''··· في 30 جوان جهزت قطع من الأسطول الجزائري وأرسلت مباشرة إلى المحيط الأطلسي الذي لم تدخله السفن الجزائرية منذ عدة سنوات، وقد كان هدفها أسر بعض السفن الثمينة التابعة للبرتغال والبرازيل، كان من المنتظر وصولها إلى لشبونة في تلك الآونة، ولم تكن تنتظر لقاء أية سفن أمريكية، تلك السفن التي وصفها القنصل لوجي بأنها هياكل لا تملك قوة أو حيلة، وبالتالي فهي محتقرة ولم يكن ملكه يرى أنها جديرة بأي مجهود يبذل لأسرها·· كان القراصنة الجزائريون يطوفون عند شواطئ البرتغال وقد خاب ظنهم في أسر أية سفينة برازيلية، ولكنهم في مقابل ذلك تمكنوا من أسر عدد من السفن البرتغالية والجنوية وسفينتين أمريكيتين، إحداهما هي ''ماريا'' من بوسطن، التي كنت أنا على متنها، وقد أسرت السفينة الأخيرة على مسافة ثلاثة أميال من رأس سانت فانسانت (رأس يقع في جنوب شرق البرتغال) في 25 جويلية 1785 ، وصلت سفينتنا إلى الجزائر في الرابع من شهر أوت من نفس السنة··'' هذه السطور هي مقتطفة من القنصل الأول الأمريكي الذي تم القبض عليه من قبل القراصنة الجزائريين، وقد سجل ذلك في مذكرات، واسم هذه الأمريكي جيمس لاندر كاثكارت، قضى حياته بالجزائر العاصمة أسيرا لدى داي الجزائر، ولم يحرر إلا بعد 10 سنوات من الأسر·· عندما قبل الأمريكان أن يدفعوا مقابل حريته فدية·· ونفس هذا الأسير أصبح فيما بعد قنصلا أمريكيا في بلاد المغرب··· والغريب أن هذه المذكرات ظلت شبه مجهولة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل أيضا مجهولة عند العرب والمسلمين·· ولقد قام بترجمتها في العام 1982، الباحث والدبلوماسي الجزائري الراحل اسماعيل العربي·· ويوم التقيت الدبلوماسي الأمريكي روبرت فورد في التسعينيات، حدثته عنها لأول مرة، وأعدت الحديث عنها يوم رجع من جديد منذ سنوات قلائل سفيرا بالجزائر·· ودائما كان لا يعلم عنها شيئا··· المذكرات مثيرة، وتحتوي على وثائق ذات قيمة نادرة عن العلاقات الجزائريةالأمريكية، وعن الدور المؤثر الذي كانت تقوم به الجزائر في ذلك الوقت·· فلقد كانت قوة يحسب لها ألف حساب··! لم تكن وقتها الجزائر تشعر بأي عقدة نقص أمام القوى الكبرى في ذلك الوقت، لأنها كانت تعد من بين هذه القوى ذات السطوة والقوة·· لم يكن حينها أزِفَ وقت الاحتلالات والانهيارات التي حلت بالبلدان والشعوب الإسلامية والعربية، طبعا أورد مثل هذا الكلام لأننا على أبواب مواجهة تاريخية مع الأمريكان، مواجهة بين شبان طموحين، وجزائر مؤمنة بافتتاك النصر، في لعبة اسمها، لعبة الكرة المستديرة، ضمن منافسات المونديال··· هل هذا ممكن؟! هل نقدر على تحقيق الحلم واستعادة القوة الضائعة··؟! الحلم ممكن· بل الحلم واجب، هذا ما قاله فلاسفة كثر وقاله ذات يوم قائد الثورة البولشفية لينين·· نحن أمام قوة عتيدة، تمتلك أسباب النجاح والقوة والجبروت، نحن أمام فريق مرعب ومتجبر ويشكل النصر في جميع المجالات، ثقافته وشعاره وأسلوب حياته، ومع ذلك فإننا نحلم أن نحقق وننجز ذاتنا أمامه·· ولقد حققنا ذلك عندما خضنا حرب عصابات تاريخية تجاه فرنسا الكولونيالية وكنا بحق الإسفين في باخرة النظام الكولونيالي العتيد·· ولقد حققنا ذلك على ألمانيا، الآلة المدهشة في العام 1982 في منافسات المونديال، فلماذا لا، الآن·· نحن قادرون أن نهز المخيال الأمريكي، أن ننفذ إليه من خلال هذه اللعبة السحرية·· لم نكن كمسلمين وعرب في مخيال الأمريكيين إلا كأشرار يهددون الغرب وأمريكا بسلاح البترول·· ولم نعد حاضرين في مخيال القرن الواحد والعشرين إلا كتهديد إرهابي·· تلك هي صورتنا الراهنة في المخيال الأمريكي·· أما مهمتنا التاريخية هي استئصال هذه الصورة عبر هذه اللعبة السحرية والممتعة من أجل فتح جديد يقوم على قوة البدن وقوة الذكاء وسلطة الروح·· يجب أن نكسب مباراتنا ضد الأمريكان حتى نتمكن من الإعلان عن زمن جديد، يتحوّل فيه المستضعفون في الأرض إلى بناة حلم وبناة ثقافة جديدة تنتصر للإنسان وحرية الإنسان··