الصحافة الأمريكية (نيويورك تايمز خاصة) كشفت أن الرئيس باراك أوباما أمضى على وثائق تسمح لوكالة الاستخبارات الأمريكية بالقيام بأعمال سرية على التراب الليبي· الخبر أكد على أن الوجود الاستخباراتي الأمريكي جاء متأخرا على بداية الأحداث، بصفة عامة، وعلى بداية الضربات الجوية لقوات التحالف· ··ونقول بين قوسين: إن مثل هذا الخبر يشبه من يحاول أن يقنعنا بأنه اكتشف الكهرباء، يعني وكأن المخابرات الأمريكية لم تكن موجودة في ليبيا كما أنه لم تكن موجودة في تونس ومصر وأنها لا تقوم بأي دور في اليمن وسوريا·· عودة إلى السطر· وتحصر المصادر الصحفية أهداف ''السي آي إي'' في ليبيا في مسألتين: الهدف الأول، مساعدة قوات التحالف لتحديد الأهداف على الأرض، وهي مهمة لا يستطيع أن يقوم بها المتمردون، وهي من صميم المهمة التي تقوم بها مجموعة أخرى من الخبراء العسكريين البريطانيين والفرنسيين· والشك يأتي من باب أن مثل هذه المهام إنما هي من اختصاص عسكريين متخصصين في الاستخبارات العملياتية، وليس ذلك من مهام وكالة الاستخبارات المركزية على وجه التأكيد· ومن هنا يأتي الحديث عن الهدف الثاني، والذي يبدو أنه الهدف الرئيسي، والمتمثل في التعرف على حقيقة التركيبة البشرية والايديولوجية للثوار الليبيين· ومن بين الملاحظات التي كررتها الصحافة الغربية بكثرة أن الأمريكيين لا يعلمون بدقة توجهات المعارضة الليبية ولا طبيعة العلاقات والتحالفات التي تربط بين مختلف مكوناتها· وحسب ضباط في الجيش الأمريكي (منهم الأمرال جامس ستافريديس قائد قوات الحلف الأطلسي في أوروبا) وأعضاء سابقين في الاستخبارات فإن الإدارة الأمريكية تعتقد بوجود حقيقي للقاعدة بين صفوف الثوار ولكنها غير متأكدة من نسبتهم ولا من درجة تأثيرهم· ومهمة ''البعثة'' الاستخباراتية أن تتأكد من كل ذلك· ويبنى على المعلومات التي تتحصل عليها هذه البعثة مجموعة من القرارات لا يزال الرئيس باراك أوباما مترددا بشأنها: منها أولا قرار تقديم ئمساعدات عسكرية ومالية إلى الثوار· ونحن هنا نتكلم عن المنطق العام في الخطاب الأمريكي الذي يسعى إلى إقناع الرأي العام الداخلي والخارجي أنه لا يزال على موقفه القديم من القاعدة: العنوان الأكبر للإرهاب الدولي· ومنها ثانيا تحديد الموقف الأمريكي من المجلس الوطني الانتقالي· متى يعترفون به أو متى يعلنون أنه لا يمثل طموحات الشعب الليبي؟ ومنها ثالثا موقفهم من مواصلة المشاركة في الحملة العسكرية وتحديد نسبة مشاركتهم وفي أي اتجاه؟ وباختصار فإن على وكالة الاستخبارات المركزية أن تدرس الوضعية قبل وضع اللمسات الأخيرة للخطة التي يجب القيام بها لإنهاء الحرب وذهاب القذافي· وهذا معناه أن تأتي هذه الخطوة وفقا لما يخططه الأمريكيون لمستقبل ليبيا، لا وفقا لما تفكر فيه تركيبة الثوار، وهذا معناه أيضا ألا ينفرد الفرنسيون بالانتصار في الحرب على العقيد· ويفسر هذا الأمر، من بعض جوانبه ما يشهده الواقع الميداني على أرض المعركة· وإلا فكيف نفسر أنه في الوقت الذي تعلن فيه قوات التحالف على تسليم الناتو قيادة العمليات، وفي الوقت الذي يعلن فيه عن تكثيف الضربات، بل وفي الوقت الذي يعلن فيه الأمريكيون على نجاح مهمتهم ·· في هذا الوقت تأتي الأخبار متواترة عن نجاح القوات النظامية الليبية في صد الثوار ودحرهم إلى النقطة التي انطلقوا منها الأسبوع الماضي· والذي يستفاد من هذه الأخبار أن قوات القذافي لن تلبث أن تصل إلى مشارف بن غازي من جديد· الواضح أن الأمريكيين لا يحبذون إنهاء المعركة قبل أن يتمكنوا من السيطرة التامة على الموقف· يعني معرفة النوايا السياسية للثوار ثم بعد ذلك العمل على توجيههم الوجهة التي يريدون· وقد قلنا في مقال سابق إن الأمريكيين لا يتورعون عن نسج تحالفات مع القاعدة إذا لزم الأمر وإذا رأوا أن ذلك يمكنهم من دخول ليبيا· وهم يحتاجون، من أجل ذلك، إلى مزيد من الوقت، أي تمديد مسرحية الكر والفر بين القذافي والثوار إلى أن ينهي عناصر المخابرات المهمة التي أوكلت لهم· وأي معنى لما يقوله قائد أركان الجيوش الأمريكية أمام الكنغرس من أن قوات التحالف أضعفت كثيرا القدرات القتالية للقذافي ولكن ما أبعد ذلك عن القول بأن القوة العسكرية للقذافي قد انتهت· وظاهر هذا القول أن الأمريكيين يؤيدون فكرة ضرورة إيجاد مخرج سياسي تفاوضي للأزمة، ولكنه بالقدر نفسه دفاع عن العمليات السرية التي تقوم بها أجهزة المخابرات، وتمهيدا لقرارات قادمة وفق ما تسفر عنه هذه المهمة الاستخباراتية·· ونحن نتذكر أن من الأسباب التي برر بها الأمريكيون غزو أفغانستان هي وجود القاعدة، كما كان التحالف المزعوم بين القاعدة وصدام حسين من أسباب غزو العراق· وليس لأحد أن يستغرب أن غزو ليبيا، على الطريقة العراقية، من بين خيارات عديدة يتم التحضير لها الآن في مكاتب البنتاغون والسي آي إي··