أساتذة و باحثون يقرون بصعوبة ترجمة كاتب ياسين إلى لغات غير الفرنسية انطلقت بجامعة قالمة أمس أشغال الملتقى الدولي الأول حول حياة و مؤلفات الأديب العالمي كاتب ياسين تحت شعار "الدراسات الكاتبية و جمالية الحداثة و نظرية المعرفة" بمشاركة أساتذة وباحثين من تونس و الجزائر بينهم رفيق الأديب بن عمر مدين و الباحثة التونسية المهتمة بأدب كاتب ياسين زينب علي بنالي و أحمد شنيقي من جامعة عنابة و غاب مدعوون كثيرون من فرنسا و الجزائر تعذر عليهم الحضور لكن البعض منهم أرسل مداخلات قرأت في افتتاح الملتقى بينها مداخلة قيمة للباحث الجزائري سعيد بوطاجين حول إشكالية ترجمة النصوص الفرنسية الأصلية لكاتب ياسين إلى العربية ولغات أخرى. و أقر باحثون و أساتذة جامعيون في مداخلات اليوم الأول بأنه من الصعب ترجمة مؤلفات الأديب إلى اللغة العربية و لغات أجنبية أخرى غير الفرنسية اللغة التي اختارها ياسين لكتابة روائع نجمة و المضلع الكوكبي و الجثة المطوقة و مؤلفات شعرية و روائية أحدثت ثورة في الأدب العالمي و المغاربي الحديث. و تطرقوا أيضا إلى فنيات الكتابة الحديثة عن كاتب ياسين و قدرته على المزج بين الفرنسية و العربية و العامية الجزائرية و تطويعه للفرنسية بالتوظيف المميز للكلمات و أضدادها في أكثر من موقع برواية نجمة و المضلع الكوكبي و غيرها من مؤلفات الأديب الروائية و المسرحية و الشعرية ، و قالوا بأنه لا يمكن الفصل بين السياق الزمني و الظروف التي كان يعيشها الكاتب و بين النص الروائي و الشعري و حتى المسرحي الذي ألفه و أبدع فيه مستعملا تقنيات لغوية و أساليب عصية على الفهم و التطويع و حتى على الترجمة إلى غير الفرنسية اللغة الأم للنص الكاتبي. الكاتب والمترجم سعيد بوطاجين «لو ترجمت نجمة مائة مرة لما وصلت إلى الترجمة المثالية التي أريدها» قال الأديب الجزائري السعيد بوطاجين الذي غاب عن الملتقى و بعث بمحاضرة قرأها الأستاذ عبد الغني خشة من جامعة قالمة نيابة عنه بأن « ترجمة نجمة ، تعد كأي ترجمة أخرى ، مقاربة من المقاربات الممكنة. و أتصور أني لو أعدت ترجمتها لقمت بعمل مختلف نسبيا، و لو ترجمتها مائة مرة لما وصلت إلى الترجمة المثالية التي أريدها، لأني أرى كما ممارسي الترجمة، أن الترجمة الدقيقة و النهائية تتمثل في نقل النص بلغته الأصلية، دون أي تحوير له.» و تطرق سعيد بوطاجين في مداخلته إلى الترجمة السورية لنجمة و قال بأن «الاختلافات الموجودة بينها و بين الترجمة الجزائرية هي اختلافات طبيعية لأنه يتعذر على أي كان ، مهما كانت عبقريته و قدراته أن يكون آمنا و دقيقا ، بالمفهوم المتواتر في بعض ما جاء في نظرية الترجمة ، أو في بعض النقد المتكئ على الأرائك ، أي ذاك الذي لا يواجه الكتابة بقدر ما يتحدث عن الواجبات ، دون أن يقوم بواجبه». و رغم إقراره بصعوبة ترجمة النص الأصلي لإبداعات ياسين المميزة و خاصة رواية نجمة يرى سعيد بوطاجين بأن هذه الترجمة ضرورية لعدم توفر الرواية باللغة العربية في السوق الجزائرية و أيضا من اجل توطين الرواية و هو أمر في غاية الأهمية إن لم يكن أحد الأهداف القاعدية للمبادرة الجزائرية الرامية إلى جزأرة نجمة أي إعادتها إلى بلدها و سياق إنتاجها و هويتها ، و من ثم البحث عن الطريقة المثلى في التعامل مع عناصر كثيرة من شأنها أن تعيد إليها جنسيتها. و أضاف السعيد بوطاجين بأن عودة نجمة إلى جنسيتها الأصلية و تحررها من الجنسية الفرنسية مرهون بمعرفة دقيقة للحقل المعجمي و تقنيات الجملة السردية و العلامات الدالة و مرجعية الكاتب و التفكير في كيفية نقل مستويات ما أسماه بالحوارات و الحوارات الداخلية لغويا و أسلوبيا و تقريب أشكال القول إلى المحيط الذي ولدت فيه نجمة أي الجزائر كما قال. و يري المتحدث بأن التوطين الناجح لرواية نجمة يحتاج إلى أمرين اثنين الأول الاجتهاد في التعامل مع الرمز و الاستعارة ، و هما سيمتان مهيمنتان على الرواية ، خاصة عندما ينتقل الكاتب من الجملة الحاكية إلى الجملة المحكية ، أو من الناقلة للحالة و الفعل ، إلى الجملة الشاعرية التي ستصبح موضوعا من الموضوعات، أي هدف في حد ذاته و ليست شكلا لغويا بسيطا يهتم بالكشف عن الحالات و نقل الأحداث بطريقة مبسطة و واضحة، لأن اللحظات التي يتم فيها تسبيق الشاعري على الخبري ، هي لحظات يصبح فيها المعنى في درجة أدنى، ذلك أن الكاتب فيها يهتم بشكل السرد، أما مضمونه فينتقل إلى مرحلة غامضة سديمية، إلى مرحلة من اللبس و العمى بحيث يتعذر الوصول إليه في مقاطع، لنقل إلى مرحلة غير ضرورية للحكاية. و الأمر الثاني لتوطين نجمة و إعادتها إلى جنسيتها الجزائرية حسب السعيد بوطاجين هو الانتباه إلى المستويات السردية، ذلك أن كاتب ياسين ينتقل من النثر المباشر، إلى مستوى شاعري حقيقي له خصوصياته و مقوماته و مقاصده، مضيفا بان هذا الأمر يستدعي تقمص شخصية الشاعر من أجل الحفاظ على المقاطع التي أرتقت بالنثر إلى حالة من الشعر المبهم أحيانا، أي من ذلك النوع الذي يجعلك تترجم و تعيد الترجمة عدة مرات دون أن تحقق ما تريده بالشكل الذي تريده، و مع ذلك كان من الضروري احترام خيار الكاتب لان ذلك لم يكن عبثا أو مجرد ترف ذهني لا وظيفة فنية و دلالية له. الباحثة التونسية زينب علي بنالي ياسين تعرض لصدمتين عنيفتين و صار بعدهما كاتبا كبيرا ترى أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة باريس 8 بفرنساالتونسية زينب علي بنالي بان الحداثة و جمال اللغة عن كاتب ياسين بدأت بعد أحداث 8 ماي 45 و انتقال الأديب إلى مدينة عنابة أين التقى بقريبته نجمة الكبلوتية التي يعتقد أنها هي نجمة الرواية و ربما الثورة و الجزائر و الحرية و الأرض لا أحد يمكنها معرفة من هي النجمة الحقيقة عند ياسين الذي تقول بأنه تمكن من اللغة الفرنسية و أدخل عليها تقنيات و أساليب حديثة و كان وفيا لوصية أبيه المحامي الذي قال له ذات يوم "إن اللغة الفرنسية هي التي تحكم فينا و عليك أن تحكم فيها ثم تعود إلينا"، وقال ياسين بعد هذه الوصية المؤثرة بأن والده وضعه في موقف حرج وصعب ، وضعه "في فم الذئب" كما أشار إلى ذلك في رائعة المضلع الكوكبي، و من يقع في فم الذئب أو الغولة إما تبتلعه أو يبقى فمها مفتوحا كما قال الأديب متحدثا عن وصية والده عشية أحداث 8 ماي 45. و حسب المتحدثة تعد هذه الوصية بمثابة أول صدمة نفسية بسيطة يتلقاها كاتب ياسين و هو لم يتجاوز 15 سنة و جاءت بعدها الصدمة الكبرى أحداث 8 ماي 45 بسطيف و دخوله السجن و طرده من الدراسة ثم جاءت الصدمة الثانية صدمة الحب و الثورة مع نجمة و الجزائر و كان لهاتين الصدمتين الأثر البالغ في حياة كاتب ياسين و مؤلفاته التي تبقى في حاجة إلى مزيد من البحث و الدراسة الأكاديمية و التدريس بالجامعات الجزائرية. و قالت زينب بن علي المهتمة بأدب كاتب ياسين بأنها قرأت أشعار الأديب بعد السجن و كانت أشعارا معبرة عن الحالة النفسية التي يعيشها بعد تعرضه لصدمة الوصية السجن و رؤيته لحالة الجزائريين وهم يتظاهرون في الشوارع للمطالبة بالحرية. ثم جاءت الصدمة الثانية الحب و الثورة و رائعة نجمة التي بدأت فصولها بمدينة عنابة موطن العصرنة و الحداثة الاجتماعية في ذلك الوقت ، كانت بلغة بسيطة و تقنيات سرد مثيرة تروي تاريخ الجزائر من ثورات المقراني الحداد إلى انتفاضة ماي و بداية مسيرة التحرر. و تعتقد الباحثة بأنه لولا هاتين الصدمتين العنيفتين لما كان كاتب ياسين المبدع العالمي المميز و لما حدثت القطيعة بين ياسين المهاجر إلى عنابة و عائلته و بين ياسين و المستعمر الذي قتل و سجن شعبا خرج يطلب الحرية. و دعت الباحثة زينب بن علي و متدخلون آخرون في اليوم الأول من الملتقى إلى ضرورة تكثيف الدراسات و الأبحاث و عقد المزيد من الملتقيات حول مؤلفات كاتب ياسين التي تعد إرثا ثقافيا و حضاريا للأمة الجزائرية كما قالوا لكن هذا الإرث الثمين مازال غير معروف بالشكل المطلوب في الأوساط الجامعية و الأكاديمية بالجزائر.