ارتكبت فرنسا ساركوزي أخطاء جسيمة في فترة قصيرة أثناء الأحداث الإحتجاجية الأخيرة بتونس، أول هذه الأخطاء عرض خدماتها الأمنية للدكتاتور الهارب زين العابدين بن علي من أجل قمع دون ضحايا (هل هذا ممكن؟!) والتحكم في الإحتجاجات أي استعمال قبضة فولاذية في قفاز من حرير، الخطأ الثاني مساندتها وترحيبها بوعود زين العابدين التي جاءت متأخرة وبعد فوات الأوان إثر الضحايا الذين قتلوا برصاص بوليس الدكتاتور، الخطأ الثالث هو الترحيب الفرنسي بالتحول الدستوري بعد هروب بن علي ومحاولة استيلاء زبانيته، منهم الوزير الأول الذي أراد خلافة الرئيس الهارب بشكل فيه خرق للدستور·· لم يكن تصور أن فرنسا ساركوزي ترتكب أخطاء تكتيكية واستراتيجية في الوقت ذاته وهي التي كانت تفتخر بالموديل التونسي على المستوى الإقتصادي والسياسي غير عابئة بتلك الإختراقات التي ظلت تمس بجوهر الحريات الفردية والجماعية طيلة العهد الذي ران فيه نفوذ بن علي وبطانته·· وفي المقابل، اختارت أمريكا أوباما، استراتيجية أخرى مختلفة بصورة جذرية للإستراتيجية الفرنسية تجاه ما حدث في تونس·· فلقد استدعي السفير التونسي في أمريكا وبأيام قبل سقوط بن علي، ثم كانت الرسالة التحذيرية للأنظمة العربية على ضوء الأحداث التونسية من قبل وزيرة الشؤون الخارجية كلينتون، لتليها كلمة باراك أوباما الموجهة للشعب التونسي، حيث أشاد بشجاعة التونسيين وكرامتهم عندما تخلصوا من ديكتاتور قرطاج·· ما الذي يمكن أن يترتب عن هذين الأسلوبين في التعاطي مع الحدث التونسي؟! كان الأسلوب الأمريكي يعبر عن براغماتيته لكن في نفس الوقت عن فلسفته الجديدة التي يريد وضع أسسها في العالم العربي، لقد تمكن أوباما من سحب البساط من تحت رجل ساركوزي، وتقدم عليه خطوات ليكون قريبا من العهد الجديد بل مؤثرا فيه وحاميا ليكون ربما الخطوة التي سيعول عليها الأمريكيون من أجل وضع استراتيجيتهم في الإصلاح التي طالما فكروا فيها قيد التطبيق، في حين خسرت فرنسا ساركوزي صدقيتها من خلال التردد الذي لمعت به في الأيام الأخيرة، وفقدت أيضا شهامتها السياسية عندما تخلت بذلك الشكل الفظيع المفتقد إلى المروءة عندما أدارت ظهرها لزين العابدين في اللحظات الحرجة الأخيرة من حياته السياسية·· صحيح حسب المقولة الشهيرة لشرشل، أن في السياسة لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل توجد مصالح·· لكن أيضا السياسة هي أيضا مبادئ، قيم وأخلاقيات··