يتساءل البعض لماذا صمت عبد العزيز بوتفليقة رئيس جبهة التحرير الوطني قرابة العامين على أزمة الأفلان، رغم بقاء المعطيات في الداخل دون تغير في الأشخاص ولا الخلفيات·· صحيح أن حسابات الانتخابات هي التي أملت على بوتفليقة ضرورة التحرك·· لكن المعلومات التي بحوزتنا تفيد أن التخوف من اكتساح للإسلاميين ليس الدافع الوحيد ولا الأهم، فما هي الأساسات الأخرى ولأية قناعة، وهل للحسابات دواعي ظرفية أم دائمة؟ لم يفلح عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، حسب نتائج المؤتمر التاسع المطعون فيه، لم يفلح في إيجاد إجابة مقنعة للإعلاميين والمتتبعين للشأن الأفلاني، على سؤال ظل على لسانهم طيلة قرابة العامين من الزمن، وهو ''لماذا لا يفعل رئيس جبهة التحرير الوطني شيئا يضع به حدّا للانشطار؟''.. لقد ظلت إجابات من قبيل أن ''الرئيس الشرفي ليس له صلاحيات تسمح له بالتدخل'' وأن ''الانشطار مخطط يقف من ورائه شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة استعدادا لدخوله السياسة بحزب جديد''، وأن ''الرئيس له مكانة رفيعة لا ينبغي الزج به في خلافات كهذه''، ظلّت إجابات للاستهلاك، وتبيّن لدى الجميع في النهاية أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أسقط كل تلك ''الإجابات الأسطورية''، آمرا أمين عام الحزب عبد العزيز بلخادم إلى أن يتحمّل تبعات ما يحدث وأن يُبادر شخصيا بمصالحة قوجيل وجماعته، وهو الذي بصم بالعشرة على أن ملف التقويمية مطوي وأنه لن يعود إليه.. بل كان قبل ثلاثة أيام من ''تغيّر المعطيات'' على أمواج الإذاعة الوطنية يقول عكس ما يفعل اليوم. الخلفية·· هل هي الإسلاميين فقط؟ حسب مصادر مطلعة على أساليب عمل النظام التي ''لا تُرى بالعين المجردة''، فإن السلطات على علم بالنتائج المحتملة التي ستحققها جبهة التحرير الوطني ضمن الانتخابات القادمة، بطبعتيها، أي باندماج التقويميون في الجبهة ودون اندماجهم. وهنا يقول مصدرنا إن مصالح الأمن هي التي أقنعت بتقاريرها رئيس الجمهورية، بضرورة مصالحة ''بلخادمية قوجيلية'' في أقرب وقت، ''وذلك من خلال إطّلاعها على كيفية تحضير التقويميين لقوائم الترشح في الولايات والإقبال الكبير لمناضلي الجبهة على حركة التقويم والتأصيل. ليس هذا فحسب، لقد أطلعت مصالح الأمن رئيس الجمهورية على معلومات مهمة تخص المترشحين في التقويمية، حيث توصلت إلى أن هؤلاء المتصدرين والمشكلين للقوائم يتمتعون بشعبية كبيرة وسط محيطهم الانتخابي أكثر من الفريق الذي كان يعتزم عبد العزيز بلخادم الدخول به إلى التشريعيات. وأن مجرد تشتيت الأصوات سيلحق ضررا انتخابيا بالغا بجبهة التحرير الوطني، التي لن تدخل إلى المتحف كما أريد لها ''باعتبارها عنصر توازن كبير في الساحة السياسية، تبقى الحاجة إليه قائمة في كل وقت إذا اقتضت الضرورة''. كما أن نتائج ''السونداج الأمني'' -حسب مصادرنا- لم تكن لتحرك الرئيس لولا أنها لم تكن توحي بأن الفارق بين ما يمكن أن يحصل عليه أفلان بلخادم وأفلان قوجيل فارق مهمّ لصالح التقويميين، وتصبح جبهة التحرير ''الرسمية'' مصدر هزيمة كبيرة تلحق أذى سياسيا كبيرا بسمعة وصورة التحالف الرئاسي من جهة، الذي راهن رئيس الجمهورية عليه ولم يتوان في الإشادة به من حيث كان آلية تضافرت بداخلها جهود كوادر مختلفة لتحقيق ما تضمنه برنامجه من إنجازات ممكنة. ومن هنا يصبح من الصعب التصديق على مستوى الرأي العام أن يكون الأفلان الذي قد تُلحق به هزيمة انتخابية تاريخية، أن الرئيس كان مخطئا في اختياره كشريك سياسي لإنجاز كل ما يتحدث عنه في صورة الحصيلة ضمن خطاباته . ثم السبب الآخر هو القراءة القائلة إن هزيمة الأفلان المحتملة سيتحمّلها الرئيس بسبب عدم تحركه ''بل قد ينظر إليها على أنها مفتعلة، وبالتالي ستعزز الإشاعات التي كانت تغذي وجود تيار يرغب في إدخال الأفلان إلى المتحف وتلحق المسؤولية أيضا بالرئيس، فيما أشيع حول شقيقه وأنه يقف من وراء كل ذلك، وهو ما فلحت التقويمية في استبعاده، ببقائها تناضل في الميدان وتعارض بلخادم ''حتى عندما أسقطت معطيات داخلية وأخرى خارجية نظرية التوريث التي شاعت في أيام ماضية. هذا ما يفسر ذهاب مصادرنا إلى القول إن عامل التهديد الانتخابي الذي يشكله الإسلاميون ليس العامل الأول أو الأولوي الذي حمل الرئيس على ضرورة إجراء مصالحة بين قوجيل وبلخادم ومنهما إلى فريقيهما، فالسلطة رغم علمها بوجود حظ أوفر للإسلاميين بالفوز بالانتخابات التشريعية، فهي لا تشعر بأي خطر يتهدد الاستقرار في الجزائر مادام السلفيون غير منظمين ومنخرطين في اللعبة الانتخابية بحزب مستقل، أقصى ما يفعلونه هو إما المقاطعة أو التصويت لصالح الأحزاب الإسلامية الموجودة حاليا على الساحة التي تبدو أنها موالية من خلال كل تلك الضمانات التي ترددها قياداتها في خطاباتها، وتتشكل أساسا من أنها تقبل مشاركة جماعية في السلطة وأن أسمى هدف لها هو بناء دولة مدنية مبنية على الحريات واحتضان المرأة سياسيا، وأنها لم تأت لتصفي حساب مع أحد ولا أخذ السلطة من أحد مثلما قال ''أعتاهم نظريا'' عبد الله جاب الله، علاوة على الاعتراف الأخير ل ''كبير الإسلاميين الجزائريين'' أبو جرة سلطاني حينما قال ''الجزائر أقل من أن يحكمها الإسلاميون بمفردهم''، وانخراط كل هؤلاء ضمن ما أصبح يعرف ب ''إسلاميو السلطة''، وليس المقصود هنا بأنهم ''عجينة يدها بل المقصود، قبولهم قواعد اللعبة تحت طائل ''المصلحة الوطنية أمام التهديد الأجنبي.'' إرادة بوتفليقة + تقنيات بلخادم + شروط التقويمية = أفلان في وضع خطير! تفيد المعلومات أيضا، التي بحوزتنا، أن قمة جديدة ستجمع عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، بالمنسق العام لحركة التقويم والتأصيل، خلال الساعات القادمة، يتم فيها مناقشة ''التنازلات'' والكيفيات التقنية للإندماج في أسرع وقت ممكن للتحضير للحملة الانتخابية ضمن قوائم مشتركة. وإذا كانت إرادة رئيس الجبهة عبد العزيز بوتفليقة تتمثل في الحفاظ على جبهة تحرير وطني ''لكل الجزائريين'' رغم اختلافات رجالاتها الداخلية، فإن من كلفه بمهمة الإصلاح وهو عبد العزيز بلخادم، لا يحظى بثقة التقويميين، بدليل تضمن العديد من البيانات السابقة وتصريحات ماضية تنديدا بتصرفاته ومنها أنه حوّل الرئيس إلى سجل يمشي به بين المناضلين واتخاذ قرارات باسمه لا علاقة له بها، وإيحاء ذلك في كل وقت منذ فعاليات المؤتمر التاسع. لكن المعطيات اليوم قد تغيّرت، فالرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الواقع هو الذي يفاوض التقويمية، والفرق أنه لا يقوم بذلك شخصيا بل من خلال بلخادم، وإذا كان في ذلك إشارة لضمانات جادة من الرئيس، فإن في الطرف الآخر من الطاولة، تقويميون استنفدوا كل الثقة التي كانوا قد وضعوها في الرجل المكلف بالمهمة، وبينهم من يعبّرون بكل صراحة عن تخوف من أن يستغل بلخادم الظرف لصالحه على حساب التقويمية بمجرد معرفة الجميع أن الرئيس يريد ذلك، وبالتالي يصبحون أمام ''التزام معنوي'' في تطبيق ما يقوله بلخادم لهم، خاصة وأن مجرد محاولة استعمال قنوات التأكد مما يقول قد تهلهل العملية برمّتها، وقد تعيد العملية إلى نقطة الصفر. رئيس الجمهورية لم يناقش مع بلخادم تفاصيل المصالحة، بسبب أن الخلفية تأتي بالدرجة الأولى لحسابات انتخابية يجب أن تكون فيها جبهة التحرير الوطني منافسا حقيقيا متكيفا مع ''التوجهات الجديدة'' للنظام ورغبته في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. لكن، بالمقابل لا يوجد أي استعداد لدى التقويميين في التنازل عن مطالب نضال عمره عامين لتأصيل وتقويم جبهة التحرير الوطني. أكثر من ذلك، تقول مصادر إن التقويمية ينبغي أن تربط في كل إجراء سيُتفق عليه، سواء ضمنيا أو بشكل صريح أن المصالحة ينبغي أن تشمل ما بعد التشريعيات أيضا وبالتالي إعادة هيكلة الحزب من جديد، وبالتالي تحترم إرادة الرئيس من أجل الحفاظ على أفلان سياسي ومنافس، ومحافظ على مرونة النقد الذاتي ما بعد التشريعيات ''لأنه في النهاية هناك ضمان رسمي لحد أدنى من أصوات الجزائريين لصالح الأفلان وتقدر ب 20 بالمائة وتضمنها الفئة الريفية من الجزائريين التي ترتبط معنويا بالأفلان لظروف تاريخية وسوسيولوجية''. وتفيد المعلومات أيضا أن التقويمية لا تعترض على مبدأ إنشاء لجنة مشتركة لمناقشة قوائم واحدة ''لكن هناك احتمال كبير يوقعنا جميعا أمام ضرورة من سيحظى بالترتيب الجيد بين متصدري قوائم التقويمية والموالين لبلخادم''· وإذا كان ذلك مستصاغا من طرف التقويمية، هل سيقبل بلخادم أن تعاد هيكلة الحزب ابتداء من القاعدة في القسمات بعد التشريعيات، وهو المطلب الأسمى للتقويميين الذين ليسوا على استعداد للتفريط فيه؟ فالتوافق بين شروط القوجيليين، وتقنيات بلخادم في الإصلاح هي الضامن الوحيد في المصالحة، وإلا نحن أمام ''أفلان رسمي'' خاسر مسبقا.