المتمعن في التصريحات المتتالية التي أدلى بها المدرب الوطني للمنتخب الأولمبي، عز الدين جودي، في الأيام الأخيرة التي أعقبت إقصاء ''الخضر'' من الذهاب إلى أولمبياد لندن 2012 سيخرج بفكرتين أساسيتين، الأولى تكمن في أن الناخب الوطني يتمتع بصبر كبير قد يصل إلى درجة صبر أيوب، كونه تحمّل المذلة والإهانة التي لحقت به في سفريته إلى المغرب للتباري على ورقة الأولمبياد رغم المكائد التي حيكت ضده وبإيعاز من رئيس ''الفاف'' روراوة، وتنفيذ المدرب الوطني ممثلا في البوسني حليلوزيتش ورئيس البعثة الجزائرية· أما الفكرة الثانية، فتتجلى لنا كضوء النهار، وهي أن الناخب الوطني الأولمبي آيت جودي حاول بكل الطرق والأساليب وحتى الحيل للخروج بأقل الأضرار من الإخفاق الذي سجله مع لاعبيه في سفريتهم إلى المغرب، ولم يجد من منفذ يخرج به من عنق الرجاجة سوى رمي الكرة في مرمى الطرف الأخرى ونعني به -طبعا- الفاف ورئيسها، بعد أن فاض به الكأس وقرر بطريقة شجاعة ومسؤولة أن يذكر بالخطايا السبع التي وقعت خلال مشوار استعداد الأولمبيين للدورة النهائية المؤهلة إلى الموعد الأولمبي العالمي· ويبدو أن ما كشفه هذا المدرب لحد الآن لا يعدو سوى القليل من الكثير الذي قد يتشجع في الأيام القادمة وينشر غسيله بالكامل وأمام الرأي العام الكروي، وربما سيكشف لنا عدة مفاجآت قد تصل إلى حد اتهام لاعبيه بالتقصير وأسلوب اللعب الذي اعتمده بالسلبي· صراحة، ما أفصح عنه آيت جودي لحد الآن لا يطاق منطقيا، بل ولا يصدقه أي عارف بخبايا الكرة وشطحاتها، طالما وأن أي مدرب عفيف يملك نصف الشخصية التي يجب أن تتوافر في أي مدرب كان، ما كان ليختار الأسلوب نفسه الذي اختاره آيت جودي، وهو الاستمرار في تدريب منتخب الأولمبيين إلى غاية المحطة الأخيرة التي انتهت بالإقصاء الميداني الذي سجله أمام منافسين فازوا بالأداء والنتيجة، لأن قبول أي مدرب التدخل في شؤونه التقنية والسلوكية داخل مجموعته يعني فيما يعنيه أنه يبارك المبادرة ويزكيها، وإلا لما قبِل بها، ليس من حيث المبدأ فقط ولكن أيضا من حيث كون المسألة تتعلق بشخصية هذا المدرب ومستقبله، بل ومستواه الذهني والمعرفي، وكذا ثقته في إمكاناته ومنصبه الذي قبِل به وبقي فيه طيلة هذه المدة· تصريحات بعد فوات الأوان قد يبدو من الوهلة الأولى بأننا غير منسجمين ولا مؤيدين لما ذهب إليه المدرب آيت جودي، وهو يفتح النار على كل من هبّ ودبّ، ويحاول تبرير فشله بأدوات أخرى تبدو متناقضة في الجوهر، فلو عدنا قليلا إلى الفترة التي سبقت دورة المغرب التأهيلية لوجدنا بأن المدرب آيت جودي لم يشر، ولو من بعيد، إلى كل هذه المشاكل التي كشف عنها قبل أيام، حيث لم يعارض البتة تواجد المدرب الوطني حليلوزيتش بالمغرب، ولم يشر إلى التقصير الذي بدر من رئيس الوفد وتحوّله إلى سائح ليس إلا· ولم يذكر مدرب المنتخب الأولمبي بأن رئيس ''الفاف'' روراوة لم يساعده في مهمته، بل على العكس من ذلك فقد تميزت تصريحاته التي رافقت تحضيرات ''الخضر'' بنوع من التفاؤل والرضا على الأجواء التي جرت فيها، وأكد عليها في هكذا مناسبة· لكن، ودون سابق إنذار تنقلب تصريحاته رأسا على عقب، ويتحوّل إلى مدرب متشائم من الوضع ويوجه سهامه إلى كل من رأى فيه بصيص أمل يخرجه من الإخفاق الذي آل إليه· لقد صرح آيت جودي بأنه أخطأ عندما سمح للمدرب البوسني حليلوزيتش الإشراف على حصتين بالمغرب، وهو اعتراف صريح بأنه لم يمانع البت تدخل البوسني في عمله، ربما لكونه كان يطمح والطموح مسموح في أن يقدم هذا المدرب الدخيل بعض الإضافات لتشكيلة بدت ميدانيا عاجزة عن مسايرة ريتم المنافسة وخرجت من السباق بطريقة مهينة للغاية· ولم يتوقف المدرب آيت جودي عند هذا الحد، بل راح يوجه سهامه الحادة إلى البوسني عندما ذكره بأنه فشل هو الآخر في إحراز الفوز أمام نظيره التنزاني خلال التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس إفريقيا للأمم ,2012 وقال بأن لا أحد لامه وأن نية هذا البوسني كانت الذهاب لأولمبياد لندن، وأخطر من ذلك ما ذهب إليه آيت جودي عندما تشجع وقالها بالحرف الواحد بأن حليلوزيتش طلب منه ترك المنتخب الأولمبي له· مقاربة آيت جودي وهو يحاول بشتى الوسائل إيجاد الإعذار والذرائع، لم يتوان المدرب آيت جودي في تشبيه ما حدث له بمغامرة كل من المدرب سعدان وخليفته بن شيخة على رأس المنتخب الوطني الأول عندما تحدث عن الطريقة التي تمت بها إقالته، حيث حاول إيجاد مقاربة تبدو لمن ساير مشوار كل من هؤلاء المدربين الثلاثة بأنها غير منطقية طالما وأن ما حدث لسعدان يختلف بتاتا عما عرفه بن شيخة، وكلاهما تختلف نهايتهما عن تلك التي آل إليها مشوار آيت جودي، مع فارق بسيط كذلك وهي أن هذا الأخير أقحم شيئا جديدا، وهو أنه حمّل الرئيس محمد روراوة جزءا كبيرا من الإقصاء، لأن هذا الأخير أثر بكلامه مع اللاعبين خلال شوطي لقاء نيجيريا عندما أخبرهم بأن منتخب السينغال متفوق على نظيره المغربي، وأن هذا الأخير استفاد من 14 لاعبا محترفا فيما لم يتلق هو (آيت جودي) أي مساعدة من أحد· نكتفي بالقليل من الكثير الذي قاله آيت جودي مباشرة بعد إقالته من طرف المكتب الفيدرالي، وهو الذي كان يمني النفس بمنصب آخر يعرضه عليه روراوة، ولو حدث ذلك لما أخرج آيت جودي ما بجعبته؟! حسن· ب ----------------------------------------------------------------------------- المدربون والأندية·· علاقة تحكمها الأموال والمصالح قبل 14 سنة حضرت مشهدا في إحدى الجمعيات العامة التي عقدها نادي عاصمي عريق لتقديم حصيلته الأدبية والمالية أمام الأعضاء، وكان من بين الحضور مدرب أشرف على ذلك الفريق خلال الموسم الكروي، وكانت نهايته مخزية ومذلة، حيث تعرّض لإهانة كبيرة نتيجة تصريحات أدلى بها لم ترق إلى مسيريه، خاصة رئيس الفريق، وفحوى ما صدر على لسان هذا المدرب ''المسكين'' أنه تبرأ من نتيجة مقابلة قيل حولها الكثير كون فريقه سهل المهمة لخصمه للفوز عليه فوق ميدانه، وبالتالي التتويج بلقب البطولة في الجولة الأخيرة، في لقطة لرد الجميل لهذا الفريق الذي سهّل بدوره المهمة لفريق المدرب المغضوب عليه في الجمعية العامة· ولقد منع يومها هذا المدرب من الادلاء بأي تصريح من طرف رئيس الفريق وطلب منه الحضور دون التدخل· وأمام إصراره على طلب الاستفسار عن الإقالة التي طالته عقب تصريحاته، لأنه بريء من كل ما حدث في تلك المواجهة، خيّره أعضاء الجمعية العامة بين السكوت والصمت أو مغادرة القاعة، ففضّل ذلك المدرب المغلوب على أمره التزام حدوده ومتابعة أطوار الجمعية العامة بعد إن إملأت عيناه بالدموع· وما يهمنا، وربما القارئ كذلك، من وراء سرد ما عاشه هذا المدرب، هو الأحداث التي عرفتها هذه القضية، إذ بعد سنوات قليلة جدا عاد هذا المدرب وقبِل مهمة تدريب النادي نفسه الذي أهانه أمام الملأ، وكأن ما حدث له لا يعدو كونه سحابة عابرة في مسيرته المهنية كمدرب هو اليوم كذلك ما يزال في الميدان ويشرف على أحد أندية القسم الثاني· إن التجربة المريرة التي عاشها هذا المدرب لا تعدو كونها صورة كاريكاتورية تنطبق على أحوال جل مدربينا الذين يتداولون اليوم على الطواقم الفنية للأندية، والمنتخبات على حد السواء، حيث يعانون من الضغط الذي يمارسه عليهم مسؤولو الأندية ويضطرون إلى رمي المنشفة أو مغادرة مناصبهم بخفي حنين، قبل أن يعاودوا الكرة في أجواء أخرى وظروف مغايرة تماما، لكن المصير يبقى واحدا، وهو الإهانة والإقالة عندما تسجل الأندية نتائج سلبية· ما يعيشه اليوم الوسط الكروي عندنا يعد فريدا في العالم، حيث لا تحتفظ مثلا ذاكرتنا الكروية بمثل السيناريوهات التي يعيشها المدرب الجزائري آخرها ما حدث للمدرب حنكوش في مولودية وهران، حيث تمت إقالته لمدة أسبوع كامل قبل أن يعود إلى الفريق في سابقة هي الأولى من نوعها، وهو اليوم ما يزال يمارس مهامه مع فارق بسيط أن عودته ثانية تزامنت مع تحسن مردود ناديه الذي بدأ الموسم بطريقة كارثية· ولم يكن بوسع حنكوش العودة إلى النادي لو استمر زميله الشريف الوزاني في المنصب الذي نصب فيه بعد الإقالة، إذا ما لبث هذا الأخير أن غادر العارضة الفنية بعد أسبوع فقط، ومعه لم تجد إدارة الفريق سوى الاستنجاد بالمدرب القديم المغضوب عليه· وإذا كانت مثل هذه الممارسات تثير فعلا الغرابة، فإن واقع الأحوال في كرتنا، غير ذلك، لأن مهما توترت العلاقات بين المدربين والأندية، فالكل في آخر المطاف يخرج مستفيدا من العملية، لأن المدرب الذي تتم إقالته بطريقة تعسفية أو موضوعية يغادر وفي جيبه مئات الملايين، ولا يكترث كثيرا أو يخاف من البطالة التي قد تطاله، لأن العروض التي تتهاطل عليه كثيرة وبإمكانه خوض تجربة جديدة، بمبلغ مالي آخر دون عناء· أما النادي الذي تخلى عنه فلا يجد هو الآخر أي مشكلة أو إحراج لانتداب مدرب جديد، طالما وأن الأموال موجودة، والهدف الذي يصبو إليه رئيس الفريق وطاقمه التسييري تختزل في نقطة واحدة، وهي محاولة إعادة السكينة والهدوء إلى وسط الفريق وإسكات المعارضة والجماهير ومحاولة إعطاء دفع جديد بدماء جديدة وكفاءات جديدة· هكذا يتم التعامل مع مهنة التدريب، حيث أن كل الأطراف من مدربين، رؤساء الأندية وحتى لاعبين يستفيدون في الأخير من هذه التموجات التي تعيشها الأندية على مدار الموسم الواحد، كما أن الكل راضٍ على الوضع الذي تسير به الأمور ولا يشتكي قط، بل إن جل تصريحاتهم تصب في خانة واحدة، وهي خدمة الكرة الجزائرية، وليتها كانت كذلك·