مرت اليوم 67 سنة على المجازر الدامية والمأساوية التي شهدتها خراطة (70 كلم شرق بجاية) شهر ماي 1945 و لكن النسيان لم يكتنف هذه الفترة المرعبة التي عاشها أهل هذه المنطقة حيث لا يزال الذين نجوا من غدر وبطش الاستعمار إلى اليوم ينتفضون ألما كلما تذكروا تلك الأيام الجهنمية مثلما يسمونها. وكيف لا يسمونها كذلك و قد رأوا بأم أعينهم "المتعة" السادية التي كانت تعتري جنود فرنسا وهم يسمعون صوت تحطم أجساد الجزائريين عندما ترتطم بالصخور و يرتفع دويها من أعماق واد "شعبة الآخرة". وكان أول من رمي به في هذا الوادي هو السيد "اعراب حنوز" الذي كان يشتغل عونا طبيا بخراطة .وقد تم رميه وهو حي برفقة طفليه الاثنين من أعلى الجسر بعد تقييد أرجلهم و أيديهم بأسلاك حديدية. وكان العسكر الفرنسيون يتلذذون بهذه الأعمال البشعة ويلعبون برمي الجزائريين أحياء .وكانوا في كل مرة يسالون رؤسائهم "هل نرمي" ليجيب هؤلاء بنفس الحقد الممزوج بالمتعة "نعم تخلصوا منه" و كأنهم يتحدثون عن "طرد مزعج". ومن الناجين بأعجوبة من هذه المجزرة "دا لحسن بكوش" الذي لا يزال و قد بلغ به العمر عتيا( 84 سنة) يرتجف رعبا من ذكرى تلك الأيام التي رأى فيها "جهنم عن قرب". وهو يظن - دون أي يقين- أن العسكر الفرنسي قد أخلوا سبيله بسبب صغر سنه إذ كان آنذاك ابن 17 سنة فقط لكنه يعود و يتذكر أن الجنود قد قتلوا أطفالا أصغر منه سنا. ومن جهته يروى السيد خالف عبد القادر أن المنطقة آنذاك كانت منهكة بالفقر و العيش الضنك بحيث لم يكونوا يستفيدون سوى من 3 كلغ من الشعير عن كل شخص و لشهر كامل" قبل أن يقول متهكما " تلك كانت منافع الاستعمار". وكانت بداية المأساة يوم 9 ماي غداة التظاهرات الدامية التي شهدتها سطيف حيث التقى قرويو المنطقة بخراطة للمشاركة في مسيرة سلمية تضامنا منهم مع الضحايا بما فيهم الشهيد بوزيد شعال الذي كان ابن منطقة "جرمونة". و حدث أن خرج أحد المتظاهرين و هو الشاب "شيباني الخير" من صفوف المسيرة بالقرب من مقر بريد المدينة فرماه قابض البريد بالرصاص و أرداه قتيلا دون سابق إنذار مما أثار المتظاهرين. و يتذكر "دا لحسن بكوش" أن المتظاهرين انتفضوا كلهم كرجل واحد و انه قام بجلب صفيحة من الوقود من محطة مجاورة و أشعل النار بمكتب البريد ما أدى إلى "موت موظف جزائري كان بداخله عن خطأ " .وتفاقمت الأحداث وقام المتظاهرون باحراق عدة بنايات قبل أن تتدخل قوات الاستعمار. و يواصل السيد "عليق سعد" الذي يعد أيضا أحد شهود هذه المجازر سرد المأساة بقوله أنه أحصى 20 جثة على الأقل بوسط المدينة في حين كانت تترائ عشرة جثث أخرى مترامية بمخرجها . كما عمد العسكر على تمشيط كل القرى المجاورة مع الحرق و التقتيل دون هوادة. و يتذكر هذا الناجي أن جنود اللفيف الأجنبي المعروفين بقبعاتهم البيضاء قد دخلوا بيت عائلته و قلبوا أثاثه رأسا على عاقب قبل قتل كل من كان بداخله بالرصاص. و كان الطفل عليق سعد مختبئ وراء صخرة قريبة من بيت أهله حين شهد بأم عينه أمه وأبوه و أخويه الاثنين و أخته الصغيرة و هم يقتلون الوحد تلو الآخر. كل ذلك يرويه السيد عليق و عيناه قد اغرورقت بالدموع من قساوة هذه الذكريات. كما أكد أن فاجعة موت عائلته قد أبقته مجمدا بنفس المكان لساعات طوال و أنه حتى و إن مرت 67 سنة عليها فان الكوابيس تلاحقه كلما تذكر هذه الأحداث. و تواصل التقتيل و التنكيل لعدة أيام متتالية تم خلالها الإلقاء بالمئات من الجزائريين على صخور "شعبة الآخرة" وفقا للذكريات الأليمة للسيد عليق. وتواصل "صيد العرب" -يقول المتحدث -إلى غاية ال22 ماي الموافق لتجمع كبير لكل سكان المنطقة الشرقية للولاية الممتدة من خراطة إلى غاية "اوقاس" على مسافة من حوالي 50 كلم من شواطئ "ملبو" حيث تم تجميع المواطنين لنهار كامل ليشهدوا "عظمة" الجيش الاستعماري من خلال استعراض مهول لبواخر فرنسا و طائراتها و فريق المشاة لديها. و لم يسلم المواطنون خلال هذا التجمع من غطرسة الجيش الذي مارس عليهم أنواع التقتيل و التعذيب مما تسبب في إسقاط الكثير من النساء الحوامل لأجنتها بعين المكان من هول الرعب الذي سكن قلوبهن كما يتذكره المجاهد "بورزازن احمد" الذي كان يومها عمره 14 سنة.