جمع المفكر العربي علي حرب بعضا من مقالاته التي تتبعت الثورات العربية ضمن كتاب "ثورات القوة الناعمة في العالم العربي، نحو تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات"(الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف- 2011)،فما هي القضايا التي توقف عندها؟ وما هي الأسئلة الفكرية و السياسية والتاريخية التي سعى للإجابة عنها؟ د- وليد بوعديلة / جامعة سكيكدة عندما نتأمل الفهرس نجده ينفتح على مسائل هامة في الشأن العربي، من الإنسان الرقمي والثورة في العقول والأفكار إلى معنى الثورة ورهاناتها وإشكالية السلطة، مرورا بالبحث في النظام العربي الجديد و هاجس الإصلاح في بعض الدول العربية باختلاف المسارات الثورية و مآلاتها. ينطلق المفكر من فكرة هامة حول الربيع العربي، وهي أن الانتفاضات الراهنة هي ثمرة فتوحات العولمة ، لأنها قد غيرت نظرة الإنسان لنفسه وبدلت موقعه في العالم، كما غيرت علاقته بالوجود وقضايا الهوية والمعرفة والحرية والسلطة... ومن هنا كانت الأجيال العربية الشابة اليوم مخالفة في وعيها و حراكها للأجيال التي سبقتها، بمختلف مشاربها الفكرية، ومستفيدة من القوة الناعمة والفائقة للثورة الرقمية والتقنية، وبفضل الميادين والمنظمات الافتراضية للتواصل والتجمع ترجم الشباب مواقفه في ارض الواقع. يقول علي حرب عن الثورات التي وقعت في السنوات الأخيرة وهي مستمرة:" هي متعددة الأبعاد، إذ هي سياسية بقدر ما هي فكرية، وتقنية بقدر ما هي ثقافية، وخلقية بقدر ما هي اقتصادية، إنها تجسد ولادة فاعل جديد على المسرح، هولا الإنسان الرقمي ذو الأنا التواصلي وصاحب العقل التداولي"(ص11)، وبالنسبة له فثورة الربيع العربي تطمح لتجاوز النموذج النضالي الآفل، ويقصد به الذين قادوا حركات التحرر الوطني وحملوا مشعل البناء بعد الاستقلال، وهم الذين ورثوا لأبنائهم الوطنية باعتبارها سجلا تجاريا وليست عزة ومجدا و شرفا(حاشا بعض الشرفاء المخلصين الباقين على عهد الشهداء عبر كامل الخريطة العربية). كما جاءت الثورات لتجاوز النموذج النخبوي الفاشل والنموذج البيروقراطي العاجز والنموذج الجهادي القاتل(الحركات الأصولية).فكلها نماذج للفشل وفقدان المصداقية من منظور علي حرب، وللتخلص منها ستكون الآفاق المستقبلية لرهانات عربية جديدة تخلع عباءة الأيديولوجيات المقدسة وتكسر عقلية النخبة والبيروقراطية والتخلي عن العنف والإرهاب لتغيير الأوضاع ، وبدلها استعمال الوسائل السلمية المدنية التواصلية. بالنسبة لهذا المفكر فالشعوب العربية تخرج من سجونها –كما عنون أحد مقالاته-، بعد ان تأخرت عن التحولات العالمية، و هو يتتبع الفشل الداخلي والخارجي للأنظمة العربية، فكان الحراك الشعبي "المطالب بتغيير شامل وجذري يتعدى الإصلاحات الجزئية او الشكلية لكي يطال الدساتير وأنظمة الحكم، بقدر ما يطال طريقة الدول في إ دارة الشأن العام وكيفية ممارستها للسلطات.."(ص18) ونلاحظ في هذا الكتاب ان علي حرب يرفض الإيديولوجية الدينية الأصولية، ولا يرى فيها إلا النقاط السلبية، فهي تمثل التردي والتراجع وتحكمها العقائد الاصطفائية التي تسير بعقلية الثار والانتقام، فهي –حسبه- يمكن أن تقوض النظام وتخرب العمران ولكنها لا تقدر على الإصلاح او البناء، وهي تمارس الإقصاء والاستئصال ولا تولد إلا الحروب الأهلية، وهي صفات سلبية متلاحقة، نرى بان المفكر قد وقع في فخ التعميم في ظل سياق عربي يقدم بعض النماذج الايجابية للإسلام السياسي التشاركي المنفتح والذي تظم حركاته كبار العلماء في التخصصات التقنية والإنسانية المتعددة، بوجود الاعتدال والوسطية ونبذ العنف، ثم إن الممارسات الإنسانية تبقى نسبية وقابلة للخطأ، والتطرف قد يكون في اي توجه فكري وسياسي، ثم إن على حرب لا يحدد المقصود بالأصولية الدينية ، فهل هي مقتصرة على الإسلام فقط أم تشمل المسيحية كذلك؟ فهل يراجع علي حرب هذه النقطة من كتابه حول موقفه من الأصوليين والتغيير السياسي في الوطن العربي ويعتبر علي حرب أن ثورات الربيع العربي قد تميز بميزة المفاجئة، فالحدث الثوري مفاجئ وغير متوقع، وقد صدم العقول الغافلة وزعزع الثوابت الراسخة، ومعه تغير قواعد اللعبة وعلاقات القوة وخريطة السلطة، وصار المستحيل ممكنا و تساءل: من كان يتصور ان تنقلب الموازين في تونس ومصر بحيث يجرؤ الناس على قول ما كانوا لا يجرؤن على التفكير فيه أو الهمس به؟ و يعترف لمحمد البوعزيزي بالفضل في الثورة التونسية، فهو الشرارة التي اندلعت بعدها التظاهرات والاحتجاجات الشعبية العفوية، ولا يفل دور المعارضة السياسية والنقابية والثقافية ضد الحكم البوليسي، وبالنسبة للنظام العربي المستبد ، بالعودة للنموذجين التونسي والمصري يقول:" إن الأنظمة الاستبدادية هي أعجز وأضعف من أن تصمد أو تتغلب على شعب كسر حاجز الخوف واجمع على تغيير نظامه السياسي وواقعه الاجتماعي"(ص37). وينظر علي حرب بنظرة تشاؤمية لوقف المثقف العربي من الرهانات التي يشهدها المجتمع، لأنه مثقف مازال يبحث في قضايا النهضة والحداثة فيما الفاعلون العرب الجدد قد تجاوزوا الحداثة إلى ما بعدها بانخراطهم في الحداثة الفائقة و السيالة للعصر الرقمي والواقع الافتراضي،، فشباب الشبكة العنكبوتية البطال هو من صنع الثورة أما المثقف فيتعيش منها ليأخذ –بتعبير مفكرنا اللبناني_ شهادة حسن السلوك الثوري او التحرري أو التنويري. ويلتفت إلى مساهمة المرأة في الربيع العربي فتكسرت خرافة الفحولة وقيمة الذكورة، فالمرأة اليوم هي جزء من الثورات الجارية بحيويتها وفاعليتها، كما انه يؤكد على دور "الأجيال الشابة الفتية التي لا تعترف بالأيديولوجيات الإسمنتية والمنظمات الجهادية الإرهابية"(ص45). لقد صدر هذا الكتاب متزامنا مع الثورات العربية وحاول البحث في بعض خصوصياتها وأسئلتها المهمة، لكن هناك الكثير من الإحداث التي وقعت وستقع بعد ذهاب رموز الاستبداد ورجاله، لكن المهمة الثورية تبقى صعبة، للقضاء على أفكار الاستبداد وممارساته، فالتغيير الفكري اصعب من التغيير المادي. وما الأوضاع السياسية والاجتماعية في تونس ومصر وليبيا إلا خير دليل على أن العملية التغيرية ليست سهلة وتحتاج إلى تظافر كل جهود المجموعة الوطنية في ظل الحوار والاعتراف بالآخر وتحييد الجيش. ومن ثمة نحتاج إلى تأملات فكرية أخرى بعد تدخل الجيش للانقلاب على الشرعية، وتحرك نقابة الشغل التونسية ومعها المعارضة لتوقيف المسار السياسي الديمقراطي، وهنا أتساءل: إلى متى يظل العربي يكرر أخطاءه ولا يستفيد من زلاته في التاريخ أو زلات غيره أو جيرانه ؟ولماذا كل من يصل إلى الكرسي يعيد فتح صفحات الاستبداد ويقصي غيره المختلف عنه في السياسة والفكر؟ ولماذا تظل الشعوب تنتظر الاستقرار الأمني والمؤسساتي في ظل التخلف المدني والخراب الاقتصادي والهشاشة الصحية والتعليمية و...؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة لكي نتجاوز هذا الراهن العرب السوداوي، الرجعي، المتخلف، القابع في ذيل العالم والبعيد عن رأسه؟ وتواجه الشعوب العربية (التي شهدت الثورات أو لم تشهدها) تحديات كبيرة لأجل تجاوز الراهن الاقتصادي والسياسي و والاجتماعي المتخلف، من اجل الوصول إلى دولة ملامحها هي: مشهد ديمقراطي، مدني، وحدوي في ظل التعدد والتنوع الفكري والثقافي، تنمية اقتصادية واجتماعية، عدالة القضاء واستقلاليته، وضع الثقة بالكفاءة وليس الولاء العائلي و الجهوي القبلي،حرية التعبير والتفكير، حرية الإعلام وعدم خضوعه لقيود السلطة(الإشهار مثلا) ... هذا الكتاب مهم في مجاله وهو لا يفيد الدول التي شهدت الثورات فقط، بل قد يفيد الدول التي لم تشهد ثورات بعد بصورة أكبر، فهو يقترب من السلطة في المجتمع العربي ويقرأها قراءة تاريخية وفكرية، كما أن صاحبه اسم محترم في عالم الأفكار،قد يحقق التآلف مع مواقفه وقد يصنع الاختلاف، والأكيد ان التحاور أكثر فائدة لمجتمعاتنا قصد الوصول للحظة التاريخية التي تقترب بنا من الآخر الغربي تمدنا وتحضرا وممارسة سياسية ديمقراطية، مع المحافظة على الايجابي في الخصوصي. من دون التطبيل للبقاء في الكرسي والخلود فيه على حساب التداول والتغير وليد بوعديلة- مسؤول ماستر الأدب الجزائري بجامعة سكيكدة