عن منشورات الاختلاف/ الجزائر، وضفاف/ لبنان، والأمان/ المغرب، صدر كتاب جديد للكاتبة والباحثة سامية بن عكوش، الكتاب بعنوان "تفكيك البلاغة/وبلاغة التفكيك في نصوص المواقف للنّفريّ"، ويمتد على مدى 166 صفحة، وفيه تقدم الباحثة لقراء العربية دراسة بلاغية- تفكيكية ذات أبعاد أنطولوجية على نصوص المواقف للصوفيّ محمد عبد الجبّار النّفريّ من القرن الرابع الهجريّ. الدّراسة مدارها النّص التراثيّ الصوفيّ وعدّتها المعرفية غربية معاصرة. استمدت مفاهيمها التطبيقية بعد طول تأمّل في ممارسات رائد التفكيك جاك دريدا، وكذا أتباعه من نقاد التفكيك بول ديمان، رولان بارث وجوليا كريستيفا. من جهة أخرى شغّلت مفاهيم أنطولوجية أساسية حسب هايدغر. وعن توجه هذا الكتاب، صرّحت الباحثة للنصر: "يتأسّس هكذا مسعى نقديّ على تعريف خاص وجديد للتراث وللتاريخ وللهوّية. ينبني الفهم الجديد للتاريخ على مفهوم الزمانية في أصالتها حسب هايدغر، يرى فيه الماضي على أنّه ما ينفك يمضي والحاضر على أنّه ما ينفك يحضر. فيكون التراث وفق هذه الرّؤية أمامنا وحولنا، لا وراءنا. مما يسمح باستمرارية تواصلنا معه في زمن القراءة الذي هو زمن الحضور الأصيل". الباحثة بن عكوش، أضافت في سياق توضيحها للمعطى الذي ارتكزت عليه في دراستها: "ضمن هذا الفهم الجديد للتراث، فإنّ النّفريّ ينخرط في حوار معرفيّ مع أطروحات التفكيك الدريديّ والأنطولوجيا الهايدغرية. وأجد مسوّغات منهجية لهذا الحوار، وإحداها إمكانية التزامن بين تجارب الثلاثة رغم التباعد الزمنيّ المشهود، انطلاقا من مفهوم الزمانية الذي يضمن إقبال النّفري وهايدغر ودريدا نحو بعضهما البعض، في زمن الحضور الأصيل. وثانيهما اضطلاع تجربة الوقفة بسؤال إمكان الكينونة بين الواقف واللّه، كما تتأمّل إمكانية الكينونة من خلال بنيات المعنى التي تكشف عنها التجربة: الكلام بين علماء الشّريعة والفلاسفة، الكلام الداخليّ الذي يدور في جوانية الواقف، القراءة في النّقش الإلهيّ الداخليّ وفي النّص القرآنيّ. وإذ بدت البنيات الأنطولوجية السّابقة في توتر واضطراب مستمرين، فإنّها بنيات مجازية، يحيق بها عجز أصلانيّ على إنجاز المعنى. وبهذا تقترب نصوص المواقف من مفاهيم تفكيكية- أنطولوجية". الباحثة بن عكوش، رصدت في مؤلفها الجديد، ترسانة من المفاهيم البلاغية لمقاربة سؤال الكينونة مع اللّه. وفي ذات الوقت، تشتغل هذه الترسانة وفق مفهوم الشبكة البارثيّ، حيث تتشابك المفاهيم وتتداخل وتتظافر، دون هوادة، قصد القبض على معنى التجربة الحبّية الإلهية ذات الأبعاد الكونية. وعلى مدار فصلي الدراسة التطبيقية، يشتغل مفهومان أساسيان، ألا وهما: الاشتغال الأنطوبلاغيّ والاشتغال الأنطولغويّ، استمدتهما الباحثة من النّاقد المصريّ حسام نايل الذي وظفهما في دراسة تجربة حبّية إنسية في رواية معاصرة. وعن هذا الاستلهام والتوظيف تقول بن عكوش: "إنّ هكذا ارتحال مفاهيميّ من تربة نص روائيّ، إلى صعيد نص تراثيّ صوفيّ، يضع المفهومين في اختبار لقوتهما وصمودهما في النّص الجديد، أو تهافتهما. وسيشمل الاختبار مجموعة أخرى من المفاهيم البلاغية: مفهوم الذات المجازية والعلاقة الإستعارية بين الذات الكاتبة والقارئة، ونصي المتعة واللّذة، السّيميائيّ والرّمزيّ، حسب بارث وجوليا كريستيفا. وأتغيا من خلال المقاربة إلى كشف مدى قدرة المفاهيم المعاصرة في إمداد الدّرس التفكيكيّ بالأدوات النّاجعة لتحليل كشوفات الواقف. إنّه درس مختلف، يعيد صياغة علاقتنا بالموروث البلاغيّ. فتتحوّل علاقتنا بالمفاهيم البلاغية، من مجرد الاستشهاد والتمثيل والتصديق، إلى الشكّ والاختبار والتقويم". الكتاب سيكون ضمن الإصدارات الجديدة المتواجدة بصالون الجزائر الدولي للكتاب نهاية هذا الشهر. حيث سيجده القاريء في جناح منشورات الاختلاف، ولهذا العمل حكاية أخرى عند الباحثة سامية بن عكوش، كلها شغف وسفر في المعرفة، إذ تقول: "لهذا العمل مكانة خاصة عندي، لأنّ بوادر الدّهشة ذاتها تجتاحني، كلّما أعدت قراءة نصوص المواقف للنّفريّ. وهو حال كلّ لقاء بنص عظيم، يجمع الجمال والجلال".