يؤدي من خلالها الرياضيون حركات هوائية، جسمانية طليقة ويحلمون بالمعادن النفيسة والشهرة والهيلمان الإعلامي ومن خلالها يتنادى أرباب السياسة والصناعة واللهو إلى توحيد فكرهم الذرائعي نحو الأولمبياد وألعابها المجنونة، الطفولية، الرعناء، والتي تجلب الشغف والملذات وطيب العيش، تجمع الفكرة فيما تجمعه العالم الرياضي وطرائفه، لاعبي القوة والقوى والجمباز، المسابقات الجماعية بأفواجها وتفرق أصنافهم من كرة قدم ويد وسلة وطائرة، منذ البدء استعانت السياسة بالرياضة وتشاطرت أمام آلهة الأولمب بفرض خيارها الإمبراطوري بلا مواربة أو حشمة أو تكتم، إذ استخدمها هتلر والهتلريون في الدعاوى النازية وأراجيفها، وقدم النضال الفلسطيني صورة مشرقة عن راديكاليته العنفية باختطاف رياضيين في ألعاب ميونيخ كما تمنع الروس في دورة لوس أنجلس من عام 1984 من اقتحام العقبة الأمريكية ولاذوا بالمقاطعة ومقاطعة من لا يقاطع بعدم دعوته إلى ألعاب موسكو وهي المسماة بدورة الصداقة ولم يشارك فيها إلا الحلف الاشتراكي، الشيوعي وما كان ذلك ليتم إلا على خلفية اجتياح الإتحاد السوفياتي لأفغانستان سنة 1980 ورد الأمريكان والروس بالخيار المتبادل نفسه. في فلسفة الرياضة تتأسس قواعد هامة وتنبني مرامي ومقاصد وتتوسع خطابات ومقالات كلها دائرة في فلك الإجتماع الكوني، واللحمة والسلام والغناء ضد الحرب ومنابعها.. يقول منظرون في الأدب الرياضي المعاصر إن الألعاب هذه ومسابقاتها هي تطهير للساحة السياسية والملجأ الآمن لتذويب الفروقات الجيوستراتيجية ولذلك تتقدم العواصم الفارهة في أنماط عمرانها وأساليب حياتها وعلو كعب مصانعها تتقدم بطلبات الإستضافة لهذه الدورة أو تلك غير آبهة بالعالم الصغير وايديولوجياته الهشة فأنت تتحدث عن ميونيخ وطوكيو وسيدني وبرسلونة كما سيول وأطلنطا ولندن فإنما تذهب إلى تقارير التنمية البشرية واستطلاعات الرأي وإحصاءات الخبراء وكشوفات الاستخبارات والمخبرين، عن كل شيء تكون له صلة باللعبة، أو بالعاصمة أو بالهوية أو بالهواة، هواة الأولمبياد.. يتلهف الناس لاقتراب الدورة فكأنها المحج اللهوي والكعبة المسلية والطقسية الشعبية المحمولة فوق وتحت أكتاف النخبة من المتبارين الرياضيين ومتعهدي الافتتاحيات والقائمين على بهارجها وألوانها ويتشارك المطورون والقائمون بفنون الكوتشينج والتدريب وطرائقه، المعرفة الرياضية المبنية على الصحة والبيو وتقنيات الأكل الدقيق المدروس، ولا تتوانى مصانع الألبسة الرياضية بماكيناتها الجبارة في إغراق القرية الأولمبية بالمنتوجات الخفيفة الصيفية أو الشتوية إن تعلق الأمر بالألعاب الشتوية. يؤشر الميقات الأولمبي خلال سنوات أربع من التحضير بيد وساق وعلى دماغ وبصر إلى قدرة دولة وتمكن كما إلى إحسان تصريف للأعمال وإلمام بجدول الإنجاز فيحسب ذلك ويضاف إلى السقف التنموي المفترض خلال فترة وجيزة أدناها أربع وأقصاها سبع أي من وقت الإعلان عن الدولة المنظمة وهي لحظة الارتباك والقلب المشحون بالانفعالات الرسمية والشعبية والعقل المشحون بالدلالات.. تبطن الميولات الأولمبية المنزع الأصلي لهذه الدولة ورعاياها في إثبات هوية ذات مركزية خالدة بيد أن المعطى التاريخي والفلسفي للظاهرة الأولمبية يكشف عن مفارقات ومعانقات في صيرورة الحراك الحضاري العام بكافة عناصره، ذاك أن القرية الأولمبية تميت الهوياتي والهووي لصالح المتعدد المتغاير ولحساب المختلف والرمزي وتتجه أبعد من ذلك المبتغى ومنحى الفلسفة الرياضية والتي كما آنفنا تضرب في مضارب اللقاء الأممي المشرك ودعم الأواصر والتلاق والسّلم والسّلم ومنابذة الإصطراع والحرب فلكأن ذلك هو ما أريد به الضد والمخالفة بين الأمم والعقائد، بين الطوائف الإثنية والأشياء اللغوية، بين المقاومات الناجزة والكيانات الصلبة المشدودة لنداءات الجيش ومؤسسات القوة فيحدث أن يتبارى العربي بالإسرائيلي أو أن ينبس الإسرائيلي بشفة من عار وشنار في حق المسلم ولذلك فإن ما قامت المملكة المتحدة بشأن الفولار الإسلامي وكل أشكال الملبس الديني العربي حتى لا يعيق المسلمة من أداءات فنون المبارزة وتطويع الجسد والاحتفاء بالمسابقة ما كان يعني إلا أفضلية السلوك البريطاني وحضاريته الدائمة في تأسيس مبدأ التسامح العام بين الأفراد والجماعات على ظهر هذا الكوكب ثم إن قيام الهيئات الرياضية الدولية بتطبيع الوضع حيال اللباس المعبّر أي الذي يحمل صفة دينية أو مذهبية أو طائفية يحبط نظريات الفكر التقليدي العربي بمسحته التآمرية ومزاعمه الإستعلائية في خوف الغرب من الإسلام، حيث قامت دور أزياء وتصاميم عدة في أوربا بحياكة وتطريز الملبوسات التي لها خلفية إسلامية أو شعار مقدس بلا حاجة إلى معاندة المخيال الإسلامي أو هذياناته المألوفة.. حق علينا القول أن الاكتراث العربي والإسلامي بهذه التفاصيل ليس فيه أدنى فضيلة ويشوش على الحق الإنساني العام في اللهو والرياضة يشوش بالزج بالهوية في كل الموضوعات ومنها على الموضوع الأولمبي. يمكن القول أن المقالة الأولمبية تطرح مستويات كثيرة في التناول والبحث وتطال أبعادا متفاوتة المعنى والقيمة، من ذلك الجيواستراتيجيا، الاقتصاد والانفاق العام، معارك الهوية والمغايرة، أشكال التصاميم في الهندسة والمعمار، التطبيقات التكنولوجية على النماذج، التصنيع الرياضي ومكننة الجسم، التربية، التعليم، الصحة، النقل، البيئة. إنها فقط الحكومات الأولمبية هي من ستقدر على تدبير المعاش الأولمبي وإدارة عائداته، إن التباهي المديني بالإستضاح والضيافة لهذه الأيقونة المتحولة بمشعلنا القاري عرف أوجه وبلغ مبلغه اللاموصوف إلا بالفتنة والإغواء البصري الهيمني مع أجواء الافتتاحية اللندنية الأخيرة وزيد على ذلك طبقة الفضوليين الذين يطلب حضورهم كفريضة طاعة للآلهة القديمة التي تأبى من أن تنسلخ عن معبوديها، لقد تحول الحفل اللندني البهيج إلى مسرح فرجوي، مطلي بأصباغ القارات الخمس أو السبع وبأصباغ مشاهير الإمارة العظمى- التي لن يحدث أن تغيب عنها الشمس- شمس الأولمبياد- وأبان عن هوامش الهوامش في حضورات وتجليات يسميها الكاتب الايطالي بول فريليو بماكينة الابصار وإذ كثر البصاصون ومسترقو النظر والفرجة والمتعة ضمن النسق المعولم الكامل فالناس أثناء وخلال الحفل أسرفوا في الحديث والحملقة والتشاغل بشكل الممثل جوني ديب وبهيئة وقامة أنجيلينا جولي وبمشاكسات بيركاسب.. ولتصير الأرض بعدئذ متكلمة، متحدثة انجليزي لندني، وآه كم يكون ربح ويربح المشتغلون في الملصقات والأفيشات، باعة الأتيكات والهدايا الحاملة لشعار لندن، تجار الأغلفة والتغليف والباكينغ الملونة بأعلام الدورة وعلم المملكة، ولا يغفل عن ذكر الصناعات الحديثة الضخمة ومعالمها التي انهبل منها عق البشر والحيوانات وهم يرون الانجاز الخرافي في هذا العصر الأولمبي اللندني الخرافي.. يجيء الاتجاه الاحتكاري في الحلقة الأولمبية أموالا يندى لها الرأس ومقدمته، وتذهب الرساميل إلى صناديق التبييض ويضحك السادة على العبيد، سادات المنصات الضاحكين والعبيد الصغار من اللاّهثين على المضمار الوردي والمتبارزين على الحلبات، فالصورة تتضح في بعدها العاتم، أي في وجود فحش طبقي جاثم وأبدي بين لاعبين مهرة ولاعبين مهرة آخرين لكن في الملعبين والمضمارين، بين التحت الأرضي والفوق المدرجاتي، حتى أن المجاهرة بمعصية حقوق البث التلفازي للألعاب صارت من أسرار الأمم الكبرى، وكذلك تحريف النقاش من موضعه فيما يخص المنشطات وحبوب الطاقة ودوائر صناعتها ومخابر تهيئتها وتحليلها ثم السر المخبوء في تسللها بين أيدي الرياضيين. يقول التعريف الأكاديمي مبسطا في المناولة اللاّمجدية للأدوية المنشطة كونها مواد كيميائية تتعاطى في غير محلها العلاجي، وهي حالة نفسية استلابية مدمرة وانتحارية يلجأ إليها الرياضي المغلوب على أمره لمجاراة رذائل الشركات وأكابر المترفين النهمين، فلطالما أرهق الرياضي بجسده فيحظر عليه الذبول وانطفاء الشمعة، بل الاستحقاقات والميداليات هي روح الاعلانات وعجلة الاثراء، استلاب جسد الرياضي وامتلاكه وادخاره اليوم جني الثمار هو أحد الطفرات الكارثية لزمن ما بعد الحداثة الأولمبي.. إن المستفيدين من ريوع ممارسة الرياضة وفتونها هم من يدفع بالرياضي هذا أوذاك إلى تحصيل النتيجة عبر الكيفية غير المسموح بها في الأعراف الدولية وأمام سلطات لجان التحكيم وهي أكبر جناية تقع على الظاهرة الرياضية وكافة مناشطها الأولمبية منها وغير الأولمبية ويقتضي الأمر مباحثته بمنطوق السياسة والمال والقانون لا بمعاقبة الرياضيين وعزلهم أو الرمي بهم في حرف ومهن لا قيل لهم بها.. تستهدف المنشطات رياضات كرفع الأثقال وسباق الدراجات وألعاب القوى والسباحة ويرتبط مستوى اللجوء إليها المتزايد لارتباط عمل واجتهاد الرياضيين برهانات مموليهم ومن يتولى أمرهم الحياتي، في ألعاب سيول من عام 1988 صحا المجتمع الرياضي على خبرية سيئة مفادها انتزاع اللقب الذهبي من الرياضي، عدّاء المئة متر الكندي الأسود بن جونسون لثبوت تعاطيه نوعا من العلاجات الكيماوية، ولم يتقبل عشاقه وأحبّته الصاعقة. يحفل المخيال الأولمبي بمنجزين أبطال عظام من أمثال الأوكراني سيرجي بوبكا في القفز بالزانة، وميخائيل جونسون في سباقات ال200 و 400 و هو أمريكي برز في ألعاب سيدني، كما حقق العرب بعضا من الانجازات الفردية حيث سبق المغاربة المشارقة في ذلك، سعيد عويطة في السباقات المئوية والألفية وكذلك ابراهيم بو الطيب وهشام القروجّ، وليصعد نجم نور الدين مرسلي الجزائري اللاّفت، ونالت النسوة حظهن من الذهب من طرف نوال المتوكل المغربية وهي تشغل اليوم منصب وزيرة للرياضة ثم الجزائرية حسيبة بولمرقة والسورية غادة شعاع،لقد عرفت الرياضة الفردية استئثارا ونزوعا ضمن الفضاء الأولمبي فيما لا تشغل الرياضات ككرة القدم وكرة اليد والسلة والطائرة الاهتمام نفسه لعلاقة ذلك بفلسفة الفردي والجماعي في موضوعه الرياضة، إن الأولمبياد هي مضمار الفرد، الانطلاق، الكسب، الانجاز، النجومية، الحب والمال وسلطة المرئي، وتنتكس الرياضات الجماعية فكأنها رحلات تأهيل وتدريب للفرق الوطنية الصغرى من الهواة وفرق الدنيا ومنتخبات الباء لا الألف حتى لا يسمع الواحد فينا أيهم الفائز بالذهب في رياضة شهيرة ككرة القدم. إن مناخ كرة القدم ليس مناخا أولمبياديا وكذلك الريغي والبيزبول وفي ذلك سجال لا ينتهي، متعثر وعالق بالمشاكل بين الهواة والمحترفين، بين الإدارات والسياسات، بين من يكسبون من بيع التذاكر والطبقة العمالية وبين المتفرجين، فإذا ما ظلت الألعاب الأولمبية للفئات الهاوية فسينفر الناس منها وإذا نفر الناس من كرة سلة ليس فيها فريق الأحلام فسينفرون من البلد والسياحة فيه، ولايكون ذلك إلا خراب البصرة، يقال أن خراب أثينا اليوم هو بسبب تنظيمها دورة 2004،فيارب استر لندن وكل من ستر لندن...!!