلة منتصف شهر رمضان ، كتلك التي شهدها مقر الديوان نهاية الأسبوع. أين غادر جميع العمال مناصب عملهم بعد انقضاء فترة العمل و هم محملين بأكياس تحتوي على كمية من اللحوم تكفي لسد احتياجاتهم و تحضير مختلف الأطباق ، ناهيك عن قضائهم لسهرة رمضانية يقول البعض منهم أنها مهربة من ذكريات رمضان زمان ، كونها تعيدهم إلى ذكرياتهم مع العمل في ديوان الترقية و التسيير العقاري لسنوات خلت خصوصا كبار السن منهم ، مما جعلهم يتمسكون بتنظيم هذا الموروث ، الذي تحول مع مرور الزمن إلى عادة حميدة يعتبرونها كمقياس للتأكيد على غلبة التفاهم و التآزر فيما بينهم . يؤكد عدد من العمال الذين التقينا بهم أن الإصرار على الاستمرار في هذه العادة يعود إلى محاسنها ، حيث تسمح بلقاء الجميع سواء العاملين منهم بالمديرية الولائية و كذا الفروع المتواجدة بالبلديات و الدوائر بعيدا عن المكاتب و المسؤوليات ، في فرصة نادرة قل ما تتوفر خلال الأيام الأخرى.حيث يلتقي فيها المدير و رئيس المصلحة و الموظف و السائق و العامل البسيط على مائدة واحدة في جو عائلي يسوده التضامن و التقارب بعيدا عن خلافات العمل ، و لم يخف بعض العمال أنه و زيادة عن هذه الأهداف المتوخاة من تنظيمهم لموروث لوزيعة في كل عام ، فإنهم اصبحوا ينتظرون موعدها بفارغ الصبر على الأقل لتغطية احتياجات عائلاتهم من اللحوم لعدة أيام و تجنب مصاريفها في وقت تعرف أسعار اللحوم الحمراء و باقي المواد الاستهلاكية ارتفاعا فاحشا خصوصا في شهر الصيام . حسب أحد القائمين على هذه المبادرة ، يقوم العمال قبل منتصف شهر رمضان بجمع الأموال و شراء ثلاثة عجول ، و في ليلة الخامس عشر من رمضان يصر الجميع على الإلتحاق بمقر المديرية للمشاركة في ذبح وسلخ العجول ، دون إهمال الجو العام و إحضار المشروبات و الحلويات و المرطبات في السهرة الرمضانية ، و في اليوم الموالي الذي حضرنا جانبا منه وجدنا حوالي 10 عمال منهمكين في تقطيع اللحوم و توزيعها على حصص قاربت 250 حصة، حسب عدد العمال، و ترتيبها في شكل صفوف متسلسلة ، على أن يقوم صاحب الحصة عند توقيت مغادرته لمنصب عمله بعد إنقضاء مدة العمل في الفترة المسائية ، باستلام نصيبه من اللحوم أو ما يسمى بالقرعة دون اختيار حسب الترتيب في الصفوف و وضعها دخل كيس بلاستيكي .