قال أنها أبقت فقط على رهان الكفاح من أجل التحرر الرئيس بوتفليقة : أحداث 8 ماي 45 وحدت صفوف الشعب أكد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أن أحداث 8 ماي 1945، وحدت صفوف الشعب الجزائري وأسقطت كل الرهانات، إلا رهان خيار النضال والكفاح من أجل التحرر و الانعتاق. وقال الرئيس بوتفليقة في رسالة بمناسبة إحياء الذكرى ال69 لمجازر 8 ماي 1945 ، قرأها نيابة عنه أول أمس الخميس بالبويرة التي احتضنت الاحتفالات الرسمية، محمد علي بوغازي مستشار برئاسة الجمهورية، "لقد أسرى الثامن من ماي في عروق الجزائريين المعذبين في الأرض حرارة الفداء والتضحية بالدم". وفي هذا السياق أضاف رئيس الجمهورية في رسالته، أن الثامن ماي 1945 "حقق في صفوفهم الإجماع كي تصبح الكلمة لهم وقد صدحوا بها عاليا، وتحولت مأساة مايو إلى أمجاد نوفمبر". "وبالرغم من فداحة النكبة النكراء القاسية - يضيف رئيس الدولة- كان الثامن من ماي 1945 شاهد الإثبات على سقوط كل الرهانات, إلا رهان واحد وخيار لا محيد عنه هو التحرر والانعتاق بالاتكال على الله وعلى الذات ورص الصف حول البندقية للفوز بالخلاص وتحقيق تقرير المصير". و أشار الرئيس بوتفليقة في رسالته إلى أن الجزائريين الذين "خرجوا في مظاهرات سلمية آنذاك قد أعطوا المثل على أنهم الأكثر استجابة وفهما لحركة العالم وللمسار التاريخي الجديد الذي ابتدأ بظهور منظمة الأممالمتحدة، وللمفاهيم التقدمية الداعية لتقرير مصير الشعوب وحماية الحقوق الأساسية للإنسان". وجاء في رسالة الرئيس بوتفليقة أن هذا اليوم "كان حجة كافية سفهت أوهام المغررين بأكاذيب المساواة والاندماج ومن سار في ركابهم من المترددين والمتخاذلين, ومؤشرا على أنه لا مناص للجزائريين أن يدفعوا ثمنا أكبر. و ذلكم ما حصل بعد بضع سنوات عندما اندلعت ثورة نوفمبر المباركة, فكانت المحطة المفصلية الأخيرة التي حددت المسلك لأبناء هذا الوطن ولبلوغ المصير الذي يرتضونه لأنفسهم". للإشارة، فإن الاحتفالات الرسمية للذكرى ال 69 لمجازر 8 ماي 1945 بالبويرة أشرف عليها وزير المجاهدين طيب زيتوني، بحضور المستشار برئاسة الجمهورية محمد علي بوغازي والأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين سعيد عبادو. وبعد ان ترحم الوفد على أرواح الشهداء بمربع الشهداء قام بزيارة متحف المجاهد، حيث أهدى الوزير 174 كتاب تاريخ لجامعة أكلي محند أوالحاج. وعقب ذلك قام الوزير بزيارة مشروع إنشاء 50 مسكنا ترقويا لفائدة مجاهدي الولاية، قبل أن يتفقد مشروع إنشاء مقر جديد لمديرية المجاهدين والاستماع إلى عرض حول إعادة تهيئة مقبرة الشهداء للولاية . كما قام زيتوني بزيارة مركز التعذيب إبان حرب التحرير، بعد إعادة ترميمه بمنطقة تلوات ببلدية أهل القصر جنوب البويرة، قبل أن يختم زيارته بمعاينة مشروع انجاز مركز الراحة للمجاهدين بحمام كسانة ببلدية الهاشمية. ق.و الحقوقي و المؤرخ الفرنسي جيل مونسيرون على الجزائريين خوض معركة قانونية شاقة و طويلة لانتزاع الاعتراف و الاعتذار دعا الناشط الحقوقي و الباحث و المؤرخ الفرنسي جيل مونسيرون الجزائريين إلى مواصلة الضغط على فرنسا من خلال خوض معركة قانونية وصفها بالطويلة و الشاقة لانتزاع الاعتراف بالمجازر التي اقترفتها في حق الشعب الجزائري و إجبارها على تقديم الاعتذار الرسمي عن تلك الجرائم. و أضاف جيل مونسيرون أمام المشاركين في الملتقى الدولي الثاني عشر حول مجازر 8 ماي 45 بجامعة قالمة، بأن ما وقع في هذا اليوم هو جريمة ضد الإنسانية حسب القانون الدولي واصفا انتفاضة ماي الأسود بأنها ثورة ضد الاحتلال و من أجل التحرر. و قال المؤرخ الفرنسي "على الجزائريين مواصلة العمل و الاحتكام إلى القانون الدولي لانتزاع الاعتراف و الاعتذار، لا يجب أن يستسلموا لليأس هذا حق مشروع و أصبح ممكنا في ظل التحولات الدولية و الإقليمية الجديدة، هناك شعوب انتزعت الاعتراف بجرائم ارتكبت في حقها و الجزائريون سيحصلون على هذا الحق إذا ما انتهجوا طريق القانون، هناك من يدعم هذا التوجه داخل فرنسا و هناك حقوقيون و مؤرخون وباحثون شباب يدعمون ذلك من خلال الدراسة و التأليف و تسليط المزيد من الأضواء على أحداث 8 ماي 45 بالجزائر". و حسب المتحدث فإن المعرفة التاريخية قد تطورت في السنوات الأخيرة بفضل جيل جديد من المؤرخين و الباحثين، تمكنوا من تحريك قضية مجازر 8 ماي 45 و الدفع بها إلى واجهة الأحداث و العلاقات الجزائرية الفرنسية بداية من الذكرى الخمسين لتلك الأحداث المأساوية التي كانت غير معروفة لدى الفرنسيين قبل ذلك لكنها أصبحت اليوم محل دراسة واهتمام متزايد داخل فرنسا بفضل باحثين و مفكرين و حقوقيين من الجيل الجديد قدموا مؤلفات و أفلام وثائقية و دراسات تاريخية و وثائق تتحدث عن تلك المجازر. و أضاف جيل مونسيرون أحد أبرز الوجوه التي دأبت على المشاركة في الملتقى "هناك جيل جديد من الفرنسيين يريدون معرفة الحقيقة و هناك فرنسيون آخرون مازالوا مصرين على الرفض و الهروب من الحقيقة، الرأي العام الفرنسي بدأ يتطور منذ 1995 و على الجزائريين أن يستمروا، فانتزاع الاعتراف أصبح ممكنا اليوم و المسار القانوني سيسقط فكرة التقادم، و هناك شعوب حصلت على الاعتراف في السنوات الأخيرة". فريد.غ المدير العام للأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي العرب و المسلمون باركوا انتفاضة 8 ماي 45 و كانوا قاعدة خلفية للجزائر في كفاحها قال عبد المجيد شيخي المدير العام للأرشيف الوطني، أن انتفاضة 8 ماي 45 بالجزائر كانت بمثابة زلزال هز كيان المستعمر و شجّع الجزائريين على رفضه و المطالبة برحيله مدعومين في ذلك من العرب و المسلمين حول العالم. و أضاف عبد المجدي شيخي أمام المشاركين في المتقى الدولي الثاني عشر حول مجازر 8 ماي 45 المنعقد بجامعة قالمة أول أمس، بأن العرب و المسلمين كانوا قاعدة خلفية للجزائر في كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي و أنهم باركوا انتفاضة 8 ماي 45 و دفعوا باتجاه الثورة على المستعمر و برز ذلك بوضوح في القاهرة بعد 3 سنوات من المجازر الرهيبة، حيث اجتمع قادة و علماء عرب و مسلمون من مصر و ليبيا و اندونيسيا لإحياء الذكرى الثالثة للمجازر، و قدموا خطبا داعمة للشعب الجزائري و مباركة للانتفاضة التاريخية أهمها خطب العالمين المفكرين حسن البنا و سيد قطب اللذين أعلنا مساندتهما و دعمهما للشعب الجزائري في كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي. و صرح المدير العام للأرشيف الوطني، بأنه حصل على خطب و بيانات هامة قدمت خلال الاحتفال بالذكرى الثالثة لمجازر 8 ماي 45 بالقاهرة، و قال بأنه سيسلم نسخا من هذه الوثائق التاريخية القيمة لجامعة 8 ماي 45 بقالمة حتى يطلع عليها الباحثون و الطلبة و يكتشفوا المواقف العربية و الإسلامية المشرفة و المساندة للقضية الجزائرية العادلة. و أكد المتحدث، بأنه لا يجب أن نهمل دور العرب و المسلمين الداعمين للجزائر و قاعدتها الخلفية القوية، داعيا إلى دراسة هذا الجانب بعناية من خلال البحث في الأرشيف العربي و الإسلامي في جانبه المتعلق بكفاح الشعب الجزائري و ثوراته الشعبية التي بقيت مستمرة إلى غاية اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 . فريد.غ الذكرى ال 69 لمجازر 8 ماي 45 بقالمة مسيرة شعبية صامتة و دعوات للاعتذار و اعتبار الضحايا شهداء نظمت بقالمة مساء أول أمس الخميس مسيرة شعبية حاشدة في ذكرى مجازر ماي الأسود جابت الشوارع الرئيسية للمدينة و اتبعت نفس المسار الذي سلكه المطالبون بالحرية و المنتفضون ضد الاستعمار الفرنسي قبل 69 سنة. المسيرة كانت صامتة تعبيرا عن الحزن و احتراما لأرواح الضحايا الذين سقطوا برصاص المعمرين، و أحرقت جثثهم في أفران الجير الرهيبة لمحو آثار المجزرة المرتكبة في حق أبرياء عزل خرجوا للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية و مطالبة فرنسا بالوفاء بعهودها و منح الاستقلال للجزائريين. و قد بدأت المسيرة الرمزية من ساحة الكرمات و جابت شوارع عنونة و باب سكيكدة و الساحة الرئيسية للمدينة وصولا إلى الموقع الذي سقط فيه أول شهيد بقالمة، وشارك عدد كبير من سكان قالمة في المسيرة، إلى جانب السلطات المدنية و العسكرية و ضيوف أجانب يتقدمهم الحقوقي و المؤرخ الفرنسي جيل مونسيرون و أشبال الكشافة الإسلامية الذين كانوا في مقدمة انتفاضة 8 ماي 45 و سقط العديد منهم شهداء. و قد أغلق أغلب تجار المدينة محلاتهم عند انطلاق المسيرة، و رفعت النساء الأعلام الوطنية من على شرفات المنازل، ورفع أشبال الكشافة صور ضحايا المجازر و دوت صفارة الإنذار في سماء المدينة في نفس التوقيت الذي بدأ فيه إطلاق النار على المتظاهرين و سقط أول شهيد قرب ثكنة الجندرمة التي أصبحت اليوم ساحة رئيسية بالمدينة يوجد بها نصب تذكاري مخلد للملحمة الشعبية. و جدد سكان مدينة قالمة في بيان قرئ في نهاية المسيرة، مطالبتهم بضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها و الاعتذار للشعب الجزائري، و أسر الضحايا الذين سقطوا بالآلاف في تلك المجازر التي استمرت بعد 8 ماي 45 . و دعا ممثل جمعية 8 ماي 45 بقالمة، إلى ضرورة إيجاد حل لقضية الضحايا الذين مازالوا مقيدين كأحياء بسجلات الحالة المدنية بعد أن اعتبرتهم فرنسا مفقودين للهروب من تبعات الجريمة، و التملص من الملاحقة القانونية. و قالت الجمعية بأنه من غير المقبول بقاء الوضع على حاله بعد 69 سنة، داعية أصحاب القرار و في مقدمتهم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى إصدار مرسوم يضع ضحايا مجازر ماي 45 في منزلة الشهداء. فريد.غ "فيصلي لغريب" قاتل على صهوة جواد يوم الزحف الكبير قضيت 14 سنة في انتظار تنفيذ حكم الإعدام مدير سجن الكدية تعاطف معي حين رأى أمي تبكي بعد أن ألبسوني اللباس الأصفر يقيم في حي شعبي وسط مدينة قالمة ، تقدمت به سنوات العمر فوق التسعين، لكنه مازال يحتفظ بجسد مفعم بالحيوية و النشاط و ذاكرة قوية تختزن تاريخا عظيما من تاريخ الشعب الجزائري الذي تعرض لأبشع قوة عسكرية و احتلال على وجه الأرض. "فيصلي لغريب" الابن المدلل لمزارع غني سكن منطقة لخزارة شرق قالمة و بنى فيها مزارع كبيرة و مساكن تشبه القصور، كانت عائلته الغنية تنافس كبار المزارعين الفرنسيين الذين سيطروا على أجود الأراضي الزراعية بقالمة سنوات قليلة بعد وصول طلائع المعمرين إلى المنطقة قادمين من وراء البحر. كبر الطفل المدلل وسط الخيرات و الجاه و التقدير و الاحترام الكبير الذي يكنه الأهالي للعائلة الغنية التي لم تبخل بمالها و زرعها على الفقراء من أبناء المنطقة الذين صودرت أراضيهم و هجروا قسرا إلى رؤوس الجبال تقتلهم المجاعة و يساقون بالسياط للعمل خماسة لدى مالطيين اغتصبوا الأرض و استعبدوا أمة مستضعفة صبرت طويلا على ليل الاستعمار و أدركت في النهاية بأن هذا الليل القاتم الطويل يجب أن يزول بالقوة و الدم و النار. كان الرجل ثائرا متمردا ناقما على المزارعين المالطيين و الإدارة الفرنسية بقالمة، كان يخطب في الناس و يدعوهم للثورة و رفض قرارات الإدارة الفرنسية بقيادة السفاح "أندري آشياري" ، كان يجوب القرى و المشاتي ينشر الفكر الثوري بين السكان، يعشق ركوب الخيل و حمل السلاح و ممارسة الصيد حتى خيل للبعض بأنه ابن "قايد" أو حاكم كبير لكنه لم يكن سوى فتى جزائري حر لم يعد يحتمل رؤية الفقراء و هم يأكلون الحشائش البرية حتى لا يهلكهم الموت جوعا و يتوسلون للمعمرين كي يقبلوهم عبيدا في مزارع القمح و الكروم. مازال الرجل يكره فرنسا إلى اليوم، هو واحد من أبطال ملحمة 8 ماي 45 بقالمة الذين سجلوا تاريخا عظيما و مواقف بطولية خالدة مازالت أسرارها بين ثنايا الأرشيف الفرنسي الأسود، و في ذاكرة الرجل الثائر المتمرد المحكوم عليه بالإعدام في محاكمة جنائية عسكرية بقسنطينة أشرف عليها قاضيان فرنسيان برتبة عقيد و نشرت تفاصيلها المثيرة على صدر الصفحات الأولى للجرائد الصادرة في ذلك الزمن الملحمي الخالد، كان بطلا حتى و هو مقيد بالسلاسل و الأغلال تحدى القضاة واعتبر حكم الإعدام الصادر في حقه بسجن الكدية الرهيب نصرا للقضية الجزائرية و بداية حقيقية لثورة المستضعفين. التقت به النصر عشية الذكرى 69 لمجازر ماي الأسود و نقلت عنه شهادة حية تروي وقائع الأيام الحزينة و تعيد رسم صورة حقيقية للمشهد الدرامي المثير و أساطير بطولة خالدة لجزائريين شرفاء اختاروا الموت بالرصاص و حرقا داخل أفران الجير الرهيبة على البقاء تحت ليل الاستعمار الطويل. قبل أن يبدأ الحديث طلب منا أن ننقله من منزله بحي فنجال وسط المدينة إلى وادي المعيز و بالتحديد قرب مجرى مائي تغطيه أشجار زيتون معمرة عند المدخل الجنوبي لحي وادي المعيز الذي كبر بسرعة و صار امتدادا لمدينة قالمة الجديدة هنا على طريق عين العربي بدأت القصة المثيرة مع الموت و السجن و المحاكمات العسكرية و الحرية. يقول لغريب فيصلي و هو ينظر إلى منحدر صغير يفصل بين الطريق و الحي العتيق تتخلله أشجار زيتون ضاربة في أعماق التاريخ " هنا قتلت اثنين من الفرنسيين رميا بالرصاص ردا على مجازر رهيبة ارتكبت في حق جزائريين عزل خرجوا في مظاهرات سلمية بمدينة قالمة احتفالا بنهاية الحرب العالمية الثانية قتلوا منا الكثير في ذلك اليوم الأسود، لم يفرقوا بين الرجال و النساء، كنت أرى كيف كانوا يطلقون النار بكثافة على المتظاهرين العزل الحاملين للأعلام الوطنية، كان بومعزة السعيد أول شهيد يسقط مساء الثامن ماي 1945 تلقى رصاصات قاتلة و سقط على الفور قرب الزنقة الضيقة و سادت الفوضى، و سادت لغة الرصاص في أرجاء المدينة هربنا في كل الاتجاهات حتى لا نقع في مرمى نيران المعمرين الذين كانوا يطلقون النار و يتلقون الأوامر من رئيس الدائرة و حاكم المدينة أندري آشياري، خرجت من الحصار رفقة مجموعة من سكان القرى و المشاتي الواقعة شرق قالمة الذين دخلوا قالمة صباح ذلك اليوم للمشاركة في الاحتفال، خرجنا و تركنا المدينة الحزينة تنزف دما لقد عاثوا فيها فسادا في تلك الليلة، كان الألم يمزقني، لقد غدروا بنا، لم أنم تلك الليلة و جمعت رجال المشاتي و القرى و طلبت منهم الاستعداد للزحف على مدينة قالمة من الشرق و نصرة إخواننا المحاصرين، كل من لديه سلاح أحضره، بنادق صيد فؤوس و سكاكين و قليل من الزاد كنت أنا قائد الزحف امتطي جوادا قويا و أحمل بندقية ذات قوة نارية كثيفة كنت الوحيد الذي يحوز هذا السلاح و الوحيد الذي يمتطي جوادا، قصدنا مدينة قالمة صباحا و سمعنا أن الحشود قادمة أيضا من مناطق أخرى من الغرب عبر الأرض الكحلة، و من ماونة عبر طريق عين العربي، في طريقنا إلى قالمة كان سكان المشاتي يقتحمون مزارع المعمرين و يأكلون الفول بنهم كبير كانوا جياعا و شعرت بالأسى للحال التي صار عليها أبناء وطني المحتل و صرت أكثر شجاعة و تصميما على مواصلة الزحف و اقتحام المدينة لطرد المعمرين و تحريرها و إنهاء الاحتلال البغيض و إعادة الأرض إلى الفقراء الجياع الذين رأيتهم أول مرة يقتحمون مزارع المعمرين و يأكلون الفول الأخضر بنهم، أنا ابن مزارع غني لم أعرف معنى للفقر و الجوع رأيته أول مرة و أنا أقود الزحف القادم من الشرق و قررت أن انتقم لهؤلاء الجياع و الضحايا الذين سقطوا برصاص المعمرين بأزقة قالمة يوم الاحتفال قررت أن أقتل أي معمر تراه عيني حتى اسقط شهيدا في سبيل الله و الوطن و الحرية". يتوقف الرجل عن الحديث و تملأ الدموع عينيه و هو ينظر إلى المكان "هنا قتلت معمرين فرنسيين و ربما مالطيين رجل و زوجته كانا قادمين من مدينة قالمة على متن عربة يجرها حصانان على طريق عين العربي و عند وصلوهما إلى سفح جبل ماونة أجبرتهما الحشود القادمة من هناك، على العودة إلى قالمة و عند وصلهما إلى وادي المعيز كنا نحن هناك، رأيتهما يشقان الحشود بقوة و عنف و الناس تهرب و تختفي خوفا منهما فانتظرتهما حتى خرجا من مجرى الوادي و صوبت الطلقة الأولى التي أصابت الحصان الأيسر فسقط و مسكه المعمر من أذنيه يحاول إنقاذه و دفعه لجر العربة و في هذه اللحظة وجهت الطلقة الثانية إلى صدر الرجل فسقط ثم أطلقت أخرى على زوجته فسقطت هي الأخرى كما سقطت نساء جزائريات بمدينة قالمة يوم 8 ماي الحزين، لقد أعطوا لنا مبررا لقتلهم بعد أن ارتكبوا المجزرة ثم أنهم محتلون لوطننا يجب أن نقاتلهم حتى يخرجوا منه هكذا كنا نفكر و نكتسب الشجاعة لقتالهم و هكذا قلت لقضاة المحكمة العسكرية الرهيبة بقسنطينة". بعد تنفيذ العملية تراجع المهاجمون إلى سهول بلخير و لخزارة بعد تحرك قوات العدو باتجاه وادي المعيز و بقي لغريب فيصلي متخفيا بين الحقول و البساتين بحثا عن معمرين آخرين كانوا يحتمون داخل مزارع كثيرة تغطي المنطقة الممتدة بين قالمة و لخزارة و حمام النبائل و عين العربي. لقد سيطروا على كل الأراضي الخصبة و حولوها مزارع للعبيد، عندما حل الظلام قرر الرجل تنفيذ هجوم آخر على مزرعة المعمر المالطي "دوبا" على طريق لخزارة "دخلت متخفيا بين الأشجار حتى لا يراني هو يملك سلاحا و قد يصيبني قبل أن أصل إليه كنت أعرف أنه متحصن و يراقب كل حركة من وراء الأسوار رأيت رجلا أمامي بين الأشجار يتخذ وضعية المحارب بيده بندقية و لا يتحرك اقتربت منه و لما لمسته سقط أرضا لقد عرفته، هو واحد من أبطال منطقة الصفاحلي بحمام النبائل كان ضمن مجموعة هاجمت المزرعة نهارا لكن المعمر المالطي تمكن منهم، و قضى عليهم الواحد بعد الآخر، وجدت جثثا أخرى حول المزرعة و طلبت مساعدة المجموعة التي كانت معي فلم أجد منهم أحدا لقد اختفوا بسرعة و تركوني وحدي بمزرعة "دوبا" فقررت الانسحاب بعد ترصد طويل للمعمر لكنه لم يظهر ربما يكون قد فر إلى المدينة أو بقي متحصنا خلف أسوار المزرعة". انتشرت رائحة الموت في كل مكان بكاف البومبة، في أفران الجير، الثكنة القديمة المحجرة ثكنة الجندرمة الأرض الكحلة نادي الكشافة و شوارع المدينة الجريحة لا شيء إلا الرصاص و الموت و المداهمات الليلية و الإعدامات الجماعية، لقد بدأت مسيرة التحرر كما أرادها فيصلي لغريب لكنه لم يشارك في الملحمة الكبرى بعد 10 سنوات من مجازر ماي الأسود، ثورة نوفمبر الخالدة، لقد ألقوا عليه القبض بعد تنفيذ عملية وادي المعيز و قادوه إلى سجن الكدية بقسنطينة و صار بطلا قوميا خلال المحاكمة العسكرية الشهيرة. عذبوني بعين العربي و تحديت قضاة المحكمة العسكرية "بقيت متخفيا بين الحقول و منازل المواطنين قرب بن سميح، نصحوني بأن أغادر المنطقة لكنني رفضت و عدت إلى منزل العائلة في صباح اليوم الموالي أفقنا على قوة عسكرية كبيرة تطوق المكان و عرفت أنهم تمكنوا مني ، قبضوا علي و قادوني مكبلا إلى ثكنة الجندرمة بعين العربي و هناك تعرضت لتعذيب أفقدني عقلي و أصبت بإغماء لكنني قاومت الانهيار، بقيت صامدا فقرروا نقلوني إلى سجن الكدية بقسنطينة و أحالوني على محكمة جنائية عسكرية يرأسها قاضيان برتبة عقيد. كانت عائلتي غنية فعينت أربعة محامين للدفاع عني بينهم جزائري يدعى بابا أحمد و يهودي و فرنسيان، دافعوا عني بقوة خلال أربع جلسات جنائية متباعدة و كنت في كل مرة أنا المحامي الحقيقي أدافع عن نفسي بقوة و أدافع عن وطني، و عن الضحايا الذين سقطوا و عن الأرض المغتصبة. لم أكن خائفا كنت شجاعا أمامهم حتى عندما أحضروا بندقيتي و طلبوا مني مسكها تملكهم الرعب و انقضوا علي داخل قاعة الجلسات شعرت بالفعل أنني أدافع عن قضية عادلة و أن ما قمت به في وادي المعيز كان دفاعا شرعيا عن النفس و الوطن و الدين و الشعب المضطهد. و رغم هذا الشعور لم اعترف أمامهم بأنني أنا من قتل المعمرين و طعنت في شرعية الشهود الذين أحضروهم و كلهم جزائريون يعملون خماسة بمزارع المعمرين، مساكين أجبروهم على الشهادة و جاؤوا بهم طائعين مستلمين كنت أشفق عليهم كلما دخلوا قاعة المحكمة أنا أعرفهم و هم يعرفونني، و قلت للقاضي بأن هؤلاء الفقراء من أبناء وطني المحتل أجبروهم على الشهادة ضدي بدون وجه حق، دافعت بقوة عن نفسي و عن هؤلاء الشهود و أثرت دهشة القضاة و المحامين و منظمات حقوقية و صحافيين حضروا سلسلة المحاكمات الطويلة التي بلغت 7 محاكمات كاملة أربع و أنا في سجن الكدية بقسنطينة و ثلاث بسجن سركاجي بالحراش". حكموا علي بالإعدام و ألبسوني لباسا أصفر أبكى أمي بسجن الكدية كان القضاة مصممين على إعدام الرجل رغم إنكاره و رغم الدفاع استماتة المحامين في الدفاع عنه فالقضية ليست قضية جنائية بالمفهوم القانوني بل هي قضية وطن محتل و قوة مستعمرة تريد إجهاض الثورة بكل الوسائل و القضاء على كل ثائر متمرد ، وصدر حكم الإعدام الرهيب و تصدر الصفحات الأولى للجرائد الصادرة آنذاك. "حكموا علي بالإعدام و ألبسوني لباسا أصفر لم أراه من قبل و أحضروا أمي كي تراني، كنت أعرف بأنهم سيرفضون الطعن بالنقض و سينفذون الإعدام، سألتني أمي عن اللباس الأصفر و عن الملابس التي أرسلتها إلي و أنا في السجن فقلت لها بأني غسلتها و لم تجف بعد فلبست هذا اللباس، حاولت لكنها عرفت في النهاية بأنه لباس المحكوم عليهم الإعدام، بكت و طلبت مني إلقاء نظرة على ابنتي فاطمة التي اصطحبتها معها ثم غادرت حزينة و مدير السجن يراقبها من بعيد و بعد خروجها تقدم مني طالبني بالصمود و الشجاعة، و أخرجني من زنزانتي و أخذني إلى منزله و أقام مأدبة عشاء فاخرة على شرفي و أقسم بأنه لن يترك مكروها يصيبني ما دمت في سجن الكدية، و هو السبب الذي يكون وراء تحويلي إلى سجن سركاجي ربما اكتشفوا تعاطف مدير السجن معي، ربما كان سيطلق سراحي بعملية فرار مدبرة لكنهم سبقوه و حولوني و لست أدري كيف كان مصير مدير السجن بعد ذلك. لقد قبلوا الطعن بالنقض لكنهم أيدوا حكم الإعدام و بقيت انتظر التنفيذ 14 سنة لكن الثورة الخالدة التي اندلعت في الفاتح نوفمبر 1954 أخلطت حساباتهم و عطلت تنفيذ الإعدام و اضطروا إلى إطلاق سراحي أشهر قليلة قبل وقف إطلاق النار عدت إلى عائلتي و أرضي و وطني و كأنني ولدت من جديد. وجدت ابنتي فاطمة قد صارت امرأة و أشياء كثيرة تغيرت بفضل الثورة المقدسة، لم يعد المعمرون يحكمون سيطرتهم على الأرض و المستضعفين كان فجر الحرية يلوح في الأفق بقيت أشهرا قليلة متخفيا وراء جبال ماونة خوفا من انتقام المعمرين الذين كانوا يستعدون للرحيل عن وطني". و مازال لغريب فيصلي عضوا نشطا في جمعية 8 ماي 45 بقالمة، يشارك سكان المدينة كل سنة الاحتفالات المخلدة لذكرى المجازر الرهيبة، لكنه اختار العزلة في السنوات الأخيرة بعد أن تقدمت به سنوات العمر و تكاد تقعده عن الحراك و المشي بين شوارع و أزقة المدينة العتيقة و مسرحها الروماني الكبير، أين كان يخطب في الناس و يدعوهم للثورة على الاستعمار و الموت في سبيل الوطن.