الموسيقي الصاخبة و الألعاب الضوئية قضت على المنافسة بين المنشدين قال شيخ المنشدين محمد الأمين الترمذي بأنه لم يعد هناك مجال للمنافسة بين المنشدين، بعدما تغيّرت مقاييسها و بات أصحاب الأصوات الضعيفة يختفون و راء المحسنات الصوتية و الصخب الموسيقي و الألعاب الضوئية و المؤثرات الفنية. الشيخ الترمذي الذي أحيا منذ أيام حفلا بقسنطينة بمناسبة احتفالات المولد النبوي الشريف تحدث للنصر أيضا عن ألمه لما يحدث في بلده سوريا التي نظم فيها قصيدة يزيد عدد أبياتها عن الخمسين بيتا لخّص فيها ما يشهده بلده من أحداث و ظلم و تقتيل و خراب. كما كشف عن مشروع إعادة تسجيل بعض ألحانه القديمة لكن بتوزيع موسيقي عصري مع أحد المنشدين الجزائريين..و أمور أخرى تقرأونها في هذا الحوار . -بين السماع الصوفي و الإنشاد أين يفضل الشيخ الترمذي أن تصنّف أعماله؟. - السماع الصوفي نوع من الإنشاد الإسلامي الديني يهتم بالجانب الروحي، فهو كالإسلام عبارة عن منهاج شامل بجوانبه العديدة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ،بالإضافة إلى الجانب الروحي " أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"هكذا هو التصوّف، لكن ثمة جانب من الإنشاد يهتم بهذا الجانب الروحي من حيث تزكية النفس و التعلّق بالله عز و جل و بنبيه المصطفى عليه الصلاة و السلام، و هذا الجانب أخلاقي محض ، لأن التصوّف هو علم الأخلاق و تزكية النفس"قد أفلح من زكاها". فالإنشاد و السماع الصوفي يأخذان جانبا من جوانب الدين و نحن في إنشادنا لدينا أناشيد صوفية و أخرى دعوية و أخرى تخص المناسبات الدينية كالمولد و رمضان و الهجرة و الحج و الاجتماعية كالأعراس و الازديان و الختان و عيادة المريض..و غيرها، فالمنشد كالصيدلاني يعطي الدواء على حسب تشخيص الطبيب للداء، فمن غير المعقول أن أقصد بيت رجل رجع من الحج و أنشد له شيئا عن رمضان بل لابد من انتقاء الأناشيد حسبما تقتضيه المناسبة. - في السابق كان أغلب المنشدين مقرئون لكتاب الله، لكن اليوم بات الشباب أكثر اهتماما بالجانب الفني، فما رأيك؟ -بداية لابد من توضيح نقطة مهمة، ليس كل منشد مقرئ و لا كل مقرئ منشد بالضرورة، لكن ثمة ما يجمع الكثير من المنشدين مع المقرئين و هو اهتمامهم بأحكام التجويد و كلما حفظ المنشد من القرآن، كلما ازداد تحكما في مخارج الحروف الصحيحة، و أنا كمنشد أوليت اهتماما كبيرا لأحكام التجويد، لأنني أدرك أهمية ذلك. -في رأيك هل ثمة منافسة حقيقية بين المنشدين اليوم؟ - قديما كانت المنافسة حقيقية و على أشدها، لأن المنشد كان يجتهد لكسب إعجاب آلاف الناس بالاعتماد على صوته فقط و دون مؤثرات صوتية، مثلما هو حال الكثيرين اليوم... فالجميع بإمكانهم خوض تجربة الإنشاد بكل سهولة بفضل المايكروفون و المحسنات الصوتية و الكورال و الآلات الموسيقية التي تدعمهم و تشد أزرهم ..و إذا استمعنا لبعضهم من دون أجهزة و لا محسنات إلكترونية لوجدنا أغلبهم يفتقدون للصوت القوي و الجهوري لأن أصوات أغلبهم أقل من عادية. -اكتسحت النغمة و التأثيرات الموسيقية العصرية فن الإنشاد بين مؤيد لاستعمال المعازف و رافض له، فما رأي شيخ المنشدين في ذلك؟ - بالنسبة لي فأنا على مذهب ابن حزم الأندلسي و الشيخ أحمد الغزالي و أبو حامد الغزالي و يوسف القرضاوي الذين أجازوا المعازف لكن بضوابط معروفة هي أن لا تكون هناك معصية في الكلام و لا في المجلس و أنا عموما لا أنشد مع الموسيقى لكن استمع للأناشيد المرفقة بالموسيقى لغيري من المنشدين كالشيخ النقشبندي و غيره كثيرين. -أحييت الكثير من الحفلات بالجزائر في السنوات الأخيرة، فهل لديك مشاريع فنية فيها؟ - أنا عموما أكتفي عند زيارتي لأي بلد عربي أو إسلامي يستضيفني بنظم قصيدة تقدير و محبة و عرفان لأهله، مثلما فعلت دائما في الجزائر و في قسنطينة التي زرتها لأول مرة عام 1990 ضمن فعاليات ملتقى الفن الإسلامي الأول الذي احتضنته آنذاك جامعة الأمير عبد القادر و شارك فيه جمع كبير من الفنانين الإسلاميين في مختلف المجالات الإبداعية من خطاطين و رسامين و منشدين و شعراء ، و أأسف جدا لعدم استمرار مثل هذه التظاهرات الثقافية الإسلامية المهمة، و لا زلت أذكر بعض ما قلته عن قسنطينة في قصيدة ألفتها خلال زيارتي لها عام 2010 ، تحمل عنوان مهرجان الروح" جاء فيها " مهرجان الروح نعم المهرجان نغم سار له أصغى الزمان..." و عن مشاريعي الفنية في الجزائر فقد تلقيت عرضا من المنشد البليدي يوسف سلطاني الذي اقترح علّي إعادة تسجيل بعض ألحاني القديمة لكن بتوزيع موسيقي عصري و سأزوره بعد يومين لدراسة الاقتراح. -كيف يعيش الشيخ الترمذي بعده عن سوريا الجريحة؟ - بألم و كما يقول المثل " الحق أبلج و الباطل لجلج(الحق يظهر و الباطل لا يدوم) فعندما يخبرنا أقاربنا من داخل سوريا عن القتلى و ضحايا الصواريخ و البراميل المتفجرة و الطائرات فكل ذلك يحزنني و يؤلمني كثيرا. -هل غنيت لسوريا في محنتها؟ - نعم نظمت لها قصيدة شعرية يزيد عدد أبياته عن الخمسين، اختصرت فيها تاريخ سوريا اليوم بين شر الطغاة و محنة الشعب. -ماذا يكون رد فعل الشيخ الترمذي و هو يصعد إلى الركح و لا يجد سوى عددا قليلا من الحضور في القاعة؟ - عندما يكون الحضور كبيرا يكون التفاعل أكبر، لكن إذا حدث و لم يحضر سوى القليل من الناس لأسباب أو لأخرى فإني لا أبخل على الحضور مهما كان عدده بصوتي و أقدم مختارات إنشادية تليق بمقام ضيوفي حتى لو كنت أنا هو الضيف.