عاد المخرج المخضرم، علي موزاوي، صبيحة البارحة من قاعة ابن زيدون، برياض الفتح، ليعرض أمام الصحافة الوطنية آخر إنتاجاته بعنوان “الكاذب". بطولة أرسلان لوراري، زهير بوزرار ولأول مرة ياسمين بوخليفة وشريف أزرو. خلطة محترفة هاوية، أرادها موزاوي وصفة لرواية قصة اجتماعية درامية رومانسية في الوقت نفسه، إلا أنه فقد “رأس الخيط" فتهنا معه في مغامرة رمزية لانهاية لها. يروي نص علي موزاي، قصة “عبد الرحمن" (شريف أزرو)، شاب وسيم يشتغل ميكانكيا، لكنه حالم وطموح يسعي بطرق غير مشروعة لتحقيق حلم تغيير حياته. في الطرف الآخر تعيش “ليلى" (ياسمين بوخليفة) رفقة والدها “سي حسن" (ارسلان لوراري) المجاهد المقعد على كرسي متحرك، رفض إعادة الزواج بعد أن فقد زوجته وظل متشبثا بذكراها الجميلة. في المدرسة حيث تشتغل “ليلى" نتعرف على زميلها “مجيد" فنان تشكيلي يخفي قصة شخصية، تثير فضول ليلى. يدخلنا المخرج لعوالم هذه الشخوص على وقع موسيقى كلاسيكية حالمة، ستصبح الخلفية الصوتية طيلة عمر الفيلم (124 د)، نتعرف على “سي حسن" وسط صوره الفوتوغرافية القديمة، يسترجع سنوات كفاحه رفقة المجاهدين ضد فرنسا الاستعمارية، وعكس الصورة النمطية للمجاهد، يقدم لنا موزاي صورة مغايرة لمجاهد يعشق الموسيقى والقراءة، وتربطه علاقة وفاق مع ابنته من جيل الاستقلال، وبدل أن يعاملها بمنطق الآمر الناهي، يربيها على الحرية والتشاور. تجلب “ليلى “ انتباه “عبد الرحمن" الذي يتخذ من الكذب مطية لحصد المال، علاقته بوالده ساعي البريد المتقاعد، متشنجة بسبب تواضع راتبه وقلة حيلته، وبدل أن يقدم عبد الرحمن نفسه كميكانيكي، يلبس بدلة ابن الغني، فيما يخفي حقيقة متاجرته في المخدرات، حيث يتورط في مغامرة تؤدي في الأخير الى مقتل رفاقه المهمشين، وسجنه واكتشاف شخصيته المزيفة. رغم أن الفيلم بدأ يسرد لنا قصة الشاب “الكاذب"، إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام قصة ثانية، أصبحت هي الأصل، وهي تجارة المخدرات، التي يلجأ إليها عبد الرحمن ورفاقه الذين لم يجدوا بديلا عنها هناك في قريتهم بجبال القبائل. بلغة أمازيغية ممزوجة بالفرنسية (ترجمة بالعربية)، يتكلم هؤلاء عن خيبتهم، عن حلم الرجل الأمازيغي الحر، الذي لم يعد له وجود في الواقع، عن أصرارهم على الفرار بعيدا عن واقعهم. إلا أن التسلسل في رواية الأحداث، أصيب بخلل جسيم، فاختلطت علينا المشاهد، وتنقلنا بسرعة البرق بين لقطة وأخرى، دون مبرر منطقي، وكأن الفيلم ركب على عجالة؟ لم يأخذ موزاوي الوقت ليفهم المتفرج أن بطله “عبد الرحمن" تنقل من قريته إلى غرب الجزائر، لم نستوعب ذلك إلا بعد وقت، لنفهم أن الشاب سافر إلى غرب الجزائر، لنقل المخدرات. صورة نمطية أخرى تلصق بولايات غرب البلاد، وصمة المخدرات. رغم تجربة أرسلان لوراري وزهير بوزرار، إلا أن السيناريو، تركهما قابعين في مكان مغلق، في حوار مطول، تحول في كثير من الأحيان إلى مونولوغات احالتنا إلى المسرح بدل السينما. ياسمين بوخليفة أو “ليلى" في الفيلم، بدت منسجمة مع والدها “سي حسن"، وتحدثت بلغة مثقفة مثل والدها المجاهد، إلا أن النص لم يعكس أفكارها، ولا أحاسيسها المتناقضة. شخصية “مريم" ظلت لساعتين ونصف، مجهولة مبهمة، فهي زوجة “مجيد" الفنان، تعيش تمزق التشوه، تحاول الانتحار لأنها لم تتقبل “إرهاب السيوف"، لترحل دون أن نعرف قصتها؟ كان هشام مغريش في دور “ميقو" شخصية مرحة وحلقة ربط مهمة في القصة، باعتباره المحطة التي كانت تربط عبد الرحمن القبائلي بالغرب الجزائري، إلا أن موزاوي أهمل قليلا هذا الممثل الصاعد، وتركه حبيس حوارية مونودرامية حجبت قدرته على التحرك والحيوية.