تتماهى الكتابة السياحية مع نفسها وتتكيف مع أساطير منجزة تعيش على التحقيب و الأركيولوجيا وتبلغ الذروة في الدعاية والإستشراق والتسويق الكاذب وغير الكاذب للأمكنة والحكايا والمرويات، للشعوب بملامحها، للبطولات ومآثرها، للتراثات المادية واللامادية، مثلما يعمل الدليل السياحي عمل المحرض، الهادي، المروج، والناهض بفكر سياحوي يطارد القيمة ويناور الرمز ويكشف عن المخبوءات في المكان وعبقريته، في أركان المكان ومهملاته، في جدواه بمنظور التاريخ ومنطق الجغرافيا ولغة الاقتصاد، تتجاسر السياحة مع هذه التبويبات والفروع والملاحق المكملة، إذ أنها اقتصاد ورؤية وفكر وهي سياسة دولة واستراتيجية ثقافية رسمية وأخرى موازية، أبعد من ذلك هي شارة نهضة صاعدة أو حتى هي عنوان السقوط الحر، المتهالك·· على أن ثمة سياحات كثيرة ومنظومات متباينة عدة من بلد لبلد ومن قارة لقارة ومن فصل لفصل تتحكم في ذلك الأجواء والمناخات وتبدلات الحياة، إن سياسة وحروب وإن اقتصاد وبورصات، إن خدمات وفندقة وناس وهكذا، وعلى أن ثمة سياحات كثيرة الفنتازمات أكثر، الأحاسيس والأحلام والأشواق والرغبات، النائم منها والمستيقظ، ،الطفولي والراشد، المراهقاتي والناضج، الثقافي وضد الثقافي، الأصيل والإباحي، الذكراني والأنثوي، الصلب والناعم، العابر والمقيم، القصير والطويل، اليومي والأسبوعي، والصيفي وباقي الفصول، الفنتازمات هي والأمزجة هي والنكهات هي وهن اللواتي يتحكمن في الهوى السياحي وتبعاته وفي أدنى من الهوى الإعتبار المالي·· مدفوعة الناس باندفاعات جامحة للتغيير في النفسية والتجديد في الروح كما المغامرة والتجريب والإستئناس واللقاء بالآخر والمتعات والحيوية والهروب والطقسية والمغايرة والتطلع المعرفي ومعها حاجات النفس إلى اللهو والإستراحات والعبث والضحك وقهر أشكال ''الستراس'' وكل أمراض الحداثة وأعراضها الجانبية وتتعاطى الفكرة السياحية هذا الإدمان عبر الكتابة والأفيشات واللاّفتات الدعائية، فهي تبرز الموطن وميزته، قربه من بعده، رفاهيته من كلفته، كلفته من استحقاقه وجدارته بالزيارة ومعاودتها، اختزالا وتكثيفا على ما سبق يتأسس الدليل السياحي على هذه البلاغة والإيحاءات تصرف من أجله الأموال ويجيّش في خاطره الأقلام والإعلاميين، الكتبة والأنتربولوجيين، دهاقنه الجغرافيا والكشّافين وصناع أدب الرحلات والمحققين والمحترفين في أدب الروبورطاج والتصوير الفوتوغرافي وعلوم الإحصاء، إنها دوائر الصراع وحلقات البحث والمدارسة العاملة لمصلحة بلد أو وفق هوية أو طباقا مع جهة واضحة أو غامضة· إنها فن من فنون صياغة الشعوب وعاداتها، تاريخها وأمكنتها، هذه الكتابة الهامشية، فهي ليست جنسا أدبيا قائما بذاته، لكنها لا تخجل من نفسها ومن سرقاتها ومن توظيفاتها ومن تزييفاتها· قبل سنوات زارت الصحافة الفرنسية ''ربما صحفي من الإكسبرس'' مدينة وهران كأي مدينة في العالم قسطها في المخيال جاهز، مهيأ، ودون ملاحظات إلدورادو والجزائر، السهرانة، الماجنة، الصاخبة، ليلها الحي، الراعد، الثمل، وكسلها الصباحي الذي لا يختلف حوله اثنان أو مجتمعين، كتابة فجة، مكرورة، في كل سنة وفي كل حين، هذه النمذجة المدينية تولد السأم، مألوفة ومأفونة، مغرضة، صحفي ''الإكسبرس'' يكون قد قضى لياليه في المنارة، أو الجزيرة أو مسك الليل، أي في لعيون مع الشابة جنات وعبدو والهندي وغيرهم من مبذري الوقت والأخلاق والوجود والعقل في ''تشباشق ليالي بتعبير إحسيسن مانيوس،هذه الكتابة اللّهوية، اللاّهية، الحمراء بصمة السياحة الإستشراقية الغارقة في الوحل والظلمات والشيطنة متزامنة مع اللحظة العنفية الدامية التي كانت مفرقا شاسعا بين جزائر ثمانينية سياحية، مؤهلة، شاملة -مع بعض الهنات- وأخرى تعكس نصف الحقيقة لكنها تشغل الماكينة النيوكولونيالية كي تنمط المدينة ودنيا الناس في بشاعات الليل وغلس دجاه، الدرس السياحي الغربي عنا هكذا مفضوح، اجتزائي من أدب بمدلولات استعمارية وتفكير طغياني، جهنمي، ظلموتي متعسف· إننا هكذا نستاء من التعاطي مع واقع ماثل بكتابة إرشادية معدومة الترميز، معدومة المعرفة، تنتج البؤس بتمجيدها للبؤس بالمعادلة الآتية ليس في الجزائر، إلا وهران وليس في وهران، إلا ليلها وعيونها وليس في عيونها، إلا ''شباشقها'' بتعبير مجنون العاصمة اللطيف إحسيسن مانيوس، وإذاك شذوذات، مروق عن الطبيعة، براحين وبراحات ودسته عاهرين وعاهرات، سياحة لبشر غير أسوياء، الاشتباه ذاته حصل للمجتمع المغربي منذ كم سنة -غير بعيدة- إذ قام صحفي بلجيكي أو جاسوس مستخدم بتصوير أفعال مخلة بالحياء والذوق في رياض مراكش - وقد اهتز الرأي العام يومها على مفردات مقززة مصادمة- فتنة القاصرات، البيدوفيليا، عبادة الشيطان تأتي التحريفية في الدليل والكتابة، في الكتابة عن وفي الأخيلة، في الترويجية والإرشاد ولأسباب من الخارج البراني ومن الداخل المحلي، بينما يلتقط الكسالى، المعتاشين على نظرية المؤامرة بفهلوه ووصولية منقطعة النظير هذا الطبق المسموم تترك العملية السياحية للوهن والزعزعة بلا دفتر أعباء جلي وبلا نصوص تشريعية وبنود متابعة ويجري الحديث تكرارا عن طبيعة عذراء متروكة للوحوش، المساحات الشاسعة للذئاب، الشواطئ للسماسرة المفتولي العضلات، المقاهي، المطاعم،حتى الفنادق لمتدربين عاديين جدا، خيالهم صفر، وابداعهم أصفار مكعبة، رجال جوفّ أغبياء يحكمون العقل السياحي ويلعبون بأقراص ساعته، يسهمون في تأخير خيراته وثمراته، ناهيك عن فكره وطاقاته التي تفتح لشمس بلادي أفقا، وتهدي للصيف الأماني الحالمات وتخلق حالة نومادية جديدة وجريئة وعصرية تتوازى وتتوازن مع مكاتيبنا الدعائية· رغم الحراك الهائل الذي يتصاعد في أجواء العطلات والصيف، فإن أعطابا عظيمة تتخلل الآليات السّياحية وأساليب عملها والسؤال السياحي على باب الله يستصرخ، يندب حظه العاثر، ولازلنا نقدم سياحة مخصوصة، أهلية، تصنف في الدرجة الدنيا صيفا وشتاءا وما بينهما ودار لقمان محنّطة باقية إلى أبد الآبدين وما يحدث هو -استهلاك المستهلك السياحة في الجزائر كانت منتعشة نسبيا في الثمانينات-ولم يعمل الجزائريون على تثقيف السياحي وإعادة ادراجه وتأهيله والتفكير فيه من الداخل ولم يشمل المعطى السياحي في جزائر عذراء الرب أي بريسرويكا ولا غلاسنوست، تبعا لذلك يكون من الهبل العظيم التوكيد على فكرة الدليل، والتراكمات الأخرى المتعلقة بالأدب الدعائي الجزائري المكتوبة عنا أو فينا، فبعضها استشراقي فجّ، وبعضه ركيك دعائي يحجب الحقائق المرة وبعضها اجتهاد فردي وجماعي ناقص أو مخترق بخلفيات زبائنية، منافعية أو عقائدية فكروية ومعنى المعنى أن نوماد مثلا هو من زبدة ما صدر من الكتيبات السياحية وأهمها، دليل صغير، مرتب، أنيق، احتوى على أكثر من ألفي وخمسامائة عنوان لفنادق، ومقاه ومطاعم ومحلات تسوق ومصالح عامة وكذا حساء ثقافي، فسيفسائي، ينتبه له باحترام، وأيضا هو تضمن مدن البليدة، تيبازة، شرشال، وقد كانت غائبة في الطبعة الأولى· يحتاج دليل نوماد إلى عرض شاف وقراءة وجدارة تفكيك ومقارنة ومسح وتحقّق لكنه جاد، تطبيقي، على صلاحية استعمال يحوز وعلى حميمية اصطحاب في السيارات والحقائب اليدوية والمحافظ النسائية الصغيرة وتحصل الملامة على دليل نوماد ومعدّيه كما على غيره، دليل تيبازة، دليل شرشال، دليل سطيف، دليل وهران في اختيار اللغة الفرنسية وحيدة في مجالها دون الإنجليزية والإسبانية والتركية والعربية، فربما إذ ذاك يخدم المكسب ويضيء ما عتم وينفض غبارا عمّ وأطبق وشاع وأشيع · إن الدليل المسمى'' جُِّّن ُّىُّمِ '' أو ''الفطن الصغير'' (اصدار2009 - 2010)، أثار ضجة هنا وبلبلة هناك، لكن لم أقرأ فيه نيات العقل الإستعماري وأراجيفه، قال الحقيقة بالمليان، باستعمال الكلمات الدالة والمدلولات المفضية إلى سياحة جزائرية سعيدة خشية أن لا تكون ثمة سياحة ولا من يسوحون على أرض وطأتها أقدام محمد عبده وكارل ماركس وسيرفانتيس وابن خلدون وجاك بيرك، نام في فندقها الشهير السان جورج سيمون دوبوفوار وأندري جيد وونستون تشرشل ويدوس اليوم على ذاكراتها أي واحد عابر، مجرد عابر سرير ويمضي·