عزّ على الأفافاس أن ينتخب رئيسا للحزب يخلف حسين آيت أحمد، لأنه في اعتقاد قيادة الأفافاس، لا يرتقي أي رجل في جبهة القوى الاشتراكية لخلافة آيت أحمد، الشخصية التاريخية والثورية الكبيرة والقديرة.. هل هذه شروط آيت أحمد أم قناعة مناضلي جبهة القوى الاشتراكية؟ إنها بالتأكيد شروط آيت أحمد وليس قناعة الأفافاسيين، فالجميع يتذكر الرسالة التي أعلن فيها “الدا الحسين" عن نيته في الانسحاب من تسيير الجبهة، حيث اقترح “تسييرا جماعيا للحزب" بعد أن استأثر بحكمه لمدة 50 سنة، لم يجرؤ خلالها أي أحد أن ينافسه في الرئاسة، لصناعة مشهد ديمقراطي كالمنظور الذي يدعو له الأفافاس لإسقاطه على تسيير الدولة. وبالتالي، لم يكتف حسين آيت أحمد بحكم الأفافاس لنصف قرن، بل بقي تمثاله “كإله اغريقي" تحت شرعية المادة 30 من القانون الأساسي، ليجعل منه رئيسا شرفيا وروحيا للأفافاس ليحرس خطه السياسي لبقية عمره. وبطبيعة الحال، فإن الرئاسة الشرفية قد يقول قائل أفافاسي إنها لم تكن بطلب من آيت أحمد بل هي “قناعة" المناضلين والقواعد “العريضة" التي تتمتع بها جبهة القوى الاشتراكية، والتي “حازت" بها العدد الحالي لمقاعد البرلمان. لم يفلح الأفافاسيون في “قتل الأب" خلال مشهد ديمقراطي، فبقيت عقدة الأبوية ملازمة لقيادة الأفافاس وبرلمانييها لاعتقادهم أن ليس بينهم رجل في حجم آيت أحمد “الثوري". لكن أليس بينهم رجل جدير بالرئاسة يتم انتخابه بعيدا عن الرمزية التاريخية لحسين آيت أحمد؟ وهل محكوم على جبهة الأفافاس هذه أن تعيش بهذا الرمز إلى الأبد أم ينتظر الأفافاسيون موت آيت أحمد للانقلاب شر انقلاب على الأب الروحي والديوان الأسود المشكل من آل بالول؟ اللذين لا يزالان عمليا يحكمان في الأفافاس. لقد كان على رأس جبهة التحرير الوطني أكثر من رمز تاريخي ولا تقل رمزيتهم أهمية عن رمزية حسين آيت أحمد، لكنهم تركوها لمن وراءهم دون عقدة.. ولقد كان أويحيى على رأس الأرندي ورحل، وسعيد سعدي على رأس الأرسيدي ورحل، وسلطاني على رأس حمس ورحل، وبوكروح على رأس “البيارا" ورحل، ولويزة حنون على رأس حزب العمال وسترحل.. رغم أن الجميع مؤسسون للأحزاب التي ينتمون إليها، وبقي فقط حسين آيت أحمد الذي استقال ولم يرحل.. بل أكثر من ذلك فقد فرض “معنويا" على أربعة رجال وامرأة، حياتهم كلها نضال، بأن يؤمنوا بأنهم غير قادرين على خوض رئاسة بعيدة عن البعد الرمزي والتاريخي لشخصية حسين آيت أحمد، وأن يختزلوا أنفسهم في “شكارة" تؤكد أنهم عاجزون فرديا عن خلافة رجل واحد. بينما الواقع أنه كان بإمكان سعيدة إشعلامن لوحدها خلافة حسين آيت أحمد، إذا نظر الأفافاسيون إلى مستقبلهم السياسي بعيدا عن عقدة الزعيم.. يحدث هذا في وقت باتت كل أوراق مؤتمر الأفافاس مكشوفة، أهمها بقاء عائلة بالول مسيطرة على الأفافاس بجعل عزيز عضو “هيئة الرئاسة"، واستبعاد تكتيكي للدكتور جداعي من هذه الهيئة، تحضيرا لإعادته إلى السكريتارية الأولى..