أولا كيف جاءتكم فكرة إنتاج مسرحية تتناول شخصية مولود فرعون وتدين الاستعمار الفرنسي؟ لقد سبق وأن أنتجت مسرحية تاريخية عن الجزائر، وسمحت لي الفرصة باكتشاف نص مولود فرعون، وعند قراءته عدة مرات وجدت فيه عدة أشياء جذبتني على غرار ثراء المعلومات وبشاعة الصورة الحية التي نقلها عن الاستعمار· لقد كان النص يطرح قضية الماضي، الحاضر والمستقبل، ووجدت أن النص لن يموت أبدا، من جهة أخرى، تأثرت جدا بشخصية مولود فرعون المعروف بفرنسا على أنه كاتب كبير ويحلل الأمر بدقة وجدية· لكن للأسف جريدة مولود فرعون انقرضت من المكتبات بفرنسا منذ 15 سنة، ولما كانت لدي فرصة الحصول على وثيقة منها، تعمقت في مضمونها، وقررت إنتاج مسرحية تتناول القضية· أنت معروف بمساندتك للقضية الجزائرية، هل بإمكاننا أن نعرف السبب؟ الدفاع عن القضية التاريخية الجزائرية أمر شخصي نابغ من موقف إنساني، ارتبط بفترة المراهقة عندما كان في عمري 15 سنة، وأنا من أبناء أقدام السود، وشهدت بأم عيني أحداثا مؤثرة ومأساوية، ومنذ تلك الفترة شعرت أن فرنسا ظالمة، وإلى يومنا هذا لا أزال أحتفظ بتلك الصور السوداء، وشعرت بداخلي أنه من واجبي قول الحقيقة للأجيال الجديدة وللذين لم يطلعوا على الحقائق، واستنكار الاستعمار لأنه حقا ارتكب جرائم فظيعة· هل يمكن اعتبار هذه المسرحية وسيلة لمطالبة فرنسا بتقديم اعتذاراتها للجزائريين والاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها خلال فترة الاستعمار؟ طبعا يمكن تصنيفها في هذا السياق، لكن في الحقيقة هدفي من المسرحية هو نقل الحقائق والوقائع، كما أنني أردت أن أوجه رسالة مباشرة للشعب الفرنسي لأقول لهم اطلعوا على ما قام به الاستعمار الفرنسي بالجزائر، وأن فرنسا ظلمت الجزائر شعبا وحكومة، لأن حاليا فرنسا لا تستطيع الاعتراف بجرائمها، واكتشفنا هذا يوم 17 أكتوبر المنصرم، لم نشاهد أي قناة تلفزيونية فرنسية خصصت حصة لهذا اليوم الذي يبقى راسخا في ذاكرة التاريخ، وهذا أمر يشير إلى أن فرنسا رسميا لا تريد الاعتراف، وأنا أقول إن فرنسا ارتكبت جرائم بشعة ضد الشعب الجزائري وضد الإنسانية وضروري الاعتراف بجرائمها· ما هو تفسيرك كمثقف فرنسي لموقف نيكولاس ساركوزي حول جرائم الاستعمار ورفضه الاعتراف بها؟ ليعلم الجميع أن نيكولاس ساركوزي سجين اليمين الفرنسي المتطرف، فهو رئيس فاشل ويعجز تماما عن الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بالجزائر، ومنذ 2007 فهو يقدم هدايا بمواقفه المحتشمة للجبهة الوطنية الفرنسية، أنا أرى أن ساركوزي مقيد بأفكار الجبهة الوطنية، وأنه لا يملك موقفا لنفسه كرئيس دولة، لكن أرى أنه من الضروري أن تعترف فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها في كل مستعمراتها، لأن ماضيها الاستعماري مملوء بالدماء ومتعفن، واعتراف فرنسا بالجرائم سيمنح لها قيمة أكبر وأعلى· أنتجت سابقا مسرحية ''جنونيات استعمارية'' ولمسنا أنك تدين بشدة فرنسا وتحتقر طريقة مباشرة قانون ''تمجيد الاستعمار''، ألم يتعرض مسرحكم لمضايقات من اليمين المتطرف في فرنسا؟ بالنسبة لي لم أقدم عملا تاريخيا، وإنما تناولت الخطاب الكولونيالي، فقمت بعملية مونتاج مع احترام الوقائع، وأردت أيضا من خلال هذا العمل تقديم صورة كاملة عن أهم الأفكار التي سعت المؤسسة الكولونيالية إلى تكريسها ولا تزال، ونظرة الاستعمار للإنسان المسلم والعربي وتصوراته عن المرأة العربية، وتعريف المجتمعات المتخلفة في كتب مدرسية رسمية وقواميس لا تزال موجودة إلى اليوم وتتداولها الأجيال في فرنسا خلال المراحل التعليمية، وكلها أشياء تستحق عناء البحث والتوثيق لأنها إدانة منطقية للاستعمار ووحشيته، بكل بساطة أردت باسم كل الفرنسيين المعارضين للفكر الكولونيالي أن أرد على قانون ''تمجيد الاستعمار'' بمسرحية ''جنونيات استعمارية'' الذي نسجت خيوطه في الظلام وصوّت عليه المتطرفون في فرنسا في الخفاء· وعليه بدأت سنة 2006 ترتيب الخطابات التي ألقاها الرئيس الفرنسي والوزراء احتفالا بمئوية احتلالهم، وهذا هو لب الموضوع، فالفكر الكولونيالي وخطابه العفن لا يزال يتكرر اليوم رغم مرور قرابة القرن· وسياسة ساركوزي في فرنسا وخطاباته ليست بعيدة أبدا عن الطرح الكولونيالي، وأنا كفرنسي أندد بهذه الخطابات السياسية المتطرفة التي لا تمثل رأي الشعب الفرنسي· مسرحية ''جنونيات استعمارية'' لقيت رفضا قاطعا من طرف اليمين المتطرف الفرنسي، لماذا؟ صحيح في البداية منع عرض مسرحية ''جنونيات استعمارية'' في المسارح الفرنسية، لأنه إدانة حقيقية وواقعية للاستعمار، ولأن مضمونه متهكم ويستهزىء بحكام فرنسا، المهم أننا أوصلنا الرسالة إلى فئة لا بأس بها، وحدث أن التقيت شبابا من باب الوادي لا يعرفون شيئا عن تاريخ الجزائر، إضافة إلى بعض الأقدام السوداء الذين اعترفوا بأنهم راحوا ضحية لهذا الخطاب المبطن، أقول إن تصرف اليمين المتطرف بهذه الطريقة راجع إلى الخوف الشديد من الحقيقة ويرعبه التاريخ الموصوم بعار الإجرام، فالتاريخ بالنسبة لهم صفحة غامضة تمس بوطنية فرنسا· هل من عمل مسرحي جديد يتناول القضية الجزائرية؟ نعم أنا بصدد دراسة مشروع مسرحية جديدة عن كاتب جزائري كبير وهو محمد ديب، وسأقوم مثل العادة بالاعتماد على وثائق وحقائق تاريخية وشهادات·