في الوقت الذي استطاعت فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية إستصدار عقوبات جديدة ضد إيران بسبب طموحاتها النووية مع انضمام القارة العجوز إليها وجميع الشركاء الآخرين لإيران تقريبا، لا يظهر أن الصين وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة من حيث عدد السكان ترغب في الإمتثال والخضوع لهذه العقوبات، فهي تنظر بعين الاعتبار إلى احتياجاتها من الطاقة وغيرها من المصالح التجارية والجغرافية السياسية، فهي تملك اليوم أسباب كثيرة للتباطؤ في التجاوب مع العقوبات الاقتصادية، فهي أولا تريد حماية نفاذها إلى النفط والغاز الإيراني وحماية قدرتها على الاستثمار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعد الآن ثاني أكبر مصدر للنفط والغاز بالنسبة للصين وثاني أكبر مستهلك لمنتجاتها، وقد وقعت الصين عدة اتفاقيات مع إيران تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات للسماح لها بامتيازات النفاذ إلى قطاع النفط والغاز الإيراني، وستتردد الصين التي تعرف كيف تغازل الشراكة مع إيران التي تمتلك رابع أكبر احتياطيات في العالم من النفط وثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في تعريض هذه الشراكة للخطر، هذا في وقت إستهدفت فيه العقوبات الجديدة على إيران صناعات النفط والغاز الطبيعي والتي تعد العمود الفقري للإقتصاد الإيراني، إضافة إلى التجارة الخارجية والخدمات المالية، خاصة وأن هذه العقوبات تحظر أي استثمارات أوروبية جديدة في قطاع الطاقة وأي صادرات إلى إيران تشمل المعدات الأساسية والتكنولوجية اللازمة لتكرير النفط أو استكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي، مع العلم أن الصين أصبحت أحد مستوردي النفط من إيران في مطلع تسعينات القرن الماضي بدافع تلبية احتياجاتها في مجال الطاقة، كما عملت على الشروع في سلسلة من المشروعات الإستثمارية في إيران، وبدأت بصورة تدريجية في ملء الفراغ الذي خلفته الشركات الغربية التي أجبرت على مغادرة إيران بفعل العقوبات الدولية، وساعدت الشركات الصينية في إيران على تشييد مترو الأنفاق في طهران ومحطات طاقة ومصانع لصهر المعادن ومصانع بتروكيماويات، كما أن العلاقات الصينية الإيرانية تمتد لآلاف السنين، علما أن الشراكة الحديثة بين الدولتين بدأت في سبعينيات القرن الماضي في ظل حكم الشاه واستمرت بعد ذلك مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما مهد الإنقسام بين الصينيين والسوفيات في ستينيات القرن الماضي إضافة إلى مخاوف الشاه من أزمات السوفيات في إيران والخليج الطريق للتقارب بين الصين وإيران، وتم تعزيز هذا التقارب أكثر فأكثر بفعل شعورهم التاريخي المشترك كإمبراطورتين قديمتين خضعتا للإذلال من الغرب من عام 1858 حتى 1860 حيث استولت روسيا على مساحات شاسعة من الصين متمثلة في سيبيريا، وخلال القرن التاسع عشر قسمت قوى أوروبية الصين وإيران، وحاليا تعمل الصين على تمهيد الطريق عن طريق الطاقة مع إيران بهدف تحقيق أهداف سياستها الخارجية التي يدفعها أمن الطاقة واتخاذ احتياطاتها ضد الهيمنة الأمريكية على مصادر الطاقة في الخليج العربي. وهذا ما جعل موقف إيران يتسم بالتحدي تجاه الغرب إعتمادا على الثقة الجديدة بأن الصين ستحل محل الشركاء التجاريين التقليديين لطهران، علما بأن الصين أصبحت الشريك التجاري الرئيسي لإيران وتفوقت على الإتحاد الأوروبي في المجال التجاري مع إيران، كما أن العقوبات الغربية مهدت الطريق للشركات الصينية لعقد صفقات تجارية مع إيران وهذا معناه أن الصين قد أصبحت أحد المستثمرين الكبار في إيران، ومع احتمال ارتفاع الطلب على النفط في المستقبل ليس من مصلحة الصين التخلي عن علاقاتها مع إيران، هذا مع محاولة الرئيس الأمريكي ثلاث مرات حشد الدعم الصيني لفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران وفشل، كما أن الصين لا تحتاج إيران فقط للمحافظة على تدفق النفط فقط، تحتاجها أيضا لتمرير أنابيب البترول من الخليج عبر ترابها برا، وهذا ما جعل الصين متفائلة بشأن احتمالات توصل إيران إلى تصنيع قنبلة نووية لأن لديها نظرة أكثر واقعية لما يعينه هذا التطور خاصة وأنها لم تحصل على الكثير من النفوذ الجغرافي السياسي عندما اختبرت سلاحها النووي عام 1964 ومع أنها دولة نووية لم تستطع فرض إملاءتها على الدول المجاورة وابتزازهم، وهذا معناه أن العامل الذي قاد الصين إلى الإنظمام إلى القوى العظمى هو التنمية الاقتصادية وليست ترسانة الأسلحة النووية المعتدلة التي تمتلكها، كما تعرف الصين أن الشيء نفسه ينطبق على إيران النووية. كما لا ننسى تحالف الصين مع إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980 1988)، ولا ننسى أن العلاقات السيئة بين أمريكا وإيران تخلق فرصا ديبلوماسية واستثمارية أمام الصين، في حين ترغب الصين في إيجاد حل سريع للقضية النووية الإيرانية لأن هذا يمهد الطريق لانفراجة كبيرة بين أمريكا وإيران مما يقلل من اهتمام الولاياتالمتحدةالأمريكية بالصين، ولا يؤدي إلى حرب في الخليج قد تقود إلى ارتفاع أسعار النفط وتعيد الاقتصاد العالمي إلى الركود، لذا تود الصين استمرار العقوبات الاقتصادية على إيران فقط وبصورة بطيئة لا تنهي النزاع ويظل استخدام القوة غير وارد.