لا تقتصر علاقة سكان مدينة وهران مع البحر على الصيد بالصنارة والتباري في الغوص والاستمتاع بزرقته وإنما تربط البعض منهم معه حكايات تحمل أكثر من دلالة شعبية وسياحية وثقافية واجتماعية يمتزج فيها الواقع بالخيال. حكاية سي عبد القادر المعروف ب "طاكسي البحر" هي واحدة من أشهر القصص التي لا تزال تتردد على ألسنة قاطني الأحياء الشعبية "سيدي الهواري"و"الدرب"و"الصنوبر" و"رأس العين" حيث صنعوا منها حدوثة يستذكرها المصطافون مع كل موسم. ولا أحد منهم ومن عمال ميناء وهران والمسمكة باستطاعته أن يمحي من ذاكرته قصة هذا الشخص الذي عشق البحر حتى الثمالة مما جعله يمتهن حرفة نقل المصطافين من شاطئ إلى أخر على متن قارب لا يزيد طوله على تسعة أمتار. ومع مرور السنين تحولت حكاية هذا العاشق الولهان للبحر إلى أسطورة شعبية تضاهي قصة "السندباد البحري" على حد قول أحد الشيوخ الذي لا يزال يتذكر تلك الرحلات التي كانت تنطلق من مسمكة وهران. وقد قضى "طاكسي البحر" أو "زمزم" كما كان يحلو للبعض مناداته أكثر من 50 سنة في نقل المصطافين وزوار الباهية والصيادين الهواة من المسمكة إلى شاطئي "كوفلاوة" و"كريستل". وكان "زمزم" الذي تخلى عن هذا النشاط منذ بداية تسعينيات القرن الماضي مصدر ثقة للعديد من الصيادين الهواة الذين كانوا يلازمونه ويقدم لهم يوميا نشرية عن أحوال البحر وعن مده وجزره وتياراته وحكايات من يحاول تحديه. ولم يكن "طاكسي البحر" مجرد مصدر رزق سي عبد القادر المشهور بالغليون الذي لا يفارق شفتيه والعارف الكبير بخبايا البحر وأسراره انما كانت هوايته المفضلة تمكنه من العيش بين أحضان البحر على متن قاربه الذي كان يشق عباب البحر في أجواء تتميز بالسكينةالتي كانت "تقطع أوصالها" بين الفينة وأخرى حكايات الراكبين الشباب الذي لم يكن يبخل عليهم بالنصائح لتجنب الشواطئ الممنوعة للسباحة. وان كانت قصة هذا الرجل الذي رحل عن الدنيا في نهاية التسعينيات مع البحر لا تزال راسخة في أذهان كل من ركب قاربه فان حنين تلك اللحظات يشتد لهيبها مع حرارة كل صائفة حيث يقترح العديد من المصطافين إعادة إحياء هذه الوسبة للنقل باستحداث خطوط بحرية تربط بين الميناء والطنف الوهراني مما يسمح بتخفيف الضغط على الطريق المؤدي إلى الشواطئ الغربية. البحر مصدر استلهام و معتقدات وأساطير شعبية اذا كان البحر مصدر استلهام الفنانين التشكيليين والشعراء والمطربين الذين ترعرعوا بين أحضان مدينة الباهية فانه يحمل في الأوساط الشعبية أكثر من دلالة تصب في خانة المعتقدات التي تنسج منها الأساطير الشعبية والخرافات. ويعتقد البعض أن استعمال مياه البحر في أوقات محددة وظروف معينة كفيل بابطال "مفعول السحر" و"جلب الحظ" للمرء حسبما أفاد به أحد الباحثين في مجال المعتقدات الشعبية بقسم علم الاجتماع بجامعة "السانية" لوهران. كما ينظر إلى البحر كمصدر للشفاء من بعض الأمراض الجلدية فيما يلجأ البعض إلى الردم تحت رمال الشواطئ طلبا للتداوي من داء المفاصل في ظل غياب محطات العلاج بمياه البحر بالمركبات السياحية المنتشرة عبر تراب الولاية تقول إحدى الزائرات القادمة من مدينة غليزان. ومن جهة أخرى تجد بعض من المهتمات بعالم التجميل في النباتات البحرية التى تلفظها مياه البحر على الشواطئ وكذا الطحالب المتواجدة بين الصخور مادة لصنع مستحضرات تقليدية وطبيعية للتجميل تساعد على وضاءة الوجه ووقايته من أشعة الشمس. ولا تقتصر علاقة الوهرانيين بالبحر عند المعتقدات والقصص وإنما تتكامل حلقاتها عند المغامرين من الشباب القاطنين بالأحياء المجاورة لبعض الشواطئ الذين يظنون أن في هيجان البحر "بركة" ويحمل أرزاق لانهاية لها. ومع تباشير الصباح يشد بعض الشباب الرحال إلى شاطئ "مونتي كريستو" الممنوع للسباحة بمدخل الطنف الوهراني للبحث عن ما تقذفه الأمواج لعلهم يظفرون بما قد يرمى من حلي فضية أو ذهبية أو ما يعرف عندهم ب "دسيات" التي يتم العثور عليها باستعمال "الغربال" قبل بيعها على حد تعبير أحد الشباب الذي اعتاد على ممارسة هذا النشاط الذي يعتبره مجرد هواية. وتخصص البعض في البحث عن بعض الكائنات البحرية منها "حصان البحر" و"نجمة البحر"والمحارات الكبيرة التي يتم جمعها في أكياس لتباع للمحلات المتخصصة في الديكورات بأسعار مرتفعة حيث تلقى إقبالا من قبل السياح وبعض العائلات الوهرانية التي تزين بها فضاءات البيت. وتبقى قصص الوهرانيين ومعتقداتهم حول البحر وأسراره بسلبياتها وايجابياتها مجرد موروث شعبي نابع من حبهم للبحر ففيما يعشق الناس مذاهب.