يمر المشهد السياسي في ليبيا بحالة من الأجواء الإيجابية، بعد اختيار سلطة تنفيذية جديدة، من مهامها التحضير للانتخابات العامة المقررة في 24 ديسمبر القادم، وذلك مع حلول الذكرى العاشرة للثورة، التي أسقطت نظام معمر القذافي السابق في 17 فبراير عام 2011. فبعد عدة سنوات من الفوضى الأمنية و الصراع على السلطة - منذ إندلاع الثورة التي بدأت بانتفاضة شعبية دعمها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقامت بإسقاط النظام السابق - نجحت الأطراف الليبية المشاركة في ملتقى الحوار السياسي في جنيف برعاية أممية, في اختيار سلطة تنفيذية جديدة, بعد جولات حوار مضنية استمرت عدة أشهر. وأسفرت تلك الجولات عن اختيار محمد المنفي لتولي منصب رئيس المجلس الرئاسي , وموسى الكوني وعبد الله اللافي بمنصب نائبيه, فيما أسند إلى عبد الحميد دبيبة , منصب رئيس الحكومة, التي يتعين عليها إجراء الانتخابات المقررة نهاية العام الجاري, قبل أن تحل محلها سلطة جديدة منتخبة من قبل الشعب الليبي. وبموجب الاتفاق الذي أفرز اختيار سلطة تنفيذية جديدة, ويتعين على رئيس الحكومة, تقديم تشكيلته الحكومية خلال 21 يوما وعرضها على مجلس النواب لنيل الثقة, وفي حال تعذر ذلك يتم عرض الحكومة على أعضاء ملتقى الحوار من جديد ومنحها الثقة, ضماناً لعدم التأخير من طرف مجلس النواب والمماطلة في منح الثقة. اقرأ أيضا: ليبيا: تحركات مكثفة للحكومة الجديدة وجلسة تشاورية للبرلمان بمدينة صبراتة وقبل نحو ثلاثة أشهر, توافق أعضاء ملتقى الحوار السياسي ال 75 خلال اجتماع في تونس, على إجراء الانتخابات العامة في 24 ديسمبر من العام الجاري. ومنذ فشل هجوم شنته قوات خليفة حفتر للسيطرة على طرابلس العام الماضي بعد أشهر طويلة من القتال على أطراف العاصمة, تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا نهاية أكتوبر الماضي, حيث أنهى الاتفاق الصراع العسكري بين قوات "الجيش الوطني" وقوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا, الذي استمر في الفترة من أبريل 2019 إلى يونيو 2020, وراح ضحيته آلاف من القتلى والجرحى في صفوف الجانبين. وبمناسبة حلول الذكرى العاشرة للثورة الليبية, قال عضو مبادرة السلام الوطني في ليبيا, أحمد التواتي, في تصريحات صحفية أنّ "ليبيا دخلت على امتداد السنوات العشر الماضية أزمات كبرى لكنها بدأت تخطو خطوتها الأولى نحو الانتقال الديمقراطي مع الاتفاق على إجراء الانتخابات نهاية العام الحالي", وأبدى أمله في أن تتمكن ليبيا من الخروج من "مرحلة الحروب العبثية إلى مرحلة أكثر استقرارا". ونقلت مصادر إعلامية عن المحلل المتخصص في الشأن الليبي, البشير الجويني, أنّ "هناك بداية انفراج في الوضع في ليبيا مع مخرجات الحوار السياسي وانتخاب حكومة ومجلس رئاسي, وهي مسألة مهمة في مسار بناء دولة مدنية ديمقراطية". وأوضح الجويني أنّ "جزءا كبيرا من القرار في ليبيا يُدار في الخارج ولكن الجانب الآخر يبقى بيد الليبيين من خلال العمل المدني السياسي", مشيرا إلى أنّ "الليبيين باتوا اليوم واعين بوجوب بناء الدولة الوطنية رغم كثرة الأطماع الخارجية وتغذية الفرقة والانشقاق الداخلي على امتداد السنوات الماضية". من جهته, أكد الباحث في الشؤون السياسية, أيمن البوغانمي, أن "الأمور لن تتطور إلى الأفضل إلا بإنشاء دولة ليبية تخدم مصلحة الشعب الليبي وتدافع عنه". وقال أن "الديمقراطية تقتضي دولة وسلطة قانون وتعددية وتنافسا سلميا على السلطة", معتبرا أن "الشرط الأخير كان متوفرا في السنوات الماضية قبل الانحراف إلى الاقتتال". ودائما في إطار الحالة والأجواء الإيجابية التي يمر بها المناخ السياسي في ليبيا, اتفق أعضاء مجلس النواب الليبي في اجتماع تشاوري, عقد أمس الإثنين, بمدينة صبراتة (غرب) على إعادة هيكلة مجلس النواب, بحيث يكون قادرا على الإيفاء بالاستحقاقات المنوطة به, وإيجاد السبل اللازمة لمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية, والعمل على توحيد المجلس لاستكمال باقي الاستحقاقات. اقرأ أيضا: ليبيا: مبعوث الأممالمتحدة الجديد يان كوبيش يباشر مهام عمله ويبقى الحفاظ على مستوى التوافقات الأمنية والاقتصادية و السياسية التي تم التوصل إليها حتى الآن, أهم التحديات أمام المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا, يان كوبيتش, الذي باشر مهامه في طرابلس بعد أربعة أيام من إنتخاب السلطة التنفيذية المؤقتة. ويتعين على كوبيش فضلا عن مواصلة مهام الممثلة الخاصة بالإنابة للأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا ستيفاني وليامز السهر على تنظيم الانتخابات العامة في موعدا المحدد يوم 24 ديسمبر 2021 و تدعيم اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا والعمل على سحب المرتزقة و القوات الاجنبية المتواجدة على الاراضي الليبية, رغم أن الاتفاق نص على ضرورة مغادرتهم بحلول 23 يناير الماضي. وكان أعضاء مجلس الأمن الدولي جددوا نهاية شهر يناير الماضي تأكيدهم على ضرورة إنهاء وجود المرتزقة في ليبيا وخروج كافة القوات الأجنبية من هناك, وفقا لما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار, من أجل المضي قدما في مسار التسوية الأممي الذي حقق تقدما كبيرا, إلى غاية الآن. وكانت ويليامز قد دعت في حديث لها لقناة (سي أن أن) الأمريكية مؤخرا, الدول والمنظمات الأجنبية لتلبية رغبات الشعب الليبي في خروج المرتزقة المقاتلين الأجانب من البلاد التي مزقتها الحرب, مؤكدة أن "الليبيين يريدون استعادة صنع القرار". وأفادت ويليامز بأن "ما يقارب من 20 ألف مقاتل أجنبي يحتلون 10 قواعد داخل ليبيا, يشغلون كليا أو جزئيا تلك القواعد ويواصلون العمل في الدولة الغنية بالنفط, على الرغم من موافقة الأطراف الليبية على رحيلهم الشهر الماضي". ووفقا للأمم المتحدة, فان عدد الجنود الأجانب و المرتزقة في ليبيا بلغ منذ ديسمبر الماضي, 20000 ولم تظهر أي علامة على انسحابهم من البلاد منذ ذلك الحين.