18 سنة تمر اليوم على اغتيال الفيلسوف بختي بن عودة الذي رحل عنا في تلك اللحظة التراجيدية وهو في عز العطاء، وفي عز الوعد الكريم.. كان بختي مهووسا بتحويل الحداثة إلى سلوك يومي مشحون بالمحبة وبالرغبة الجامحة في انجاز الحفر، الهدم وإعادة البناء للجسد، جسد الكلمات، جسد الفكر، جسد الممارسة وجسد البناء المفاهيمي، وكانت الشراهة والفضول المتقد يسكناه باشتعالهما حتى العظم، مضى بختي وترك خلفه مشروعا مفتوحا، ورشة مفتوحة تنتظر تحقيق الانجاز الشامل.. لقد ساءل بختي الثقافة الشفوية، وأدبيات الحركة الوطنية ونصوص مفكريها التنظيرية لدى مصطفى الأشرف، ورضا مالك ومحمد شريف ساحلي، وساءل مسرح عبد القادر علولة مثلما ساءل نصوص رشيد بوجدرة، كاتب ياسين، محمد ديب وعمار بلحسن، وظل السؤال مفتوحا وهو يخترق تلك الفترة الدامية من تاريخ الجزائر الحديث التي حصدت أجمل الأصوات والعقول، اليوم ونحن نحتفي ببختي بن عودة عبر هذا الملف وهذا الملتقى الذي بادرنا به مع مجموعة من الأصدقاء والأدباء والشعراء والمفكرين، والذي ستعقد أشغاله يومي 22 و23 ماي، سعينا لإنجاز الوفاء لصديقنا ومفكرنا بختي في كامل رمزيته لكن أيضا لنجعل من الحداثة طريقنا لاستعادة الراهن عبر العين الناقدة والمتسائلة والخلاقة ولإعادة تأسيس مشهدنا الثقافي والفكري الذي أضحى يعاني من التشرذم والانكفاء على النفس في زواياه الأشد عزلة.. أما حان للمثقف أن يكسر كل هذه الأغلال التي راحت تفرز لنا مثل هذا الوضع الساكن والجامد والمثير للأسى والغضب؟! بإقبالنا على إطلاق هذه المبادرة الملتقى الوطني الأول حول أفكار بختي بن عودة- سعينا إلى إلقاء حجرة في هذا النهر الراكد من أجل استعادة مشروع النضارة الفكرية والثقافية التي لاحت ملامحها الأولى مع عملية أكتوبر 88 وتحويل هذا المشروع إلى حقيقة على الأرض، حقيقة اسمها يقظة الوعي النقدي، يقظة المثقف الجديد في زمن الاحباطات والشكوك لكن أيضا في زمن الرهانات والتحديات..