تواجه منطقة الساحل الإفريقي تحديات أمنية وتنموية تهدد استقرارها, مما يستدعي تعاونا مكثفا لمساعدة دول المنطقة على تحقيق السلم و الأمن و التنمية و تجنب مزيد من التأزم للأوضاع. ومما زاد من خطورة تلك التحديات خلال سنة 2015, تصاعد تهديدات الجماعات الإرهابية المتطرفة في عديد من دول المنطقة, حيث أكد مجلس الأمن الدولي في آخر تقرير له حول" السلم والأمن في أفريقيا" إن التهديدات الأمنية مازالت تحدق بمنطقة الساحل الإفريقي و بشكل متزايد, مما اضطر بعض دول هذه المنطقة الأفقر في العالم, إلى تخصيص نسب كبيرة من ميزانياتها لمعالجة تلك التهديدات. ففي مالي على الرغم من التحسن الكبير الذي تعرفه البلاد على المستوى الأمني عقب التوقيع على إتفاق السلم و المصالحة وذلك مقارنة بالسنوات الماضية إلا أن الوضع مازال يتطلب المزيد من تظافر الجهود لتحقيق المزيد من الإستقرار. أما في نيجيريا فان الانتصارات التي حققتها القوات النايجيرية مؤخرا على بوكو حرام ودحرها من أراضي كانوا يسيطرون عليها, أجبرت هذه الجماعة الإرهابية على توسيع عملياتها التي بدأتها بالبلاد في 2009 إلى كل من الكاميرونوالتشادوالنيجر. أما في موريتانيا فيرى المهتمون بشؤون الساحل الإفريقي أن التطورات الأمنية التي شهدتها المنطقة في الآونة الأخيرة خاصة تلك المعلقة بالوضع في ليبيا أدت بالسلطات الأمنية إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الوقائية لمجابهة أي احتمالات قد تشهدها المنطقة. وللتصدي لخطر هذه الجماعة الإرهابية أنشئ في مطلع 2015 حلف عسكري بين الكاميرونوتشادوالنيجرونيجيريا تدعيما لمجموعة دول الساحل الخمس لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والعمل على حشد التمويل واستقطاب الاستثمار الأجنبي لتحقيق التنمية في المنطقة. اهتمام دولي وتخوف من عسكرة المنطقة وبعد أن كانت في وقت ليس ببعيد منطقة مهمشة استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا أضحت منطقة الساحل الإفريقي تحظى في السنين الأخيرة بأهمية كبرى لدى القوى الدولية. وقد ازداد اهتمام الإدارة الأمريكية بالأوضاع في الساحل الإفريقي في منتصف السنة الماضية, حيث استفادت كل من مالي والصومال من مساعدات قدرت ب 5 مليار دولار خصصتها واشنطن لتدريب قوات دول أجنبية على مواجهة الإرهاب. كما مولت الإدارة الأمريكية برنامجا للتعاون الأمني بقيمة 500 مليون دولار تحت اسم "مبادرة محاربة الإرهاب عبر الصحراء" التي تشمل عديد الدول الإفريقية. أما الاتحاد الأوروبي فقد اقتصر دعمه حتى الآن لدول الساحل الإفريقي الخمس على مستوى التنسيق الأمني ( 50 مليون يورو) موجهة للقوة المتعددة الجنسيات المشتركة في مكافحة "بوكو حرام" وتعزيز البعثة الأوروبية في النيجر من خلال وجود دائم لها بداية عام 2016 ومع البعثة الأوروبية المتمركزة في مالي ستقوم البعثتان بدورات تدريبية لقوات الشرطة في كافة دول الساحل. ويرصد المحللون تصاعد الوجود العسكري الأجنبي في القارة في شكل قواعد عسكرية ومراكز استطلاع وخبراء لتدريب القوات الوطنية, بالإضافة إلى ما تردد في تقارير صحفية عن اجتماعات بين مسؤولين عسكريين أمريكيين وشركات متخصصة في تشييد المنشآت العسكرية. استحالة الاعتماد على المقاربة الأمنية كخيار وحيد لمواجهة المشاكل الأمنية يتطلب رفع التحديات التنموية في منطقة الساحل الإفريقي, تنسيق جهود دول المنطقة وزيادة مساعدات المنظمات الدولية للرفع من مستوى المناطق المهمشة والنائية للحد من تنامي الجماعات الإرهابية التي وجدت حواضن اجتماعية يميزها الفقر والتهميش وانعدام التنمية. وفي هذا السياق يؤكد الخبراء استحالة الاعتماد على المقاربة الأمنية كخيار وحيد لمواجهة تنامي ظاهرة الإرهاب في دول الساحل الإفريقي دون إيلاء أهمية خاصة للجوانب الاجتماعية والاقتصادية لدول المنطقة . وحذر مختصون في شؤون المنطقة إن جماعة "بوكو حرام" والجماعات الإرهابية تجند شباب بلدان الساحل الإفريقي ما يعني أنه في صورة اكتفاء حكومات تلك البلدان بالحل الأمني "فإن القوات الإفريقية المشتركة التي تكافح الإرهاب في منطقة الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي لن تكون سوى آلات لتصفية شبابها". وتشير تقارير المنظمات الإنسانية إلى إن هجمات جماعة "بوكو حرام" في حوض بحيرة تشاد والعمليات المضادة لجيوش دول المنطقة للتصدي لها, أجبرت أكثر من مليونين ونصف مليون شخصا على الفرار من ديارهم وهو رقم تضاعف ثلاث مرات في 12 شهرا. وحسب إحصائيات حديثة للبنك الدولي فإن 60 بالمائة من الشباب يعاني من البطالة والتهميش في بلدان الساحل. وقدرت منظمة الأممالمتحدة الشهر الماضي حجم المساعدات التي تحتاجها الدول التسع الواقعة في حزام شبه جاف يمتد من السنغال إلى تشاد بملياري دولار أمريكي لمجابهة الأزمة الثلاثية الأبعاد (فقر, قساوة المناخ و انعدام الأمن ). ومن هذا المنظور يأتي تأكيد التزام الاتحاد الإفريقي خلال ملتقى "مبادرات التنمية للاتحاد الإفريقي في الساحل و آفاق تفعيل إتفاق السلم و المصالحة في مالي" الذي عقد في نوفمبر بالجزائر بالعمل على تحقيق التنمية في المنطقة من خلال التركيز على المحاور الأساسية الثلاث المتمثلة في "الحكامة والتنمية و الأمن".