إن الشباب المصري الشقيق المتشوق إلى آفاق المجد مدعو اليوم، قبل الغد، لكي يتخذ من أجداده وأسلافه الميامين قدوة طيبة في الجد والعمل والصبر والمثابرة، ومن هنا فإن كل شاب في مصر الشقيقة مطالب اليوم، قبل الغد، بأن يسهم ويساهم قدر طاقته في إيجاد البيئة الملائمة والتربة الصالحة لانطلاق مصر نحو المستقبل الواعد الذي تتطلع إليه، وفي إطار هذه الرؤية التي تحرص على المواطن وتنمية دوره وإسهامه، فإن ما يحدث وسيحدث من تقدم وتطور ونقلة نوعية في كل المجالات، وعلى كل المستويات، إنما سيعود إلى مسيرة أبناء مصر المخلصين بخطى ثابتة وعزيمة صادقة وإرادة صلبة، حيث تجعل مسيرة مصر تمضي على أرض الوفاء والعطاء، وهذا من أجل أن يعمّ الخير ويتواصل تدفق العطاء على كل شبر من أرض مصر الغالية مستهدفة في المقام الأول صنع الإنسان المصري من خلال تأهيله وتسليحه بجميع مقومات الكفاءة والاقتدار، ومع الإعداد والاستعداد للمستقبل وللسنوات القادمة التي ستتسابق فيها عجلات العمل الجاد المخلص لتنفيذ استراتيجية مستقبلية لمصر الغد· إن هذه الأفكار التي أطرحها هي بمثابة برنامج لمعالجة مشكلة مصر الشقيقة، وفي الوقت نفسه سيرسم إطلالة سريعة على ملامح مشرفة وعطاء متعدد في خطى عمل تمضي جنبا إلى جنب في جهود متوازنة ومنتظمة في مجالات التنمية المختلفة، وهذا لتحقيق المزيد من البناء والتطور لتعزيز نعمة الأمن والأمان لهذا الشعب الأبي الذي يعتز بماضيه العريق، ويباهي بحاضره المشرق ويخطو بثقة وتفاؤل نحو مستقبله الواعد، لكنني أقول إن من أبرز الجوانب المشرفة في درب أية مسيرة ظافرة هو اهتمام القيادة بالمواطن ومنحه الأولوية الأولى باعتباره قطب الرحى الذي تدور حوله كل الأهداف وتحقق من أجله كل المنجزات، وتعد في سبيل تنشئته وإعداده مختلف الخطط والبرامج والمناهج، تلك هي الحقيقة التي يجب أن يؤمن بها كل فرد، ويؤدي واجبه ويعمل في ظلها وضوئها كل مسؤول مصري، وهنا تنشأ علاقة حميمة بين المواطن والمسؤول، وتنتهي هذه المشاكل سواء كانت جهوية أو عرقية أو لغوية أو دينية، وتحظى بالرعاية والاهتمام والعناية، حيث يترعرع الحب والعطاء اللامحدود لتمتد شجرته الوراقة إلى ربوع مصر الشقيقة الطيبة وتظهر استجابة قوية وواسعة النطاق لكل ما يحدده المسؤول ويراه، وهذا اعتبارا من أن الإنسان المصري هو أداة التنمية وصانعها، وهو إلى جانب ذلك هدفها وغايتها· وبقدر ما تتمكن التنمية بمختلف أساليبها ووسائلها من توفير الحياة الكريمة للفرد والمجتمع، بقدر ما تكون تنمية ناجحة جديرة بأن يسعد القائمون عليها ويفتخروا بنتائجها الجيدة، ويعتزوا بآثارها الطيبة، ذلك ما يجب أن يؤمن به كل مسؤول مصري، وما يجب أن يسعى دائما إلى تحقيقه خاصة في بلد مثل مصر، فلا بد أن توضع خطط داخلية تهدف إلى بناء البعد الاقتصادي وتوفير لجميع أهله الحياة المرفهة والعيش الكريم، وتنتهي المشاكل في هذا البلد العريق في تحمّل المسؤولية ومهمة البناء، فيا ترى من هو المسؤول المصري اليوم الذي يملك هذه الرؤية لمعالجة مشكل هذا البلد العريق؟ فالرؤية الواضحة والدقيقة والمحددة سواء لواقع المجتمع المصري ومجمل الظروف المحيطة به محليا وإقليميا ودوليا وكذا سبل ووسائل النهوض به والأولويات التي ينبغي السير فيها والتفكير في أهمية تقوية القاعدة التي تنطلق منها وترتكز عليها كل الجهود، وذلك بالعمل على تحقيق وترسيخ الوحدة المصرية واستعادة سيطرة الدولة المصرية على كل شبر من ترابها وبعث روح التضامن والتكافل والتماسك في إطار الهوية المصرية، وهذا لا يتحقق -طبعا- إلا بتكريس الوحدة المصرية والانطلاق بكل الطاقات لبناء حاضر المصريين ومصر والتخطيط لمستقبلها، لأن بناء التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي يقضي على كل المشاكل، ومنها مشكل الأقباط وتحقيق الإزدهار· ولا يمكن أن يتم هذا إلا في ظل الأمن والاستقرار، والبداية يجب أن تكون ببناء قاعدة اقتصادية قادرة على الانتقال بالاقتصاد قادر على النمو الذاتي، يسعى إلى تكامل جوانبه المختلفة مع تطوير وتوسيع مختلف أنواع الخدمات من أجل حياة أفضل للمواطن المصري، ومع العمل على تأهيله وتدريبه وتكوينه وإفساح كل السبل أمامه لتطوير قدراته وتشجيعه على الإسهام النشيط في جهود التنمية في مختلف المجالات، وبما يحافظ على الهوية المصرية والتقاليد المصرية الأصلية ومع الأخذ بكل أسباب التقدم التكنولوجي على أوسع نطاق ممكن، هذا مع الأخذ في الاعتبار كل ما تحقق في مختلف المجالات وعلى كل المستويات خلال السنوات الماضية للتنمية في مصر، لأن عملية التنمية بطبيعتها هي عملية مستمرة ومتواصلة ترتكز على مرحلة فيها على ما سبقها، وبتواصل أبعاد استراتيجية هذا التوجه الذي يجب العمل على إرسائه، فإن عملية التطوير في الأهداف والأساليب المتبعة التي ينبغي اتباعها والسير فيها للتجاوب مع متطلبات السنوات القادمة يجب بناء نهج متكامل للوطن داخليا وخارجيا، وعلى نحو واضح وشامل ودقيق، والسير في هذا القرن الجديد برؤية واضحة لما ينبغي القيام به خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، لذا يجب أن تكون الرؤية واضحة منذ البداية، تلك الرؤية التي تساعد على وضع التصورات لبناء مجتمع مصري له فكره وله أصالته وله نظرته الاقتصادية القائمة على أساس تنويع المصادر والموارد، وبناء القدرات البشرية التي توفر للاقتصاد المصري القوة والمتانة وتتيح لمختلف فروعه النمو الصحي والتكامل الطبيعي والتفاعل الحيوي والإيجابي من أجل تنمية شاملة تواكب العصر وتستشف آفاق المستقبل· وفي الأخير، لم يكن هدفي من هذه الكتابة عرض موضوع ثقافي أو موضوع ترويجي، إنما هدفي هو أن نبحث مع أبناء مصر الشقيقة المخلصين عن شيء من المنطق في معالجة شؤون مصر السياسية بعيدا عن الانحياز الأعمى والمغالطات الجدلية من أجل وصول أشقائنا في مصر إلى حقيقة الداء واكتشاف الدواء الذي هو في نظري المصالحة بين الأخوة في مصر الشقيقة بمعناها الصحيح تحقيقا لهدفين نحرص عليهما بنفس القدر ونفس الوقت· الأول: أن تعرف مصر طريقها إلى علاج مشاكلها بجدية ودون أن تترك نفسها لمزيد من التجارب العشوائية التي لم تحقق فشلا واضحا في العقود السابقة فحسب، لكنها أيضا ستعرّض مصر في المستقبل لفشل أوضح وأخطر· الثاني: أن نجنب الشعب المصري الشقيق الذي تحمّل حتى الآن فوق طاقته من تراكم المشكلات وآثارها من أن ينزلق ولو عن غير إرادة منه إلى مخاطر الغليان الذي يعيش فيه فينقلب منه الزمام ويتجه إلى أساليب للتعبير عن غضبه تعطل مسيرته وتعرض من أوصلوه إلى ما وصل إليه لأشد أنواع الحساب، فالوقت لا يزال متسعا لعملية الإصلاح والمصالحة الحقيقية قبل فوات الأوان·